الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حملة علم النبي صلى الله عليه وسلم وهم الذين لا يقادر قدرهم أمانة وذكاء وحرصا على سلامة الدين كتابًا وسنة.
ملحوظات على هذا التقسيم:
هذا هو الذي اشتهر عند القوم، فلا نكاد نجد كاتبًا من الذين عرضوا للتفسير وتاريخه وبخاصة في العصر الحديث، إلا وقسم التفسير إلى تفسير بالمأثور وتفسير بالرأي، حتى لقد أضحت هذه القضية من المسلمات، ولعل مما ساعدهم على ذلك تفسير الإمام السيوطي (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) حيث اشتمل كتابه على الروايات دون عرض اختلافات المفسرين، ولنا على هذا التقسيم ملاحظ عدة:
أولًا: إن هذا المصطلح لم يكن معلومًا معروفًا في القرون الأولى وما بعدها حتى عند الذين كتبوا في علوم القرآن من المتقدمين، وعلى هذا هو مصطلح يخضع للبحث والتدقيق والنقد.
ثانيًا: لم يتفقوا على ماهية هذا التفسير فبعضهم وسمع دائرته ليشمل تفسير النبي عليه وآله الصلاة والسلام، وتفسير الصحابة رضي الله عنهم، وتفسير التابعين رحمهم الله وآخرون لم يدخلوا فيه تفسير التابعين، كما بينته لك من قبل، وهذا ما أشارت إليه عبارة أبي حيان رحمه الله في البحر المحيط، وفئة ثالثة -وأنا منهم- جعلته خاصًّا بما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: إنهم جعلوا التفسير بالمأثور مقابلًا للتفسير بالرأي، مع أن ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم كان كثير منه ناشئًا عن الرأي والاجتهاد، وكذلك بعض ما روي عن التابعين، فهذا ابن عباس رضي الله عنهما يختلف مع الصحابة في بعض أحكام آيات الميراث، ويختلف مع السيدة عائشة رضي الله عنها. في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه، وفي تفسير قوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30] وردت عن الحبر روايتان.
إحداهما: أن السماوات والأرض كانتا كتلة واحدة وهذه إحدى النظريات في نشأة الكون.
والأخرى: أن السماوات كانت رتقًا ففتقها الله بالمطر، وأن الأرض كذلك فتقها الله بالنبات.
ولا يرتاب أحد في أن هذا اجتهاد من الحبر رضي الله عنهما، فهو تفسير بالرأي، فكيف يمكن أن تعدّه تفسيرًا بالمأثور؟
ومثل هذا ما روي عن مجاهد رضي الله عنه في مخالفة المفسرين في بعض الآيات، أن هذا التقسيم، اعني بالمأثور وبالرأي لا يخلو من إشكالات متعددة منها ما تقدم، ومنها ما سيأتي.
رابعًا: إننا لا نقدّر الصحابة -رضوان الله عليهم- قدرهم عندما نسلبهم القدرة على الاجتهاد في فهم القرآن الكريم، فنجعل كل ما روي عنهم روايات، فهموها من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أو نقلوها عن أهل الكتاب، وهذا هو سيدنا عليّ عليه السلام وقد سئل: اترك الرسول صلى الله عليه وسلم غير هذا الكتاب؟ يقول: لا، إلا فهمًا يعطيه الله رجلًا في القرآن".
أليس هذا الفهم للصحابة رضوان الله عليهم من قبيل التفسير بالرأي، فلماذا يكون هناك إصرار أن يعد من التفسير بالمأثور؟
خامسًا: لقد عدّوا من التفسير بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن، وتوسعوا في ذلك كثيرًا، وهناك تفسيران كبيران، أحدهما للأستاذ عبد الكريم الخطيب رحمه الله وهو خمسة عشر جزءًا واسمه (التفسير القرآني للقرآن)، والثاني للشيخ الشنقيطي رحمه الله وهو في تسعة أجزاء، واسمه (أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن)، فهو عندما يذكر الآية الكريمة، يذكر عشرات الآيات في
تفسيرها وهذا أمر حريٌّ بالمناقشة، لأنه يترتب عليه مالا نقبله من دقة القرآن الكريم، وينتج عنه اتحاد المعنى في آيات متعددة في سور كثيرة.
كنت قد أشرفت على رسالة لنيل شهادة الماجستير عام (1411 هـ) - (1991 م) بعنوان (تفسير ابن عاشور: التحر والتنوير، دراسة منهجية ونقدية). وقد جاء في هذه الرسالة:
"وقد درج المتقدمون قبلنا على تقسيم التفسير بالمأثور إلى أنحاء:
الأول: تفسير القرآن بالقرآن، والثاني: تفسير القرآن بالسنة، والثالث: تفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين.
ولكن هذا التقسيم لا يمنعنا من الوقوف عنده قليلًا متأملين فيه، فأما تفسير القرآن بالقرآن فلا أعلم أحدًا من الكاتبين كتب في التفسير أو ما يتعلق بعلومه إلا وأقحمه ضمن الإطار العام المسمى بالتفسير بالمأثور وصاروا ينظّرون آيات القرآن بعضها ببعض لورود بعض الكلمات المتقاربة أو المتحدة في الآيتين المقارن بينهما، وهذا منحنى خطير وهو غير مقبول بهذه الطريقة.
ونحن أولًا نقول: إن تفسير القرآن بالقرآن ينبغى أن لا يتجاوز تخصيص العام وتقييد المطلق، وبيان المجمل وتأويل الظاهر وغيرها مما درج على عدّه من بيان القرآن علماء الأصول، وكذلك حمل قصص الأنبياء والأمم السابقة بعضها على بعض، فما أوجز في مكان قد بسط في مكان آخر ونحو ذلك. وأما غير ذلك من تفسير بعض الآيات ببعضها الآخر لورود كلمات فيها متشابهة، . فهذا مالا نقبله من تفسير القرآن بالقرآن؛ لأنه يؤدي إلى أمرين خطيرين:
الأول: إغفال السياق القرآني الذي وردت فيه تلك الكلمة القرآنية واختيرت في مكانها، ومثل هذا الإغفال مدعاة للخلط والخبط في التفسير.
الثاني: أنه يفضي إلى القول بتكرار معاني القرآن الكريم، ولا شك أن هذا غير