الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أضعافًا مضاعفة، ويدعي أن هذا هو حكم الله، فإن ذلك يقينًا من أعظم الثغرات التي يدخل منها الطاعنون وأصحاب الأهواء.
وهكذا نستطيع أن نقول في كل موضوع من موضوعات القرآن، فآيات القتال وردت فيها آيات مقيدة مثل قول الله تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] ومنها آيات مطلقة مثل قول الله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] ولا شك إن كلا من الآيتين نزلت في ظرف غير الذي نزلت فيه الأخرى. هذه المخاطر في التفسير الموضوعي ينبغي أن ينبه عليها خوفًا مما لها من نتائج سيئة وعواقب ضارة.
كلمة أخيرة:
ولقد أحس بعض العلماء بضرورة دراسة التفسير الموضوعي في الكليات والجامعات الإسلامية، فرأينا بعض المؤتمرات لهذه الكليات، توصي بهذا النوع من الدراسة.
والواقع أن هذه الطريقة أفضل بكثير من الطريقة التي اتبعها بعض المفسرين في تفاسيرهم، حيث فسروا القرآن لا كما عهدناه في المصحف وإنما حسب نزوله وسأعرض لهذا في الباب الثالث إن شاء الله. فطريقة هؤلاء لا توصل إلى المقصود الذي توصل إليه دراسة التفسير الموضوعي والذي ارتأيته أن يجمع بين الطريقتين في التفسير: أعني التفسير التحليلي والتفسير الموضوعي، فنوفي الموضوع حقه في جهة، ونحلل ألفاظ الآيات من جهة أخرى فلا يحرم القارئ من كلا الهدفين، وكلاهما مفيد لا يستغنى عنه.
إن القرآن الكريم كما هو معجزة في لفظه، فهو معجزة في معناه، معجز في تدرجه لتربية نوع الإنسان. ومن هنا -فإذا أحسنت صياغة التفسير الموضوعي، وتجنبت أخطاره التي أشرت إليها من قبل- فإنه يكون ذا أثر عظيم، لا في التعليم
والتثقيف فحسب، وإنما في تربية الوجدانات والمشاعر، وهي تسير مع القرآن خطوة بعد خطوة. وسيجد القارئ وهو يتتبع آيات القرآن كما أنزلها الله، آثار هذا الإعجاز: فهذه قصة آدم، وردت في عدة سور وكان أولها نزولًا ما جاء في سورة (ص)، وآخرها ما جاء في سورة (البقرة)، والناظر في هذه القصة في سورها التي وردت فيها حسب ترتيب النزول، يجد العجب العجاب وهو أنه لا تكرار أبدًا، وإن كل سورة جاءت بجديد في هذه القصة -وهكذا الموضوعات القرآنية- فسورة الأعراف زادت على ما ذكرته سورة (ص)، حيث بينت المداخل التي دخل إبليس إلى آدم منها من أجل خديعته. وذلك في قول الله تعالى:{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَال مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20]. كذلك سورة (طه) بينت شيئًا جديدًا عن طبيعة الجنة التي كان فيها آدم: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: 118 - 119]، وتأتي سورة الحجر لتبين تفصيلًا آخر عن الطين الذي خلق منه آدم {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26]. وهكذا كل سورة من سور القرآن، في هذا الموضوع وفي المواضع كلها. من هنا كان خطر التفسير الموضوعي وشأنه العظيم، فنحن اليوم أمام موضوعات كثيرة مختلفة تمس واقعنا السياسي، والاقتصادي والفكري. وقبل ذلك كله الخلقي والعسكري فنحن أحوج ما نكون إذًا إلى تجلية هذه الموضوعات، على أساس من هدي القرآن ومنهجه. وحكمته في إسعاد هذه الأمة، نحن في حاجة إلى هذه الموضوعات لتثقف عقولنا وتهذب نفوسنا، وتردّ شبهًا يحوم بها حولنا الخصوم، وتكون لنا منهاج حياة.