الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن تحكيم هذا الدين الذي أكمله الله وأتم به نعمته على هذه الأمة، وما دامت الأمة معرضة عن ذكر الله فإن لها معيشة ضنكًا جزاءً وفاقًا.
2 - موقف المسلمين من غيرهم:
كان لصلة المسلمين بغيرهم أثر في التفاسير الحديثة، وتلك مسألة حري بها أن تبحث. فما هي طبيعة العلاقات بين هذه الأمة والأمم الأخرى.
في القرآن آيات كثيرة تنهى عن موالاة الكافرين مثل آية آل عمران {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} [آل عمران: 28]، وآية المائدة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 51] وغيرها كآية الممتحنة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1]. وهناك آيات أخرى تأمر بالبر والتسامح مع فريق من أهل الكتاب كآيات سورة الممتحنة.
ولقد كانت هذه الآيات مثار جدل بين العلماء، فصاحب المنار يخطيء بعض المفسرين -الزمخشري والبيضاوي- الذين يعدون الولاية، ولاية مودة وحسن معاملة، واستخدام أهل الكتاب ولا يرى بأسًا في ذلك كله ما داموا غير محاربين. ولهذا عدّ الأفغانيين جهلة متعصبين، حينما ثاروا على أميرهم لأنه خالط الإنجليز، وتزيا بزيهم. ولكن صاحب الظلال يرى أن الولاية ولاية تعاون وتناصر، وأنه ينبغي أن نفرق بين الولاية وبين التسامح الذي يكون للذين في بلاد المسلمين، وفي المسائل الشخصية، وليس في التصور الاعتقادي أو النظام الاجتماعي. فأهل الكتاب هم الذين قالوا عن المشركين {هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء: 51]. وهم الذين أثاروا الحرب الصليبية، وهم الذين ارتكبوا الفظائع في الأندلس، وشردوا المسلمين في فلسطين، وهم يتعاونون مع الوثنيين والملحدين، حينما يكون الحرب ضد الإسلام، وأنه لا تجوز الاستعانة بهم إلا لضرورة، حين يتعذر وجود مسلم يقوم بنفس العمل.
والحق أن من آثار هذا القرآن وجهد مفسريه وعلمائه هذه الانتفاضات الجهادية ومقاومة الدول الاستعمارية في أنحاء العالم الإسلامي على أن هناك مسائل كان لا بد أن يعرض لها المفسرون والمحدثون، وبخاصة قريبي العهد بأحداث المسلمين السياسية، وذلك كالصلح مع اليهود وما يسمونه حلًا سلميًا وليس كذلك. ولقد رأينا ممن يعدون أنفسهم من كبار العلماء في بلد من بلاد المواجهة، من يجمع الوعاظ يومًا، ليقول لهم بأنه لا مانع من الصلح مع اليهود، مستدلًا بصلح الحديبية، فهذه إذًا مسائل حساسة، حري بدارسي القرآن وحملة رايته، أن لا يهملوها ولا يغفلوها، فالمسلمون اليوم يتخبطون وراء سياسات متعددة المناحي مختلفة المشارب.
وإنه -ويعلم الله- لمما يدمي القلب ويملأ النفس حسرات موقف أكثر علماء المسلمين وبخاصة ذوي المسؤولية منهم، مما يعانيه العالم الإسلامي اليوم فهذه الدول الاستعمارية، وبخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وهي العريقة في إيذاء المسلمين، وكل ما يعانيه المسلمون اليوم من ويلات إنما كان بفعلها وتخطيطها، والذين يتسلمون ذروة القيادة في العالم الإسلامي والدول الإسلامية لا زالوا يتقربون إلى هاتين الدولتين، ويقدمون لهما فروض الطاعة والولاء، ولا نكاد نسمع صوتًا يرتفع لبيان حكم الله تبارك وتعالى، أفليس من أعظم المصائب التي تقصم الظهر أن يبتعد من هم في قمة المسؤولية من علماء المسلمين عن واجبهم الذي كلفهم الله به، وحذرهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم من السكوت عنه، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، أفيحق لدولة مسلمة أن تدّعي صداقة أمريكا وغيرها، وأن يسلموهم زمامهم، وآي القرآن صريحة لمن كان له قلب والله تعالى يقول:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة: 8 - 9] وهل