الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رحمهما الله. وكنت أودّ أن لا يَكثرُ الحديث حول هذه القضية؛ لأنها قضية المدّعى عليه فيها مجهول.
ونحن نعلم بداهة عندما تناقش قضية من القضايا مما اختلفت فيها آراء العلماء أن لكل رأي قائلًا يدافع عنه، يقال ذهب فلان إلى كذا، وقال فلان آخر كذا، ففي الفقه مثلًا يقال قال الشافعية كذا وقال الحنفية كذا، وفي التفسير يقال: قال ابن جرير كذا، وقال الزمخشري كذا، وفي الحديث يقال: قال صاحب الفتح ابن حجر كذا، وقال العيني في عمدة القارئ كذا، وفي أصول الفقه يقال: قال الآمدي كذا وقال ابن الحاجب كذا، وفي النحو يقال: قال سيبويه كذا وقال المبرد كذا. أما قضيتنا هذه فيقولون: منع قوم التفسير بالرأي، أما من هم هؤلاء القوم ومن هذه الجماعة، فإنهم لم يذكروا شخصًا معينًا، يمكن أن يوجه إليه القول لمناقشته.
وأنقل هنا كلمة للشيخ الذهبي من كتابه التفسير والمفسرون:
يقول: "اختلف العلماء من قديم الزمان في جواز تفسير القرآن بالرأي، ووقف المفسرون بإزاء هذا الموضوع موقفين متعارضين: فقوم تشددوا في ذلك فلم يجرءوا على تفسير شئ من القرآن، ولم يبيحوه لغيرهم، وقالوا: لا يجوز لأحد تفسير شيء من القرآن، وإن كان عالمًا أديبًا، متسعًا في معرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار، وإنما له أن ينتهي إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الذين شهدوا التنزيل من الصحابة رضي الله عنهم، أو عن الذين أخذوا عنهم من التابعين، وقوم كان موقفهم على العكس من ذلك، فلم يروا بأسًا أن يفسروا القرآن باجتهادهم ورأوا أن من كان ذا أدب وسيع فموسع له أن يفسر القرآن برأيه واجتهاده"(1).
رأينا في القضية:
والذي أوقن به أن أئمتنا رحمهم الله كانوا يفترضون أن هناك مخالفًا
(1) التفسير والمفسرون ج 1 صفحة 255 - 256.
ويفترضون له حججًا وأدلة ويأتون بها ويردون عليها ليسلم لهم الرأي الذي يتبنونه، وهذا كثير في كتبهم، وإلا فكيف يمكن أن نتصور أن هناك عاقلًا، فضلًا على أن يكون عالمًا، فضلًا على أن يكون إمامًا لا يجيز التفسير إلا إذا كان مرويًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان له حكم المرفوع، وهو قليل؟ ولو قدِّر لمثل هذا القول -لا سمح الله- أن يكون له رواج في البيئة العلميّة لما أفاد أحد من هذا القرآن العظيم ولما كانت هذه المكتبة القرآنية التي أنعم الله بها على المسلمين، بل على الناس جميعًا، لقد كتب صاحب كتاب، (الدخيل في التفسير)(1) ما يزيد على خمسين صفحة في هذا الموضوع وما نظن أن الأمر يحتاج إلى ذلك كله.
والذي يقرأ أدلة هؤلاء الذين أدّعي أنهم يمنعون التفسير بالرأي، يدرك لأول وهلة أنها لا تعدو أن تكون عموميات يسهل نقضها والردّ عليها، فمنها مثلًا:
1 -
قول الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] قالوا فهذه الآية الكريمة تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي ينبغي أن يبين للناس. ويرد هذا القول بأن الآية الكريمة ليس فيها أن غير الرسول عليه وآله الصلاة والسلام لا يجوز له أن يبين للناس، كيف وهناك آيات كثيرة، تحتم على العلماء أن يبينوا للناس ما لا يعلمون؟
2 -
ما رواه الترمذي وأبو داود عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قال في كتاب الله عز وجل برأيه فأصاب فقد أخطأ"(2) ومع أن الترمذي قال عنه غريب، فقد تكلموا على أحد رواته، وهو سهيل بن أبي حزم، قال ابن حجر (سهل بن أبي حزم، ويقال إن اسمه مهران، أو عبد الله وبعد أن ذكر عمن روى، ومن روى عنه، قال. قال حرب عن أحمد. روى أحاديث منكرة وقال البخاري لا يتابع في حديثه، يتكلمون فيه، وقال أبو
(1) ص 238 - 339.
(2)
أخرجه الترمذي (2952) وأبو داود في كتاب العلم (3652).