الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} [الدخان: 16]، فقال:(البطشة الكبرى يوم بدر). وللحديث روايات كثيرة مطولة أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما). هذا ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه وهو يدل بنصه وسياقه على أن التفسير الذي ذهب إليه الأستاذ محمد محمود إبراهيم، والذي ارتضاه الأستاذ مصطفى محمد الطير يتعارض كليًا مع هذا النص الذي له حكم المرفوع.
خاتمة:
وأكتفي بما ذكرته من هذه النماذج. على أن للبحث صلة في الباب الثاني إن شاء الله. ومن الإنصاف أن أقرر هنا أن الذين جنحوا إلى التفسير العلمي، حتى هؤلاء الذين لم يحالفهم التوفيق في بعض ما تطرقوا إليه، إنما خاضوا غمار هذه الأبحاث، انطلاقًا من إيمانهم بهذا القرآن، بأنه كتاب الإنسانية الخالد. ووقوفًا في وجه كلّ أفاك وخراص يريد النيل من قدسية هذا الكتاب.
والحق أن كثيرًا من هذه الكتب التي ألفت في هذا الموضوع، بذل مؤلفوها جزاهم الله خيرًا كلّ جهد لكي يكونوا موضوعيين في أبحاثهم. فحالفهم التوفيق إلى حد بعيد ومن هذه الكتب:
1 -
(الإسلام في عصر العلم)، للأستاذ محمد أحمد الغمراوي، وقد جمعه بعض أصدقاء الغمراوي بعد وفاته رحمه الله.
2 -
(بصائر جغرافية) للأستاذ رشيد العابري رحمه الله.
3 -
كتاب (من الآيات الكونية في القرآن) للدكتور محمد جمال الدين الفندي أستاذ الطبيعة في كلية العلوم بالقاهرة، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ولجنته التنفيذية العليا.
وهذه الكتب في رأيي جمة الفوائد قليلة الهفوات، يجد القارئ فيها فوق ما لها من متعة، كثيرًا من التساؤلات التي تكمن في داخل نفسه. وهذا بالطبع غير كتب
التفسير التي نهجت هذا النهج، والتي سأعرض لها في الباب الثاني إن شاء الله.
وهناك بعض الكتب لم يلتزم أصحابها موضوعًا معينًا، جمعوها متفرقات من هنا وهناك. فجاءت مزيجًا فيها ما يشتهى وما ليس كذلك ويغلب عليهم أنهم غير متخصصين فيما كتبوا فيه. كما فعل الأستاذ علي فكري في كتابه (القرآن ينبوع العلوم والعرفان) وقد جعله في ثلاثة أجزاء ضمنها جميع العلوم من طب وفلك وصحة وجغرافية وتاريخ وكهرباء وطيران وملاحة ورياضة. ولم يذكر العلوم التشريعية والفلسفية لأن لها كتبها الخاصة بها. ويقول في آخر الجزء الثاني:(إن كلّ ماله في هذا الكتاب هو جمعه). فهو إلى المتعة أقرب منه إلى الفائدة.
وخلاصة القول على ضوء ما تقدم كله، أنني لست مع هؤلاء الذين يريدون أن يستنبطوا العلوم كلها من فواتح السور، بضم بعضها إلى بعض، أو من بعض الكلمات الواردة في القرآن، وبأن في القرآن عشرات الآلاف من العلوم كما فعل الأقدمون، ولا مع هؤلاء المحدثين الذين يريدون أن يطوعوا آيات القرآن للنظريات الحديثة في علم الكون، فيثبتوا من قريب أو من بعيد، وبيسر وتكلف، أنه ما من نظرية إلا والقرآن قد أشار إليها وتحدث عنها، كهذا الذي سُئل: هل ذكرت الفنادق في القرآن؟ فقال نعم أفلا تقرأ قول الله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: 29].
لقد أفرط هؤلاء والإفراط لا يحمد، ولا تحمد عقباه، ولكن في الوقت نفسه، فإني لا أرى مسوغًا لما ذهب إليه الفريق الآخر، الذين أبوا وبكل ما أوتوا من قوة، أن تفسير الآيات تفسيرًا تجلى فيه بعض دقائق الكون وقوانين العلم، بحجة أنَّ القرآن كتاب هداية. وهداية القرآن لا ينازع فيها أحد، ولكن ما الذي يمنع - ودقة القرآن في تعبيره وسلامته في حقائقه لا يخالف فيها هؤلاء - أقول ما المانع أن نبحث عن هذه الدقة، وهي التي تحدثنا عن الكون وأصل خلقه وما بث فيه، وعن الحياة ونشأتها، وعن الإنسان في أطواره والأدوار التي مر بها؟ لا أرى مانعًا
من ذلك، ما دمنا نقف على صخرة صلبة لا تقوى على خلخلتها كلّ الزوابع والعواصف التي تثور من حولها.
وإن العلماء لمدعوون ليقوموا بواجبهم نحو كتاب الله، فيظهروا ما فيه من أسرار الكون، ويحولوا بذلك بين الناس وبين هؤلاء الذين هم من أنصاف العلماء أو أرباعهم، وقد تصدروا لتفسير القرآن فكان الخبط والخلط والإسراف.
إن القرآن العظيم المجيد، الحكيم، الكريم، سيبقى في مجده، وحكمته وعظمته يمد الحياة بأسراره، وبخاصة إذا هيأ الله من يكشف عن أستاره. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41، 42].