الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يقعُ بالإبراء، فإن أجره، وإن كان أوفرَ، يتعقبه، وينتهي بنهايته، ولستُ أستطيع أن أقول: الإنظارُ أفضلُ على الإطلاق، وإنما قلتُ ما قلتُ على حدِّ:"سَبَقَ دِرْهَمٌ دِينارًا"(1)، وَسَبَقَ دِرْهَمٌ مِئَةَ ألْفٍ"، فلينظر ما حركته من البحث؛ فإنه محتاج (2) إلى مزيد تحرير.
* * *
باب: إِذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ، وَلَمْ يَكْتُمَا، وَنَصَحَا
ويذْكَرُ عَنِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: كَتَبَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْعَدَّاءَ بْنِ خَالِدٍ، بَيْعَ الْمُسْلِم الْمُسْلِمَ، لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةَ، وَلَا غَائِلَةَ". وَقَالَ قَتَادَةُ: الْغَائِلَةُ: الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالإِبَاقُ.
وَقِيلَ لإبْرَاهِيمَ: إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ يُسَمِّي آرِيَّ خُرَاسَانَ وَسِجسْتَانَ، فَيقُولُ: جَاءَ أَمْسِ مِنْ خُرَاسَانَ، جَاءَ الْيَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ، فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً.
وَقَالَ عُقْبَةَ بْنُ عَامِرٍ: لَا يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً، يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دًاء، إِلَاّ أَخْبَرَهُ.
(هذا ما اشترى محمدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من العَدَّاء): العداء (3) -بفتح العين المهملة وبالمد أيضًا-.
قال المطرزي: فرس عَدَّاء على فَعَّال، وبه سُمي العَدَّاءُ الذي كتب له
(1) في "ج": "دينار".
(2)
في "ج": "يحتاج".
(3)
"العداء" ليست في "ع".
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الكتابَ المشهور، قال: وهو المشتري، لا (1) النبيُّ صلى الله عليه وسلم، هكذا ثبت في "الفائق"، و"مشكل الآثار"، و"معجم الطبراني"، و"معرفة الصحابة" لابن منده (2)، و" الفردوس" بطرق كثيرة.
قال الزركشي: وكذا الترمذي، وقال: حسن (3)، وهو عكسُ ما ذكره البخاري هنا، ولهذا قال القاضي: إنه مقلوب (4)، و (5) صوابه: هذا ما اشترى العداءُ بنُ خالد من محمدٍ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال: ولا يبعد صوابُ ما في البخاري، واتفاقُه مع الروايات الأُخر إذا جعلتَ اشترى بمعنى: باع (6).
قلت: أو يحمل على تعدد الواقعة، فلا تعارضَ حينئذٍ.
(لا داءَ، ولا خُبثَةَ (7)، ولا غائلةَ): قال المطرزي: الداء: كلُّ عيبٍ باطنٍ (8)، ظهرَ منه شيء أم لا؛ كوجع (9) الكبد، والسعال.
والخِبْثة - بكسر الخاء المعجمة وإسكان الباء الموحدة ثم ثاء مثلثة -:
(1) في "ع": "لأن".
(2)
في "ج": "منذر".
(3)
رواه الترمذي (1216).
(4)
في "ع": "إنه صواب".
(5)
الواو ليست في "ج".
(6)
انظر: "التنقيح"(2/ 469 - 470).
(7)
في "ع": "خبيثة".
(8)
"باطن" ليست في "ع".
(9)
في "م": الوجع".
أن (1) يكون مسببًا من قوم لهم (2) عهد.
وقيل: المراد بها: الحرام؛ كما عبر عن الحلال بالطيب.
قال ابن التين (3): ضبطناه في أكثر الكتب بضم الخاء، وكذلك سمعناه، والغائلة فسرها في متن البخاري نقلاً عن قتادة بأنها الزنا والسرقة والإباق (4).
قال ابن المنير: وقوله: "لا داء" بمعنى: لا داءَ يكتمُه البائع، وإلا، فلو كان بالعبد داء، وبيَّنَهُ البائع؛ لكان بيع المسلمِ المسلمَ، فلابد من تأويل الحديث هكذا.
وفيه دليل (5) على أن تصديق الوثائق بقول الكاتب: هذا ما اشترى أو أصدقَ، جائز وسُنَّة، ولا يبالى بوسوسة من تحرَّجَ من هذه الصفة، وزعم أنها تلتبس بالنافية.
وفيه دليل على أن يُذكر شِرى المشتري قبل بيع البائع، فلا تصدر الوثيقة بقولك: هذا ما باع فلان.
وأوردَ سؤالًا، وهو أن الفقهاء يقولون: إن الإيجاب من البائع، وإنَّ جانبه أقعدُ في البيع من جانب المشتري، ولهذا قالوا: تتعدد الصَّفَقَة بتعدد البائع، لا بتعدد (6) المشتري، فما وجهُ البداءة بالشراء، والبيعُ أقعدُ منه؟
(1) في "ج": "أي".
(2)
في "ع" و"ج": "قولهم".
(3)
في "ج": "ابن المنير".
(4)
انظر: "التوضيح"(14/ 141 - 142)، و"التنقيح"(2/ 470).
(5)
في "ج": "تأويل".
(6)
في "ع": "بتعد".
وأجاب: بأن المشتري أحوجُ إلى الوثيقة من البائع؛ لأنه صاحب الطلب بالعهدة، وصاحبُ العين التي هي مَظِنَّةُ التنازع، والاحتياجِ إلى إثبات المِلْك، ولهذا كانت أجرة الوثيقة على المشتري لا على البائع؛ لأنه أقعدُ بها.
وجرى العادة في عصره بأن يقدِّمَ (1) الشاهدُ ذكرَ البائع في رسم شهادته، فيقول: شهدتُ على البائع والمشتري، فسأل: لم كان (2) الأدب كذلك؟
وأجاب: بأن المشتري أحوجُ إلى الإشهاد على البائع من البائع، وإلى (3) الإشهاد على المشتري، وقد حصل الغرض من تقديم المشتري.
قال (4): فإن كان البيع بنسيئة (5)، فحاجة البائع إلى الإشهاد أشدُّ، فكان (6) ينبغي تقديمُه في الوثيقة.
وأجاب: بأنه لما كان بيعُ النقد أكثرَ، عُمل عليه، واطردت القاعدة، ولهذا كان (7) وضع وثيقة السلم على خلاف هذا تقدَّم فيها ذكرُ البائع الذي هو المسلَم إليه؛ لأنها قاعدة مستقلة، وليست فيها عينٌ معينة، إنما هي شهادة على الذمة، فقدِّم فيها المشهودُ عليه؛ كوثيقة الدَّين الذي لا يُذكر له سبب (8)،
(1) في "ج": "يتقدم".
(2)
في "ج": "يكن".
(3)
في "ع" و"ج": "وأولى".
(4)
"قال" ليست في "ج".
(5)
في "ع": "تنبيه".
(6)
في "ج": "وكان".
(7)
في "م": "كانت".
(8)
في "ع": "يذكر له من مخلص من منازعة الشفعة وهو مذكور في الحد في سبب".
وتُقَدَّمُ في الصدقات والنِّحَلِ (1) المتصَدِّقُ؛ لأنها فضل، وصاحبه أولى بالتقديم.
قلت: أطال رحمه الله فيما لا طائلَ تحته من توجيه أوضاعٍ اصطلاحية لا يختلف حكمُ الشرع باختلافها، ولا يترتب عليها فائدة.
(إن بعض النخاسين): - بنون وخاء معجمة -؛ أي: الدلالين.
(يُسَمِّي آرِيَّ خُراسانَ): ببناء يسمِّي للفاعل، وفاعلُه ضميرٌ يعود إلى البعض المتقدم، وآرِيَّ مفعوله الأول، وخراسانَ مفعوله الثاني.
قال القاضي: وأرى أنه نقصَ من الأصل بعد آري لفظةُ دوابه (2)؛ يعني: أنه كان (3) الأصل: يُسَمِّي آرِيَّ (4) دوابه، فنقص لفظَ: دوابه.
قلت: يمكن أن يوجَّه بأنه من حذف المضاف إليه، وإبقاءِ (5) المضافِ على حاله، وبأنه على إرادة اللام (6)، فقد جوزوا الوجهين فيما سمع من قولهم:"سلامُ عليكم" - برفع سلام مع عدم تنوينه -، ويأتي الوجهان في قراءة من قرأ من أهل الشواذ:{فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 69]- بضم الفاء مع ترك التنوين -؛ أي: فلا خوفُ شيءٍ عليهم، أو: فلا الخوف، فكذا ما نحن
(1) في "ع": "والتحمل".
(2)
انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 28).
(3)
في "ع": "إذا كان".
(4)
في "ج": "أي أرى".
(5)
"المضاف إليه وإبقاء" ليست في "ع".
(6)
في "ع" و"ج": "اللازم".
فيه؛ أي: يسمِّي آريَّ [دوابه، أو يُسَمِّي الآرِيَّ](1).
قال الزركشي: وقد (2) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا همام عن معمر، عن إبراهيم، قال:"قيل له: إن ناسًا من النخاسين وأصحاب الدواب يسمِّي إِصطبلَ دوابِّهِ خُراسانَ وسجستانَ، [ثم (3) يأتي بدابته إلى السوق، فيقول: جاءت من خراسان وسجستان] (4)، قال: إني أكره هذا"(5).
والآرِيُّ - بهمزة فألف (6) فراء مكسورة فمثناة من تحت مشددة -.
قال القاضي وغيره: هذا هو الصواب، ووقع عند المروزي:"أَرَى" -بفتح الهمزة والراء -؛ مثل دَعَا، وليس (7) بشيء، وهو مَرْبَطُ الدابَّة، وقيل: معلَفُها.
وقال الأصمعي: هو حبل يُدْفَن في الأرض، ويبرز طرفُه (8)، تُشدُّ به (9) الدابةُ، ومعنى ما أراد البخاري: أن النخاسين كانوا يسمون مرابطَ دوابهم بهذه الأسماء؛ ليدلّسوا على المشتري بقولهم (10) كما جاء الآن من
(1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".
(2)
في "ج": " وكذا".
(3)
في "ج": "قال إني أكره ثم".
(4)
ما بين معكوفتين ليس في "ع".
(5)
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(23311)، وانظر:"التنقيح"(2/ 471).
(6)
في "ج": "وألف".
(7)
في "ع": "والراء مثلثة أو ليس".
(8)
في "ع": "ومر بطرفه"، وفي "ج":"ونير طرقه".
(9)
في "ج": "لشدته".
(10)
"بقولهم" ليست في "ج".