الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتجاهات التفسير في العصر الراهن د/ عبد المجيد عبد السلام المحتسب
الكاتب بعيد عن قضايا التفسير والمفسرين، بدأت صلته بالتفسير عند تسجيله رسالة الدكتوراه، التي كان موضوعها تفسير أبي حيان، ولم تكن لديه الأصول التي تمكنه من الكتابة عن تفسير أبي حيان، ولا نودّ أن نستطرد في بحث ليس له فائدة، ولا أدل على ما قلته وأقوله من هذا الكتاب الذي نتحدث عنه الآن، اتجاهات التفسير في العصر الراهن، حيث خلط فيه كثيرًا حتى في القضايا البدهية، فتحدث حديثًا يشوبه الهوى، فيه كثير من الخلط ومجانبة الصواب، والنيل من كثير من رجال الأمة.
يتحدث مؤلف الكتاب عن اتجاهات التفسير المتعددة، بعد أن يمهد للموضوع بالحديث عن أوضاع المسلمين العامة منذ أوائل القرن التاسع عشر. ومن هذه الاتجاهات:
1 -
الاتجاه السلفي، الذي يرتد إلى السلف الصالح من المفسرين القدامى، ويتمثل هذا الاتجاه في تفسير القاسمي المسمى محاسن التأويل، والتفسير الحديث لدروزة، والتفسير القرآني للقرآن لعبد الكريم الخطيب.
2 -
الاتجاه العقلي التوفيقي يوفق بين الإسلام ويين الحضارة الغربية، ويتمثل في تفسير الشيخ محمد عبده.
3 -
الاتجاه العلمي.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الكتاب يحتوي الكثير من الأخطاء العلمية، ذلك لأن كاتبه بعيد عن مجال التفسير كل البعد، ولذلك نجده يخلط بين الاتجاه السلفي وغيره، فهو يعد تفسير الأستاذ دروزة تفسيرًا سلفيًا، ومن أخطاء هذا الكاتب الأخرى:
أ- يذكر أن القاسمي يميل إلى النزعة العلمية في التفسير، حيث ينقل عن أحد أطباء عصره مضار لحم الخنزير، ويعلق بقوله (ولا حاجة للمفسر في الجري وراء ذلك). إن الحديث عن لحم الخنزير ومضاره لا أظنه يصلح للحكم على المفسر بأنه يميل إلى النزعة العلمية، وذلك أن المفسرين منذ القدم تحدثوا عن لحم الخنزير ومضاره.
ب - يقول عن صاحب التفسير الحديث محمد عزة دروزة: إنه متأثر بمنهج أبي حيان الأندلسي الذي وضعه في مقدمة تفسيره البحر المحيط، والمطلع على التفسير الحديث، لا يجد صاحبه متأثرًا ولو أدنى تأثر بتفسير البحر المحيط، وقد كنت أذكر هذا الأمر، فقال لي أحدهم: بأنه سأل الشيخ محمد دروزة إن كان قد اطلع على تفسير البحر المحيط، فقال إنه لم يسمع به، ولم يره! ! فكيف يمكن أن يقال بعد ذلك إنه متأثر بأبي حيان، ثم إن التفسير الحديث ليس تفسيرًا سلفيًا كما يذكر الكاتب.
ج - مما يدل أيضًا على عدم فهم الكاتب، أنه لا يرتضي أن يوصف الله تعالى بأنه (مدبر الكون الأعظم) ويرى بأن هذا الوصف يوافق قول الماسونية عن الله تعالى بأنه (مهندس الكون الأعظم).
ويقول إن الأعظم صيغة أفعل التفضيل وهي توحي بمدبر للكون أقلّ عظمًا منه وهذا جهل، وعلى ما قاله الكاتب لا ينبغي أن نقول:"الله أكبر" ومن ذلك اعتراضه على كلمة الأستاذ عبد الكريم الخطيب (أي لسبب حرمة الحياة الإنسانية وقداستها وكرامتها فرضي الله على بني إسرائيل هذا الفرض، فهو لا يوافقه على كلمة (قداستها) إذ هذه العبارة قد ينخدع بها كثير من المسلمين المثقفين، فضلًا عن السذج والجهلة، فالحياة هي خلق من خلق الله مثل خلقه الكون والإنسان والحياة يدركها الإنسان بمفرده فإذا مات لم يعد يدركها، والقداسة تعني التنزيه عن النقص، ولا يتنزه عن
النقص إلا الله تعالى.
وما ذكره غير صحيح، فإن الله قد وصف نفسه بهذا في مثل قوله. {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} ، وكذلك صيغة أفعل التفضيل في مثل قوله: الأكرم وقوله {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن ربك هو الأجود).
4 -
الكاتب يحمل حملة شعواء على الشيخ محمد عبده، فهو يرى بأن النزعة الإصلاحية التي جاء بها الشيخ محمد عبده، وإن كانت تتصل جذورها بالإسلام ومواقف بعض علماء المسلمين، فمانها تاثرت بشكل قوي بمفاهيم الفكر الرأسمالي.
5 -
ويقول إن اتجاه محمد عبده في تفسير القرآن، يمثل مرحلة الدفاع عن الإسلام وكأنه في قفص الاتهام، وهو يرى أن حياة الشيخ محمد عبده الفكرية، والسياسية تنقسم إلى قسمين، يتميز أحدهما عن الآخر، القسم الأول، هو الذي عمل فيه تحت إشراف الأفغاني وكان فيه خادمًا لأهدافه، يرى بعينه ويعمل بعقله، ويكتب بوحيه، والقسم الثاني هو الذي عمل فيه بعد عودته إلى مصر في ظل صداقة اللورد كرومر والمستر بلنت.
6 -
ويتحدث في صفحات كثيرة عن الماسونية، ويذكر أن محمد عبده كان ماسونيًا مثل أستاذه جمال الدين الإيراني المتأفغن. ودليل ذلك أن محمد عبده أسس جمعية دينية سرية من أهدافها التقريب بين الأديان الثلاثة وكان القس إسحاق تيلر راعي الكنيسة الإنجليزية أحد الأعضاء العاملين في تلك الجمعية .. ثم إن الذي يدرس الماسونية يلاحظ أن عمل محمد عبده منسجم مع مبادئها وأهدافها القريبة والبعيدة.
7 -
ويقول عنه: (الذي يمعن النظر في أقوال محمد عبده، يدرك مباهاته وتفاخره بمعرفة علم الكون ومعرفة أحوال البشر، ولا جدال في أن محمد عبده
ينطلق من قاعدة منهجية هي الدفاع عن الإسلام وكأنه في قفص الاتهام، فأوقع نفسه في ورطة كان في غنىً عنها وهذه الورطة تثمثل في إقحام القرآن في ميدان العلوم وأنه موافق لما تجدد منها.
8 -
ومن ذلك اتهامه للشيخ محمد عبده بأنه لا يلتزم الوقوف عند النص القطعي بل نجده يخالف منهجه فيخوض في مبهمات القرآن مستعينًا بما عرف من مستحدثات العلوم على شرحها وتوضيحها ويمثل لذلك بتفسير الشيخ محمد عبده لقوله {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} إنه يقع الاضطراب في نظام الكواكب فيذهب التماسك بينها ولا يكون فيها ما يسمى سماء إلا مسالك وأبوابًا لا يلتقي فيها بشيء وذلك هو خراب العالم. ولا أظن أن دارسًا يعتقد أن هذه هي المبهمات، إن من المعلوم بداهة أن الشيخ محمد عبده كان أبعد الناس عن تفسير المبهمات بل إن مدرسة الشيخ محمد عبده كانت بجميع أعلامها كذلك.
9 -
ومن حملته على الشيخ محمد عبده، اتهامه بأنه لم يلح على فتح باب الاجتهاد لمصلحة الإسلام والمسلمين. بل ليستطيع التوفيق ما أمكنه بين الإسلام وبين الحضارة الغربية أو ليلائم بين أحداث الحياة المتجددة التي هي ليست من صنع أحكام الإسلام ومقاييسه في الحياة وبين تعاليم الإسلام، وذلك ليزيل الفجوة المتأصلة عند المسلمين والعداء الدفين لكل ما هو من الغرب الصليبي، ومن هنا نستطيع أن نقول: أنَّ إلحاح محمد عبده على فتح باب الاجتهاد ومحاربة التقليد كانت كلمة حقٌّ يراد بها الباطل.
10 -
ومما يدل على عدم فهم الكاتب كذلك حديثه عن اعتماد الشيخ محمد عبده على العقل وحده حيث أوقعه ذلك في الأخطاء الشنيعة، يذكر أن العبادات وبعض الأحكام الشرعية لا يمكن أن يخوض فيها العقل أو يوجد
لها علة .. ثم يقول: وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الشرع أوجب التعفف أي غض البصر بالنسبة إلى الحرة الشوهاء شعرها وبشرتها مع أن الطبع لا يميل إليها، ولم يوجب غض البصر بالنسبة إلى الأمة الحسناء التي يميل إليها الطبع، وأيضًا فقد أوجب الله القطع في سرقة القليل دون غصب الكبير، وأوجب الجلد على القاذف بالزنا بخلاف القاذف بغير الزنا مع أنه قد يكون أفظع منه كالقذف بالكفر، وشرط في شهادة الزنا أربعة رجال واكتفى بشهادة القتل باثنين مع أن القتل أغلظ من الزنا.
وقوله: (وأتاح لحركة محمد عبده التوفيقية الحياة بعض الشيء اعتماده على فكرة أن ما لا يخالف الإسلام ولم يرد نص على النهي عنه يجوز أخذه، وهذه فكرة باطلة من أساسها ويقول ويتضح من تدقيق الأدلة أن أخذ أي حكم من غير ما جاء به الشرع أخذ لحكم كفر؛ لأنه أخذ لغير ما أنزل الله).
11 -
ويقول عن الشيخ محمد عبده: (إنه لم يكن داعيًا إلى تصحيح جذري للأوضاع القائمة في مصر وفي غيرها من بلاد المسلمين التي كانت أوضاعًا صاغها النظام الرأسمالي المطبق بقوة الاحتلال بل نجده ينحو نحوًا فيه مهادنة وخضوع لأحكام النظام الرأسمالي ومعالجاته ومقاييسه في الحياة، ونحن نعلم أن طريقة الرسول عليه السلام في نشر الدعوة الإسلامية كانت تعتمد على التكتل حول الإسلام ثم الانطلاق والجهر. بالدعوة ثم التماس النصرة لإقامة حكم الله في الأرض بإقامة دولة الإسلام.
12 -
وهو يرى أن القاسمي وعبد الكريم الخطيب متأثران بالشيخ محمد عبده في التفسير وعند حديثه عن طه حسين وكتابه الشعر الجاهلي - يرى أن الشيخ محمد عبده - في نظره - هو الذي فتح هذه السبيل أمام طه حسين ومن هم على شاكلته، والرابطة التي تربط هؤلاء: جرأة على دين الله، نزعة علمانية
عقلية غلابة، تعظيم لمفكري الغرب ومنهم المستشرقون، تهجم على الأزهر ورجاله وتنقيب عن عيوبه وهفوات رجاله ورقة في الدين تصل إلى حد الكفر.
13 -
ومما يدل على عدم دقة الكاتب فيما يكتب، تعريفه للتفسير العلمي بأنه: هو التفسير الذي يتوخى أصحابه إخضاع عبارات القرآن للنظريات والاصطلاحات العلمية وبذل أقصى الجهد في استخراج مختلف مسائل العلوم والآراء الفلسفية منها.
14 -
يدعي أن الشيخ رشيد رضا ينعى على من اتجه في تفسيره الاتجاه العلمي، ولكن الدارس لتفسير المنار يجد أن الشيخ لم ينكر التفسير العلمي.
هذا بعض ما ذكره الكاتب، وهو يدل على خلو الكاتب عن الاتصاف بالقواعد البدهية، لأيّ كاتب فضلًا على أن يكون كاتبًا في تاريخ التفسير، ومن هذه القواعد التي لم تهيأ للكاتب عدم الإنصاف والقسوة التي لا مسّوغ لها، وعدم فهم القضايا البدهية، فهو يدعي مثلًا أن الشيخ محمد عبده يخوض في مبهمات القرآن مستدلًا بقوله، {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} ، مع أن ما نقله عن الشيخ لا يعد من المبهمات كما قلنا ثم إن المطلع على تفسير الشيخ محمد عبده يدرك من أول وهلة أن الشيخ رحمه الله كان ينهى عن الخوض في تفسير مبهمات القرآن، بل يذكر أننا يجب علينا أن نسكت عما سكت الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
إن هذا الكتاب مليء بالأغلاط والافتراءات، والأخطاء العلمية لذا لا بد من أن نبه طلاب العلم والدارسين على وجوب الحذر مما جاء في هذا الكتاب.
إن الكتاب يكاد يكون كله أو جله تهجمًا على الشيخ محمد عبده رحمه الله، فضلًا على ما في الكتاب من قضايا لا توجد إلا في عقل الكاتب وقلمه وكتابه.
ورحم الله من قال: (من اشتغل في غير فنه رأيت منه العجائب).