الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي تدور حوله مثل هذه الأخبار في الغالب هو افتراضات المسلمين في الزمن المتأخر.
ويدل على مدى ما تستطيع أن تبلغه مثل هذه الافتراضات من طابع السذاجة ما روى مثلًا من حصول اختلاف بين ابن عباس وعمرو بن العاص على قراءة كلمة من (لدني) في الآية (76) من سورة الكهف هل هي بتشديد نون لدنّي أو بتخفيفها، وأن الاثنين قصدا إلى كعب الأحبار لتسوية هذا الخلاف (1).
ويقول الأستاذ أحمد أمين: وقد دخل بعض هؤلاء اليهود في الإسلام، فتسرب منهم إلى المسلمين كثير من هذه الأخبار، ودخلت في تفسير القرآن يستكملون بها الشرح، ولم يتحرج حتى كبار الصحابة مثل ابن عباس عن أخذ قولهم -روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم)(2)، ولكن العمل كان على غير ذلك وإنهم كانوا يصدقونهم وينقلون عنهم (3).
رأي الأستاذ الذهبي:
أما الأستاذ الذهبي فهو يرى أن ما ذهب إليه جولد زيهر وأحمد أمين فيه غلو في الرأي وبعد عن الصواب، فابن عباس كان يرجع إلى أهل الكتاب ولكن في دائرة محدودة. يقول:
كان ابن عباس كغيره من الصحابة الذين اشتهروا بالتفسير، يرجعون في فهم معاني القرآن إلى ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى ما يفتح الله به عليهم من طريق النظر والاجتهاد مع الاستقامة في ذلك بمعرفة أسباب النزول والظروف والملابسات التي نزل فيها القرآن، وكان رضي الله عنه يرجع إلى أهل الكتاب ويأخذ عنهم،
(1) مذاهب التفسير ص 85 - 88.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التفسير (25/ 6).
(3)
فجر الإسلام ص 248.
بحكم اتفاق القرآن مع التوراة والإنجيل في كثير من المواضع التي أجملت في القرآن وفصلت في التوراة أو الإنجيل، ولكن كما قلنا فيما سبق أن الرجوع إلى أهل الكتاب كان في دائرة محدودة ضيقة، تتفق مع القرآن وتشهد لة، أما ما عدا ذلك مما يتنافى مع القرآن، ولا يتفق مع الشريعة الإسلامية فكان ابن عباس لا يقبله ولا يأخذ به.
ويقول مناقشًا جولد زيهر والأستاذ أحمد أمين: والحق أن هذا غلو في الرأي وبعد عن الصواب، فابن عباس-كما قلت آنفًا- وغيره من الصحابة كانوا يسألون علماء اليهود الذين اعتنقوا الإسلام، ولكن لم يكن سؤالهم عن شئ يمس العقيدة، أو يتصل بأصول الدين أو فروعه وإنما كانوا يسألون أهل الكتاب عن بعض القصص والأخبار الماضية، ولم يكونوا يقبلون كل ما يروى على أنه صواب لا يتطرق إليه شك، بل كانوا يحكمون دينهم وعقلهم، فما اتفق مع الدين والعقل صدقوه، وما خالف ذلك نبذوه، وما سكت عنه القرآن واحتمل الصدق والكذب توقفوا فيه) (1).
إن الشيخ الذهبي لا ينكر أن يكون ابن عباس قد أخذ عن أهل الكتاب، ولكنه ينكر أن يكون ابن عباس قد توسع في الأخذ عنهم حيث كان ابن عباس من أشد الناس نكيرًا على ذلك، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أنه قال: يا معشر المسلمين: تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله، وغيروا بأيديهم الكتاب، فقالوا {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 79].
أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا والله ما رأينا رجلًا منهم قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم) (2).
(1) التفسير والمفسرون ص 70 - 73.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الشهادات.