الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعلمه العلماء بالاستنباط والفقه، ولم يرد الطبري ما تفعله الطائفة الصوفية وأشباههم في التلاعب بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعبث بدلالات ألفاظ القرآن وادعائهم أن لألفاظه ظاهرًا، هو الذي يعلمه علماء المسلمين وباطنًا يعلمه أهل الحقيقة فيما يزعمون، وانظر كلام البغوي في شرح السنة بتحقيقنا (1/ 263)(1).
وجرى بيني وبين الشيخ شعيب في شأن الحديث حديث، بينت مخاطر ما يترتب على هذا الحديث من سلبيات، فتقبل مشكورًا ووعد أن يعيد النظر فيما قال إن طبع الكتاب مرة ثانية.
دراسة متن الحديث:
أما فيما يتصل بمتن الحديث، فأنقل ما قال الإمام السيوطي في الإتقان (2). (أما الظهر والبطن ففي معناه أوجه، أحدها أنك إذا بحثت عن باطنها وقسته على ظاهرها وقفت على معناها. والثاني أنه ما من آية إلا عمل بها قوم ولها قوم سيعملون بها، كما قال ابن مسعود فيما أخرجه ابن أبي حاتم. والثالث: إن ظاهرها لفظها وباطنها تأويلها. والرابع: قال أبو عبيد وهو أشبهها بالصواب، إن القصص التي قصها الله تعالى عن الأمم الماضية وما عاقبهم به، ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين، إنما هو حديث حدث به قوم وباطنها وعظ الآخرين، وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم، فيحل بهم مثل ما حل بهم. وحكى ابن النقيب قولًا خامسًا أن ظاهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر، وباطنها ما تضمنته من الأسرار التي أطلع الله عليها أرباب الحقائق. ومعنى قوله (ولكل حرف حد) أي منتهى فيما أراد الله من معناه.
وقيل لكل حكم مقدار من الثواب والعقاب على المراد به وقيل كل ما يستحقه
(1) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان/ تحقيق شعيب الأرناؤوط (1/ 276).
(2)
كتاب الإتقان ج 2 ص 184.
من الثواب والعقاب يطلع عليه في الآخرة عند المجازاة. وقال بعضهم: الظاهر التلاوة والباطن: الفهم، والحد: أحكام الحلال والحرام، والمطلع: الإشراف على الوعد والوعيد). انتهى.
أما صاحب الموافقات (1) فهو يذكر هذه المسألة، ويرى القارئ من عبارته أنه غير مطمئن لهذه القضية، وإن عدم اطمئنان الشاطبي لهذه المسالة، جعله يذكرها بصيغة تدل على التشكيك والتمريض والتضعيف. فهو يقول:(من الناس من زعم أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا، وربما نقلوا في ذلك بعض الأحاديث والآثار. فعن الحسن مما أرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أنزل الله آية إلا ولها ظهر وبطن -بمعنى ظاهر وباطن- ولكل حرف حد ولكل حد مطلع (وفسر بأن الظهر والظاهر هو ظاهر التلاوة، والباطن هو الفهم عن الله لمراده، لأن الله تعالى قال: {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78] (2) والمعنى لا يفهمون عن الله مراده من الخطاب، ولم يرد أنهم لا يفهمون نفس الكلام، كيف وهو منزل بلسانهم؟ وكان هذا هو الذي روي عن على كرم الله وجهه حينما سئل. (هل عندكم كتاب؟ فقال: لا. إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم وما في هذه الصحيفة. الحديث .. )، ومضى الشاطبي في بيانه هذا، وكأنه يريد أن يسد الطريق على المتحمسين والمتكلفين، فذكر شرطًا للظاهر وشرطًا للباطن. فشرط الظاهر موافقة اللغة وعدم مخالفة الشرع، وشرط الباطن موافقة اللغة وشهادة الشرع (3).
مما تقدم ندرك إدراكًا يقينيًا، أن الحديث الذي ذكروه قد وهن متنًا (4) وسندًا.
(1) الموافقات ج 3 ص 382.
(2)
المرجع المذكور ص 391.
(3)
المرجع نفسه 394.
(4)
هناك متون يختلف فيها الناس، فمثلًا حديث نزول القرآن على سبعة أحرف، قبلت منه آراء كثيرة، ولكن مع كثرة هذه الاأقوال فإن من السهل علينا أن نعين المختار منها.
ولهذا يغلب على ظننا، بل نكاد نجزم بأن الحديث موضوع وإذا أراد بعض الناس أن يحسن الظن فيه، فإنه لا يخرجه من زمرة الأحاديث الضعيفة ضعفًا متناهيًا وحديث تلك رتبته لا يقبله العلماء في فضائل الأعمال من زهد وورع، فما ظنك بأصل من أعظم أصول الدين خطرًا وأكبرها أثرًا. وعلى التسليم بأنه حديث ضعيف، فإن بعض الأئمة الكبار لا يحتج بالضعيف مطلقًا. ومن احتج به، فإنما اشترط لذلك شروطًا، فيها أن يكون في فضائل الأعمال وأن يكون الضعفُ غير شديد، بمعنى ألا يكون في رواته من انفرد من الكذابين أو المتهمين بالكذب، ومن فحش غلطه، وأن يندرج تحت أصل معمول به، وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط. وليس شرطا من هذه الشروط، قد استوفاه حديث نزول القرآن على بطن وظهر.
لقد أطلت الكلام عن هذا الحديث، ولقد رأيتني مضطرًا إلى ذلك لأني رأيت كثيرًا من الأجّلة في تصانيفهم يمرون به دونما تعليق، بل ربما يشعر كلام كثيرين منهم بصحته، وذلك كله قد فتح لأصحاب الأهواء باب التأويل على مصراعيه فكل صاحب نحلة باطلة، أو بدعة زائفة او صاحب حقد دفين على هذا الدين وأهله، جعل من هذا الحديث منفذًا ينفذ منه إلى ما يريد، وأسال الله أن يلهمنا الصواب ويجنبنا الخطأ، وأكتفي بهذا القدر، والحق أن الإسرائيليات بما فيها من قصص وأخبار كانت من أعظم الأخطار على هذا الدين من ناحية، وعلى عقول بعض أهله وقلوبهم من ناحية أخرى.