الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أطيب المباحات، وإنما يكمل (1) طيبه بقوة الملك فيه، مع عدم اللفظ الناقل لملك الأول.
قال ابن المنير: وانظرْ لو أقام صاحبُ هذا الشيءِ اليسيرِ البينةَ عليه مع يسارته (2)؛ كالتمرة ونحوها، والظاهر أنه أحق بها حينئذ.
* * *
باب: كَيْفَ تُعَرَّفُ لُقَطَةُ أَهْلِ مَكَّةَ
1366 -
(2433) - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِدٍ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يُعْضَدُ عِضَاهُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَاّ لِمُنْشِدٍ، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا".
فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِلَاّ الإِذْخِرَ، فَقَالَ:"إِلَاّ الإِذْخِرَ".
(باب: كيف تُعَرَّفُ لُقَطَةُ مكة).
(إلا لمنشِدٍ): أي: مُعَرِّفٍ (3)؛ بدليل الحديث قبله: "إِلَاّ لمعرِّفٍ"، يقال: نَشَدْتُ (4) الضَّالَّةَ، فأنا ناشِدٌ: إذا طلبتُها، وأَنْشَدْتُها، فأنا مُنْشِدٌ: إذا عَرَّفْتُها (5).
(1) في "ع" و"ج": "يملك".
(2)
في "ع" و"ج": "يساره".
(3)
في "ع": "معرب".
(4)
في "ع" و"ج": "أنشدت".
(5)
انظر: "الصحاح"(2/ 543)، (مادة: نشد).
ومذهبُ مالك رحمه الله: أن حكمَ لقطة [مكة حكمُ لقطةِ سائرِ البلاد.
وقال الشافعي رحمه الله: هي بخلاف غيرها، لا تُملك لقطتها] (1) أبداً، وإنما يلتقطها من يعرفها، وإليه ذهب الباجي، وابن العربي من أصحابنا؛ تمسكاً بهذا الحديث.
قال شيخنا ابن عرفة: والانفصال عن (2) التمسك به على قاعدة مالك في تقديمه العملَ على الحديث الصحيح حسبما ذكره ابن يونس في كتاب "الأقضية"، ودل (3) عليه استقراءُ المذهب واضح.
وقال ابن المنير: ووجْهُ (4) مذهب مالك التمسكُ بظاهر الاستثناء؛ لأنه نفى الحل، واستثنى المنشِد، والاستثناءُ من النفي إثبات، فيكون الحلُّ ثابتاً للمُنْشِد؛ أي: المعرَّف (5)، يريد: بعد قيامه بوظيفة التعريف، وإنما يريد على هذا: أن مكةَ وغيرَها بهذا الاعتبار في تحريم اللقطة قبلَ التعريف، وتحليلها بعدَ التعريف واحدٌ، والسياقُ يقتضي اختصاصَها عن غيرها.
والجواب: أن الذي أشكلَ على غير مالك إنما هو (6) تعطيلُ المفهوم؛ إذ مفهومُ اختصاص مكةَ بحلِّ اللقطةِ بعدَ التعريف، وتحريمِها قبلَه: أن غيرَ
(1) ما بين معكوفتين ليس في "ج".
(2)
في "ج": "على".
(3)
في "ع": "ودليل".
(4)
في "ع" و"ج": "وجه".
(5)
في "ج": "العرف".
(6)
"هو" ليست في "ع".
مكة ليسَ لذلك (1)، بل تحلُّ لقطتُه مطلقاً، أو (2) تحرم مطلقاً، وهذا لا قائل به، فإذا آل الأمرُ إلى هذا، فالخطبُ يسير، وذلك أنا اتفقنا على (3) أن التخصيص إذا خرج مخرجَ الغالب، فلا مفهومَ له، وكذلك نقول هنا: الغالبُ أن لقطةَ مكة ييأس ملتقطها من صاحبها؛ لتفرُّق الخلق عنها إلى الآفاق البعيدة، فربما داخلَه الطمعُ فيها من أول وهلة، فاستحلَّها قبلَ التعريف، فخصَّها الشارعُ بالنهي عن استحلالِ لقطتها (4) قبلَ التعريف؛ لاختصاصِها بما ذكرناه، فقد ظهرت للتخصيص فائدة سوى المفهوم، فسقط الاحتجاجُ به، وانتظم الاختصاص حينئذ، وتناسب السياق، ذلك أن المأيوس من معرفة صاحبه لا يُعَرَّف؛ كالموجود بالسواحل، لكن مكة تختص بان تُعَرَّفَ لقطتُها.
وقد نص بعضهم على أن لُقَطَة العسكر ببلد الحرب إذا تفرق العسكر لا تعرَّف سنة؛ لأنها إما لكافر، فهي مباحة، وإما لأهل العسكر، فلا معنى لتعريفها في غيرهم، فظهر حينئذ اختصاصُ مكة بالتعريف، وإن تفرقَ أهلُ الموسم، مع أن الغالبَ كونُها لهم، وأنهم لا يرجعون لأجلها، فكأنه عليه السلام قال: ولا تحل لقطتها إلا بعدَ الإنشاد والتعريفِ سنةً؛ بخلاف ما هو من جنسها؛ كمجتمعات العساكر، ونحوها؛ فإن تلك تحل بنفس افتراق العسكر، ويكون المذهب حينئذ أسعدَ بظاهرِ الحديث من
(1) في "ج": "أن غير كذلك".
(2)
في "ج": "و".
(3)
"على" ليست في "ع""و"ج ".
(4)
في "ج": "للقطتها".
مذهب المخالِف؛ لأنهم يحتاجون إلى تأويل اللام، وإخراجها عن التمليك، ويجعلون المراد: ولا تحلُّ لقطتُها إلا لمنشِد، فيحل له إنشاد، لا أخذُها، فيخالفون ظاهرَ اللام، وظاهرَ الاستثناء.
ويحقق ما قلناه من أن (1) الغالبَ على مكةَ أن لقطتَها لا يعود لها صاحبُها، أننا لم نسمع أحداً ضاعت له تليفة بمكة، فرجع إليها ليطلبها، ولا بعث في ذلك، بل ييأس منها بنفس التفرق، والله أعلم.
* * *
1367 -
(2434) - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِم، حَدَّثَنَا الأوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيىَ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، قَامَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإنَّهَا لَا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَاّ لِمُنْشِدٍ. وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ". فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلَاّ الإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِناَ وَبُيُوتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِلَاّ الإذْخِرَ". فَقَامَ أَبُو شَاهٍ، -رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ-، فَقَالَ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اكْتُبُوا لأَبي شَاهٍ".
(1)"أن" ليست في "ج".
قُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ: مَا قَوْلُهُ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هَذِهِ الْخُطْبَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
(حبس عن مكة الفيل): بالفاء والمثناة من تحت.
ويروى: بقاف ومثناة من فوق، وقد مر في كتاب: العلم.
(فقام أبو شاهٍ): -بهاء أصلية منونة-، وهو مصروف.
قال القاضي: كذا ضبطه بعضُهم، وقرأته أنا معرفةً ونكرةً (1).
قال (2) ابن الملقن: وعن ابن دحية: أنه بالتاء منصوباً (3).
قلت: لا يُتصور نصبُه؛ لأنه مضاف إليه في مثل هذا العَلَم دائماً، وإنما مراده: أنه معربٌ (4) بالفتحة في حال الجر؛ لكونه غير منصرف، وذلك لأن القاعدة (5) في العَلَم ذي الإضافة اعتبارُ حال المضاف إليه بالنسبة إلى الصرف وعدمه، وامتناع دخول اللام ووجوبها، فيمتنع مثلُ هذا، و (6) مثلُ أبي هريرةَ من الصرف، ومن دخول الألف واللام، وينصرف مثل أبي بكر، ويجب اللام في مثل امرئ القيس، ويجوز في مثل (7) ابن العباس.
* * *
(1) انظر: "التنقيح"(2/ 542).
(2)
في "ع": "فقال".
(3)
انظر: "التوضيح"(15/ 542).
(4)
في "ج": "معروف".
(5)
في "ج": "العادة".
(6)
في "ع": "أو".
(7)
"مثل" ليست في "ع".