الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دراسات في مناهج المفسرين د. إبراهيم عبد الرحمن خليفة
يبدأ كتابه بتمهيد يتحدث فيه عن معنى العلم، وعن بعض المبادئ حول علم مناهج المفسرين، وينتقل للحديث عن التفسير والتأويل وفائدة التفسير، والشروط التي لا بد منها فيمن يتصدى للتفسير ويتحدث عن أقسام التفسير ويرى أن التفسير يقسم عدة تقسيمات نظرًا لاعتبارات متعددة:
وأول هذه الاعتبارات: أن ينظر إلى التفسير من حيث إمكان تحصيله واتساع دائرة هذا الإمكان وعدم ذلك، وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى أربعة أوجه كما روي عن ابن عباس (1):
الأول: تفسير تعرفه العرب من كلامها.
الثاني: تفسير لا يعذر أحد بجهالته.
الثالث: تفسير يعلمه العلماء.
الرابع: تفسير لا يعلمه أحد إلا الله.
والاعتبار الثاني: أن ينظر إلى التفسير من جهة استمداده من الطريق المعتاد، نقلًا كان ذلك من القرآن أو كان رأيًا واجتهادًا أو بالطريق غير المعتاد وهو طريق الإلهام، ويقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
1 -
تفسير بالمأثور.
2 -
تفسير بالرأي.
3 -
تفسير بالفيض والإشارة.
(1) لنا في مقولة ابن عباس رضي الله عنهما رأي نذكره فيما بعد إن شاء الله.
والاعتبار الثالث: أن ينظر إلى التفسير من جهةكونه شرطًا لمجرد معنى اللفظ في اللغة ثم لمعنى الجملة أو الآية على سبيل التحليل التام والتفصيلي للنص القرآني وهو بهذا الاعتبار يقسم إلى:
1 -
تفسير إجمالي.
2 -
تفسير تحليلي.
والاعتبار الرابع: أن ينظر إلى التفسير من جهة خصوص تناوله لموضوع ما بعينه من موضوعات القرآن عاما كان ذلك الموضوع أو خاصًّا، وينقسم بهذا الخصوص إلى تفسير عام وتفسير موضوعي.
ويبدو أنه يختار لأقسام التفسير الاعتبار الثاني، أي تقسيم التفسير إلى تفسير بالمأثور وتفسير بالرأي، إذ إنه يقصر الحديث عليهما (1).
ويبدأ الحديث عن التفسير بالمأثور ومصادره وهي: القرآن، والسنة وكلام الصحابة وكلام التابعين على خلاف بين العلماء ويرى أن من تفسير القرآن بالقرآن التفسير بالقراءات المتواترة، أما القراءات الشاذة فلا يجوز أن نعدها من تفسير القرآن بالقرآن، وهو كلام حسن، ويعرض للمستشرقين الذين يستغلون القراءات الشاذة لينفثوا من خلالها حقدهم المسموم على القرآن وعلى المسلمين، وليسددوا منها سهامهم الطائشة ومطاعنهم الزائفة إلى هذا الكتاب العظيم.
ويعرض ما ذكره المستشرق جولد زيهر في كتابه الخبيث (مذاهب التفسير الإسلامي) من مغالطات منها: أن عثمان بن عفان خالف الرسول صلى الله عليه وسلم فيما فعله من جمع الناس على حرف واحد، ومنها قوله عن القرآن الكريم (النص الأصلي المفترض) وكأنه يرى أن للقرآن نصا أصليًا وآخر غير أصلي، ثم هو يشكك في
(1) وإذا أردنا أن نجري مع الشيخ في هذه التقسيمات، فهناك اعتبارات كثيرة يصعب حصرها فالأولى أن يقسم التفسير إلى تفسير بالرأي وتفسير بالمأثور، كما ذهب إليه الجمهور، وكما رجحه الكاتب.
صحة النص الأصلي، ومنها ادعاؤه أن في القرآن اضطرابًا ينافي كون القرآن من عند الله إلى غير ذلك من افتراءات.
ويتحدث عن المصدر الثاني من مصادر التفسير بالمأثور وهو السنة النبوية الشريفة، وذلك أن خير من يمكن أن يفسر القرآن، ومن ينبغي أن يطلب منه تفسيره بعد الله، هو رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يخطيء في تفسير كتاب الله تعالى أو يقر على خطأ، ثم إن خير من يمكن أن يفسر الشيء من تكون أهم وظائفه تبيان ذلك الشيء.
ويعرض لما ذكره الشيخ الذهبي من أن ابن تيمية يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسر القرآن كله، ويرد هذا القول مبينًا بأنك لو قرأت كلام ابن تيمية كله لرأيت أنه لم يقل مثل هذا القول، ويطيل الدكتور النفس في رد القول بأن بيان السنة للقرآن قد شمله كله (1).
وينتقل للحديث عن أوجه بيان السنة للقرآن، ومن ذلك بيانه صلى الله عليه وسلم لمجملات القرآن، وتخصيصه صلى الله عليه وسلم بعض الآيات، حيث خص آية الزنا بغير المحصن وبيانه لبعض مبهمات القرآن إلى غير ذلك مما ستعرفه فيما بعد.
ويتحدث عن الوضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرض لما روي عن الإمام أحمد: (ثلاثة ليس لها أصل التفسير والملاحم والمغازي) وقد ذكر الدكتور إبراهيم المراد بهذه الكلمة إذ من العلماء من يرى أن المقصود أن غالب المرويات في هذه الموضوعات ليس لها أصل، ومنهم من يرى أن المقصود كتب خاصة، ويذكر أن بعض الجاهلين تعلق بظاهر هذه المقالة من الإمام أحمد فحملوها على إطلاقها، وغرضهم من ذلك التشكيك في جميع المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير، وإظهار أنه من المنتحل الموضوع الذي لا قيمة له أصلًا، وأول هؤلاء الجاهلين
(1) تقدم شيء من هذا.
المستشرقون ومن ترسم خطاهم كالأستاذ الباحث أحمد أمين (1).
إن من التفسير المنسوب إليه صلى الله عليه وسلم ما هو ثابت عنه بالأسانيد الصالحة للحجية قطعًا كما أن منه ما ليس بهذه الصفة، فأسانيده ضعيفة، بل موضوعة مختلفة كذلك.
ويتحدث الكاتب عن نشأة الوضع والاختلاق، حيث نشأ الوضع في التفسير، مع نشأته في السنة والحديث، ومن العلماء من يرى أن الوضع في السنة نشأ في السنة الحادية والأريعين للهجرة، حيث آلت الأمور إلى أول خلفاء دولة بني أمية معاوية رضي الله عنه، وينتقل لذكر أسباب الوضع، التي منها العصبية المذهبية، والنزعة السياسية المتعصبة، والتعصّب الجنسي أو الشعوبية، والشهرة واستمالة قلوب العامة بذكر الغرائب والتطرف في حب الخير للناس مع السذاجة والجهل، والمكايدة للإسلام بإظهاره في مظهر المجافاة للمنطق السليم، ويذكر الأمثلة على الوضع.
وينتقل للحديث عن المصدر الثالث من مصادر التفسير وهو الصحابة رضوان الله عليهم ويقول بأننا إذا لم نجد التفسير لا في الكتاب ولا في السنة، فإن المصدر الثالث الذي يجب الرجوع إليه حينئذ والذي هو المرتبة التالية لهما مباشرة هو أقوال الصحابة، وبعد أن ينقل أقوال العلماء في ما روي عن الصحابة، يذكر أن تفسيرهم منه ما يعطى حكم المرفوع، ومنه ما لا يعطى هذا الحكم، ومن الأول ما لا مدخل فيه للرأي، كان يكون حديثًا عن سبب نزول آية أو نحو ذلك وليس هذا الشرط الوحيد لإعطاء قول الصحابي حكم المرفوع، بل ثم شرط آخر نبهوا عليه، وهو أن لا يكون من نقل عنه مثل ذلك القول من الصحابة قد عرف بالأخذ عن بني إسرائيل أي في بعض الأحيان، وإلا لم يعط قوله حكم المرفوع، لاحتمال أن يكون من منقولاته عنهم.
(1) سوف نتحدث فيما بعد عما ذكره الأستاذ أحمد أمين إن شاء الله.
أما إذا اختل الشرطان الآنفان أو أحدهما، لم يخل أمر ذلك المأثور عن الصحابة من حالين، الأول: أن يعرف كونه محلًا لاجماع الصحابة وأنه لم يشذ عن القول به أحد منهم. والثاني.: أن لا يعرف كونه محلًا للإجماع، بأنه كان مجالًا لاختلافهم، أو لا يعرف فيه إجماع ولا اختلاف، فالأول يجب الأخذ به، لأن الأمة معصومة في كل عصر من عصورها لا سيما عصر الصحابة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (لا تجتمع أمتي على الضلالة)، وأما الثاني فإنه يترجح عند أهل السنة والجماعة الأخذ بمقتضى مأثور الصحابة في تفسير القرآن، فهم أخبر الناس بالتنزيل وقد حضروا الوحي وشهدوا وقائع التنزيل، ولهم فوق هذا كله من العلم التام والعلم الصحيح ما ليس لسواهم، ويذكر أن الخلاف في التفسير عند الصحابة اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، ويتجلى لك من هذا الاختلاف مظاهر أربعة:
الأول: أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى.
الثاني: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل.
الثالث: أن يكون اللفظ محتملًا للأمرين إمّا لكونه مشتركًا لفظيًا في اللغة أو لكونه مشتركًا معنويًا.
الرابع: أن يعبروا عن المعاني بألفاظ مقاربة لا مترادفة.
وينتقل للحديث عن المفسرين من الصحابة، وهو لا يتحدث في هذا الجزء من كتابه إلا عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما ويحدثنا عن مولده ونشأته وحرصه على طلب العلم وشدة تواضعه له ولأهله، وعلمه وفضله، فقد بلغ الذروة العليا من العلم لأسباب أربعة هي:
1 -
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
2 -
حرصه الشديد على طلب العلم حيث لازم الرسول صلى الله عليه وسلم منذ نعومة أظفاره فكان يسمع منه كثيرًا أو يشهد كثيرًا.
3 -
كتابته عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يسمع منهم وعدم اتكاله على الحفظ.
4 -
توقد قريحته وقوة فطنته.
وينقل نصوصًا تدل على عناية ابن عباس رضي الله عنهما بالعلم، وتدل على ذكائه وفطنته، وخلقه وحبه الخير للمسلمين، وتدل على ثقة الخلفاء به وتوليتهم له الإمارة، ويحدثنا عن الخصومة التي كانت بينه وبين عبد الله بن الزبير، واضطراره على أثر ذلك إلى النزول في الكوفة.
وينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن ابن عباس وتفسير القرآن الكريم، فابن عباس قد بلغ ذروة السنام في تفسير القرآن العظيم، حتى سمّي ترجمان القرآن.
أما عن التفسير الوارد عن ابن عباس، فيقول إنه من المعلوم عند علماء الأمة عليهم رضوان الله أنه -أي ابن عباس- كان مقلًا في تفسير القرآن الكريم من الأخذ عن بني إسرائيل إلى حد الندرة، بل إلى حد العدم على زعم بعضهم، وكأن الكاتب يرجح أن ابن عباس أخذ عن بني إسرائيل ولكنه كان أخذًا قليلًا.
ويعرض لما ذكره جولد زيهر من اتهام ابن عباس والصحابة بالإكثار من الأخذ عن بني إسرائيل وما ذكره أحمد أمين كذلك، . ويبين أن في هذا فرية عظيمة، وبعد أن يذكر بعض الروايات يقول، أيعقل أن يكون هؤلاء الصحابة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعدالة والفضل أن يخالفوه عليه السلام؟ فيأخذوا عن أهل الكتاب، ومن أين يستقيم في نصفة منصف أو سداد ذي منطق ورشد أن يركب أولئك الصفوة مخالفة من هو أحب إليهم من أنفسهم وأموالهم وأهليهم والناس أجمعين؟
ويعرض لما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن بني إسرائيل "لا تسألوا أهل الكتاب
عن شيء" (1)، وقوله "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" (2)، ويقول: إنه إن جاز التحديث عن بني إسرائيل بمعنى أخذ شيء عنهم حسبما هو المتبادر من حديث الإباحة ويؤكد قوله إن جاز فهو مشروط بشروط ثلاثة:
الأول: عدم منافاته لشيء مما جاء في الكتاب أو السنة.
الثاني: أن لا يكون في الاشتغال بذلك ما يشغل عن علم شيء من الكتاب والسنة.
الثالث: ألا يكون من قبيل ما يعدّ الاشتغال بمثله ضربًا من العبث وضياع الوقت والجهد.
ولا شك أننا بأي حال لا يجوز لنا الأخذ عن بني إسرائيل، فكيف يمكن للصحابة رضوان الله عليهم وعلى رأسهم ابن عباس أن يكونوا قد أخذوا عن بني إسرائيل (3).
وعرض الكاتب لأسانيد الروايات المتعددة عن ابن عباس، وبين الصحيح منها من السقيم ويسوق أخيرًا بعض النماذج التي ذكرها العلماء لما روي عن ابن عباس في التفسير ويتحدث عن تفسير تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، ويذكر أن نسبة هذا التفسير إلى ابن عباس لا قيام لها إلا من الرواية التي ذكرها صاحب الإتقان وقال إنها سلسلة الكذب.
وكنا نتمنى أن يتم المؤلف هذا الكتاب، فقد أكثر المؤلف من ذكر المقدمات، التي لا يذكرها أكثر الكاتيين في هذا العصر، كما توسع في كثير من المناقشات، التي كان يمكن أن تذكر بإيجاز على أن هذا الكتاب يقرب من أربعمائة صفحة، وقد وصل فيه المؤلف إلى مرويات ابن عباس رضي الله عنهما فلا زال في المرحلة الأولى من مراحل التفسير. جزى الله الكاتب خيرًا على ما كتب.
(1) أخرجه أبو يعلى. قال ابن حجر بعد ذكره الحديث: في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء (4/ 207).
(3)
وسنعرض لهذه القضية في هذا الكتاب عند حديثنا عن الإسرائيليات.