الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} [آل عمران: 14]، حيث الحديث هنا عن رتب تلك المزينات، حسب غرائز الإنسان وعواطفه.
وهذه كلمة في كتاب الله تذكر أحيانًا في سياق النهي، وبخاصة في شان النساء، وهي كلمة (يحل) في مثل قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19]. فلم يقل (لا ترثوا) كما قال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ} ، {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} . وقد ظهر لي -والله أعلم بأسرار كتابه- أن هذه الكلمة إنما جاءت في محلها، وكان لا بد منها. ذلك أنها تذكر بجانب أمر، يريد القرآن أن يشدد النهي على تركه، مع أن القوم كانوا لا يرون به بأسًا، ولا رذيلة. فالزنا والكذب وكل المال بالباطل أمور مستقبحة عند القوم، لكن وراثة النساء وأخذ أموالهن، كانوا يرونه أمرًا عاديًا، لا غبار عليه، وليس من الأمور المسترذلة والمذموم فاعلوها عرفًا، فجاءت تلك الكلمة في كتاب الله، تفظع لهم ذلك الذي تعودوه، كما رأينا في الآية التي معنا، وفي قوله الله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] وذلك هو الإبداع القرآني.
الجملة القرآنية:
فإذا تركنا الكلمة القرآنية إلى الجملة، نجد هذا البناء المحكم العجيب. ولنأخذ هذه الآيات من سورة الأنفال، الآية الأولى:
{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10] وهناك آية تشبهها في سورة آل عمران، جاء فيها {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الآية: 126] وإذا كان البيان إنما قصد به أن يؤثر في النفس، وإذا كانت علوم البلاغة ذات صلة وثيقة بعلم النفس، أمكننا أن ندرك سر التعبير في كل من الآيتين الكريمتين.
فالآية الأولى تحدثت عن بدر، أولى المواقع التي يخوضها المسلمون، ومع إيمانهم وثقتهم بربهم، إلا أن فريقًا منهم كارهون، فالتأكيد الرباني إذا يفعل في أنفسهم ما لا تفعله الإمدادات الكثيرة بالنسبة للآخرين. فجاءت خاتمة هذه الآية بجملتين:{وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} و {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وفيهما هذا التأكيد الذي نراه.
أما آية آل عمران، فإن المسلمين وقت نزولها، قد جربوا المعارك وخاضوا غمار الحرب وعلموا حق اليقين بعين اليقين، حقيقة نصر الله لهم فليسوا إذًا بحاجة إلى ذلك التأكيد وإذ بالجملتين تنطويان إلى جملة واحدة {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126].
ولنَأخُذ من الآية التالية لها قول الله تعالى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: 12]، بينما جاء في سورة الحشر:{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحشر: 2].
وإذا عرفنا أن قريشًا في بدر لم تكن لها حصونها، وإنما كانوا في فلاة من الأرض، وأن بني النضير غرتهم حصونهم بل وغرت المؤمنين كذلك -حتى لقد سجل الله ذلك:{مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} [الحشر: 2]- أدركنا سر التعبير بكلمة (الإلقاء) في قلوب قريش، وسر التعبير بكلمة (القذف) الذي لا يكون إلا بالآلات الضخمة لبني النضير.
فإذا أخذنا الآية الثالثة، وجدنا في نهايتها {وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 13]، بينما نجد ضريعتها من سورة الحشر {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ، وإذا أردنا أن نعرف سبب ذلك - أعني ذكر الرسول في آية الأنفال دون آية الحشر، فما لنا إلا أن نذكر أن معاداة قريش للإسلام كانت ذات سببين اثنين: أولهما معاداة الدين نفسه، وثانيهما معاداة الرسول عليه وآله الصلاة والسلام حسدًا وغيظًا. قال الله تعالى مصورًا هذا العداء: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى