الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحفريات داروين وما بعدها لا تستطيع أن تثبت أكثر من هذا. لا تستطيع أن تثبت في يقين مقطوع به -أن هذا النوع تطور تطورًا عضويًا من النوع الذي قبله، من الناحية الزمنية وفق شهادة الطبقة الصخرية التي يوجد فيها- ولكنها فقط تثبت أن هناك نوعًا أرقى من النوع الذي قبله زمنيًا .. وهذا يمكن تعليله كما قلنا ..
وعندئذ تكون نشأة النوع الإنساني نشأة مستقلة في الزمن، الذي علم الله أن ظروف الأرض تسمح بالحياة والنمو والترقي لهذا النوع. وهذا ما ترجحه مجموعة النصوص القرآنية في نشأة البشرية، وتفرد الإنسان من الناحية البيولوجية والفسيولوجية والعقلية والروحية. هذا التفرد الذي اضطر الداروينيين المحدثين -وفيهم الملحدون بالله كلية- للاعتراف به، دليل مرجح على تفرد النشأة الإنسانية، وعدم تداخلها مع الأنواع الأخرى في تطور عضوي) (1).
الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة:
للأستاذ الشيخ كتيب قيم بعنوان العقيدة الإسلامية كما جاء بها القرآن الكريم تحدّث فيه عن أركان الوحدانية التي قسمها إلى أقسام ثلاثة:
1 -
الوحدانية في الذات وتحدث معها عن وحدانية الصفات.
2 -
الوحدانية في الخلق والتكوين.
3 -
الوحدانية في العبادة.
وسأكتفي ببعض ما ذكره الشيخ عند حديثه عن القسم الأول: "يذكر الشيخ أن المسلمين مقرون أن الله تعالى غير خلقه وهذا أصل يتفق عليه الجميع من غير نكير، ولا اختلاف فيه عند أهل القبلة، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا
(1) الظلال جـ 7 ص 137 - 138.
يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر: 23، 24]، وهو سبحانه العليم الحكيم والسميع البصير، وهذه الأسماء، وأن تشابهت في الاسم مع صفات الناس كالقدرة والإرادة فإن حقيقة هذه المعاني التي تنسب إلى الله تعالى غير ما هو معروف عند العباد فما يضاف إليه سبحانه غير ما يضاف إلى الناس، وما يضاف إلى الله يليق بالخالق، هذا هو معنى وحدانية الذات في نظر الذين يقفون عند النصوص القرآنية- ويستأنسون لفهمهم بالأحاديث النبوية التي رويت عن طريق الثقات
…
إن أهل القبلة جميعًا متفقون على وحدانية الذات الإلهية وأنها لا تشبه الحوادث سواء في ذلك الذين يؤولون ظواهر القرآن، أو لا يأخذون بظواهر الألفاظ من غير تخريجها على مجاز مشهور ولو كان يبدو بادي الرأي، والذين يأخذون بظاهر اللفظ من غير التفات للمجاز ولو كان مشهورًا، وعبارات القوم تومئ إليه إذ الجميع يتجهون إلى التنزيه المطلق وإن اختلفت العبارات وتباينت الإشارات" (1).
ويعرض الشيخ لموضوع المتشابه الذي جاء في القرآن في آية آل عمران (2): ويتحدث عن أهل التأويل وأهل التفويض، ويقول "إن غير الظاهرية من العلماء يرون أن في القرآن متشابها ويخوضون في بيانه خوضًا كبيرًا، ولا يهمنا مما خاضوا فيه إلا كلامهم في التنزيه وما تتصف به الذات العليّة، فقد ورد ذكر الوجه مضافًا إلى الله جل جلاله وذكرت اليد مضافة إلى ذات الله، وكذلك العين
…
ومن العلماء من يقول إن ما ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن وما ذكره عنه النبي صلى الله عليه وسلم يؤخذ كما هو من غير تأويل ولا تفسير، بل يؤخذ اللفظ. ومن هؤلاء طائفة من الحنابلة، وقد تشدد في الأخذ بنظرهم ابن تيمية وادعى أن ذلك هو قول السلف
(1) ص 29.
(2)
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7].
الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ويعجب الشيخ أبو زهرة لهذا القول إذ إن من الحنابلة من ينكر أن يكون ذلك مذهب السلف (1) ويستنكر قول الذين يزعمون ذلك، ومن هؤلاء ابن الجوزي فقد أخذ عليهم أنهم سموا الإضافات صفات، فاعتبروا الاستواء صفة وأنهم حملوا العبارات على ظاهرها، وأنهم أثبتوا العقائد بأدلة غير قطعية، وأخذ عليهم أنهم اعتبروا ذلك هو علم السلف، فتبين أن علم السلف غير ذلك، وإليك قوله رضي الله عنه، وقد حصر أغلاطهم في سبعة مواضع:
الأول: أنهم سموا الأخبار صفات، وإنما هي إضافات وليس كل مضاف صفة، فإنه قال تعالى:{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} وليس لله صفة تسمى الروح، فقد ابتدع من سمى المضاف صفة.
والثاني: أنهم قالوا هذه الأحاديث من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. ثم قالوا نحملها على ظواهرها.
فواعجبا! لا يعلمه إلا الله تعالى أي ظاهر له، وهل ظاهر الاستواء إلا القعود؟ وظاهر النزول إلا الانتقال؟
والثالث: أنهم أثبتوا لله سبحانه وتعالى صفات بأخبار آحاد وصفات الحق جل جلاله لا تثبت إلا بما تثبت به الذات من أدلة قطعية.
والرابع: أنهم لم يفرقوا في الإثبات بين خبر مشهور كقوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا" وبين خبر لا يصح كقوله: "رأيت ربي في أحسن صورة".
والخامس: أنهم لم يفرقوا بين حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبين حديث موقوف على صحابي أو تابعي، فأثبتوا بهذا ما أثبتوا بهذا.
(1) العقيدة المحمدية الكبرى ص 249.
والسادس: أنهم تأولوا بعض الألفاظ في موضع كقوله: "من أتاني يمشي أتيته هرولة"، قالوا ضرب مثلًا للأنام.
والسابع: أنهم حملوا الأحاديث على مقتضى الحسّ، فقالوا: ينزل بذاته، وينتقل ويتحول بذاته.
ثم قالوا: لا كما نعقل، فغالطوا من يسمع، وكابروا الحس والعقل (1).
ويسترسل ابن الجوزي فيرد هذه الأقوال، ويرد نسبتها إلى السلف، ونسبتها إلى الإمام أحمد خاصة ويقول في ذلك: رأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح
…
رأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام، فحملوا الصفات على مقتضى الحس، سمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته، فاثبتوا له صورة ووجها زائدًا على الذات، وعينين وفمًا ولهوات وأضراسًا، وأضواء لوجهه ويدين وأصابع، وكفًّا وخنصرًا وإبهامًا، وصدرًا وفخذًا وساقين، وقالوا: ما سمعنا بذكر الرأس.
وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات، ولا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى، ولا إلغاء ما توجبه الظواهر من سمات الحدث، ولم يقنعوا أن يقولوا صفة فعل، حتى قالوا: إنها صفة ذات، ثم لما أثبتوا أنها صفات قالوا: لا نحملها على توجيه اللغة، مثل يد على نعمة وقدرة، ومجيء وإتيان على معنى بر ولطف ولا ساق غلى شدة، بل. قالوا: نحملها على ظواهرها المتعارفة، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين، والشيء إنما يحمل على حقيقته إن أمكن، فإن صرف صارف حمل على المجاز، ثم يتحرجون من التشبيه، ويأنفون من إضافته إليهم، ويقولون: نحن أهل السنة وكلامهم صريح في التشبيه، وقد تبعهم خلق من العوام وقد نصحت التابع والمتبوع.
(1) دفع شبه التشبيه ص 8 مجموع الرسائل.
وقلت لهم: يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل واتباع، وإمامكم الأكبر وهو أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- يقول وهو تحت السياط: كيف أقول ما لم يقل! فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه، قلتم في الأحاديث تحمل على ظاهرها، فظاهر القدم الجارحة، ومن ثم قال: استوى بذاته المقدسة، فقد أجراه سبحانه مجرى الحسيات، وينبغي ألا يهمل ما يثبت به الأصل، وهو العقل، فإنا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقدم، فلو أنكم قلتم نقرأ الأحديث ونسكت ما أنكر أحد عليكم، وإنما حملكم إياه على الظاهر قبيح، فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل السلفي الصالح ما ليس فيه.
هذا كلام ابن الجوزي وهو حنبلي، ونلاحظ أنه لم يوافق على ما يأتي:
أ- لم يوافق على أن مذهب السلف هو تفسير الألفاظ الواردة في القرآن والحديث، الدالة بظاهرها على الجوارح كاليد والوجه والقدم على معانيها الظاهرة، بل صرفها إلى معان مجازية، فاليد تطلق على النعمة والقدرة، والوجه على الذات العلية، ويعتبر ذلك مجازًا مشهورًا، وقد صرف إليه صارف من العقل، واستحالة ذلك على الذات العلية.
ب- لم يوافق على أن تفسير هذه الألفاظ بظواهرها هو مذهب الإمام أحمد الذي يتبعونه ويدعون عليه في نظره ما لم يقل.
ج- إنه بالبداهة يرى أن صرف الألفاظ إلى ظواهرها يؤدي إلى الحكم بأنه محسوس وأنه جسم كالأجسام.
د- ولا يرى أن ذلك التفسير هو التفويض، إنما التفويض هو الوقوف عند النص لا يحاول أن يتعرف المراد منه لأن الذي يفسره تفسيرًا حسيًا لا يفوض، بل إنه يفسر، وإن كان لا يؤول.
هـ- ويرى أنهم بادعائهم أن لله يدًا ليست كأيدينا، ووجهًا ليس كوجهنا، وعينًا ليست كعيوننا، إنما يخرج اللفظ عن ظاهره لأن ظواهر الألفاظ في دلالتها على الأيدي المحسوسة، والعين المحسوسة، فصرفها من المحسوس إلى غيره تأويل وتفسير.
وننتهي من هذا إلى أن ابن الجوزي يرى أنه إذا أطلقت هذه الألفاظ على غير المعاني المحسوسة سواء أكانت المعاني معلومة أم كانت مجهولة، فإنها قد استعملت في غير ظاهرها ولا تكون مستعملة في ظواهرها.
وإن ابن الجوزي بهذا ينفي أن يكون مذهب السلف هو الأخذ بظواهر الألفاظ، ولكن ابن تيمية ومن نهج منهاجه يرون أن ذلك هو مذهب السلف، وذلك لأنه يرى أن العبارات المروية عن الأئمة الأعلام هي إلى التفويض أقرب منها إلى التفسير، فالإمام مالك يروي عنه أنه قال في قوله تعالى:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5].
"الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
وهذه الكلمة تدل على التوقف، وأنه يرى الأخذ بكون الاستواء معلومًا ولكن الكيف هو المجهول.
وقد روي عن الإمام أحمد أنه لما سئل عن أحاديث النزول والرؤية ووضع القدم، قال:"نؤمن بها ولا كيف".
ولقد روى الخلال في سنده عن الإمام أحمد أنهم سألوه عن الاستواء فقال: "استوى على العرش كيف شاء، وكما شاء وبلا حد ولا صفة يبلغها واصف".
وهذا بلا شك تفويض وتنزيه، ولكن ليس فيه تخريج للفظ على الظاهر، ولا غير الظاهر.
وروي أن الامام أحمد: فسر بالمجاز.
وفي الحق أن بعض السلف توقفوا ولم يفسروا لا بالظاهر ولا بالمؤول، وهذا ينطبق على قراءة الوقف في قوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7]. ويكون قوله تعالى: من بعد ذلك: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] يطلقون الإيمان إطلاقًا، ويفوضون الأمر تفويضًا.
وبعض السلف كانوا يفسرون بالمجاز المشهور الواضح، وهو إطلاق اليد بمعنى القدرة أو النعمة ونحو ذلك، ولا يعد ذلك تأويلًا، بل هو تفسير، لأن التأويل لا يكون باستعمال المجاز المشهور، إذ الاستعمال في المجاز المشهور أخذ للفظ بظاهره، لا بما وراء الظاهر.
ولقد قرر سعد الدين التفتازاني أنه إذا كان النص لا يحتمل إلا مجازًا واحدًا وجب الأخذ به، لأن ذلك يكاد يكون هو المتبادر، إذ تعين المعنى المجازي.
ويظهر أنه يرجح مسلك التفسير، فقد قال في "شرح المقاصد" "ومنها ما ورد به ظاهر الشرع وامتنع حمله على معانيه الحقيقية مثل الاستواء- في قوله تعالى:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5].
واليد في قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10].
والعين في قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39].
وقوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14].
عند الجمهور إنها مجازات:
فالاستواء مجاز عن الاستيلاء، وتصوير لعظمة الله تعالى.
واليد مجاز عن القدرة.
والوجه عن الوجود.
والعين عن البصر.
ومعنى تجري بأعيننا أنها تجري بالمكان المحوط بالكلاءة والعناية والحفظ والرعاية، يقال فلان بمرأى من الملك ومسمع، إذا كان بحيث تحوطه عنايته، وتكتنفه رعايته.
"وفي كلام المحققين من علماء البيان أن قولنا: الاستواء مجاز عن الاستيلاء، واليد واليمين عن القدرة، والعين عن البصر، ونحو ذلك، إنما هو لنفي وهم التشبيه والتجسيم، فهي تمثيلات وتصويرات للمعاني العقلية".
هذا موقف العلماء من رأي السلف، وبيان رأي الخلف.
والغزالي يتجه إلى أن رأي السلف هو التفسير بالمجاز ولا يعتبر ذلك إخراجًا للفظ عن معناه الظاهر، بل إنه رضى الله عنه يميل إلى أن الظاهر هو هذا المجاز الواضح وينقل الشيخ نصًّا للإمام الغزالي من كتابه "إلجام العوام عن علم الكلام" ثم يقول، ونرى أن الغزالي لا يرى أن السلف فوضوا تفويضًا مطلقًا ابتداء ولا فسروا الألفاظ بظواهرها، بل إنه يبين المعاني المستحيلة على الله تعالى التي تتنافى مع التقديس وتنزيه الذات العلية عن مشابهة الحوادث، ويمنع العامي الذي تخفى عليه المعاني المجازية من أن يخوض، ولكن يفتح الباب لذوىِ الأفهام، ويقرر أن هذه المعاني إذا خفيت على العامي، أو دقت عن مداركه، فإنها لا تخفى على الرسول ولا سائر الأنبياء ولا الصديقين أي أهل المعرفة والإدراك الصحيح، ويقرب المعاني التي تتفق مع التقديس تقريبًا يدركه طلاب الحقيقة.
وإذا كان ابن الجوزي قد نفى أن يكون مذهب السلف هو التفسير بظواهر الألفاظ، تفسيرًا لا يتفق مع التشبيه فالغزالي قد قرر أن السلف فهموا المعاني المجازبة، وقرر أن الذين لا يفهمون هذه المعاني التنزيهية عليهم أن يفوضوا ولا يخوضوا، وقال لهم:"ليس هذا بعشك فادرجي".
ويهذا يكون قد قسم الناس قسمين:
قسم يدرك ويفهم.
وقسم يعسر عليه أن يدرك ويفهم الأمور على حقيقتها.
وهذا يكتفي الغزالي منه بنفي المعاني المشبهة غير المنزهة، ثم يمنعه من بعد ذلك من الخوض، وكأنه يعتبر ذلك من علم الخاصة، وليس من علم العامة الذي لا يسع مسلمًا أن يجهله، كما قرر الشافعي.
وإن ذلك النظر بلا ريب نظر سليم، لا مجال لرفضه، ولكن قد يقول قائل: إن مؤدي كلامك أن الراسخين في العلم هم الذين يفسرون، ويؤولون هذه المعاني تأويلًا يتفق مع التنزيه، وهذا يتفق مع قراءة الوصل في قوله تعالى:
{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7].
من غير وقوف عند لفظ الجلالة، ولكن على قراءة الوقوف عند لفظ الجلالة لا يستقيم المعنى، لأن المعنى أن يكون العالم بهذا التشابه هو الله وحده، وهذا التفسير يجعل للراسخين علمًا.
ونقول في الجواب عن ذلك: إن المتشابه ليس مقصورًا على الألفاظ التي توهم التشبيه أو ليس المراد من التأويل هو التفسير، بل المراد به على قراءة الوقوف عند لفظ الجلالة معرفة المآل، ولا يعرف المآل يوم القيامة إلا الله تعالى، فهو وحده علام الغيوب، وقد قال تعالى:
هذا نظر العلماء في العبارات التي وردت في القرآن والسنة توهم التشبيه والذي ينتهي إليه النظر هو ما يأتي: