الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني المانعون من المحدثين
والعلماء المحدثون الذين منعوا تفسير آي القرآن الكريم تفسيرًا علميًّا، لم يخرجوا عما قاله الإمام الشاطبي، ومن هؤلاء الشيخ أمين الخولي زوج الدكتورة بنت الشاطئ -رحمهما الله- وقد نقله عنه وارتضاه الشيخ محمود حسين الذهبي في كتابه (التفسير والمفسرون)، أما أبرز أولئك المانعين فهو
الشيخ محمود شلتوت
شيخ الأزهر الأسبق وهو إمام ذو عقلية فذّة رحمه الله.
الشيخ محمود شلتوت
يقول الشيخ: (وأما الناحية الثانية، فإن طائفة أخرى، هي طائفة المثقفين الذين أخذوا بوافر من العلم الحديث، وتلقنوا أو تلقفوا شيئًا من النظريات العلمية والفلسفية وغيرها، أخذوا يستندون إلى ثقافتهم الحديثة ويفسرون آيات القرآن على مقتضاها.
نظروا في القرآن فوجدوا الله سبحانه وتعالى يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} فتأولوها على نحو زين لهم أن يفتحوا في القرآن فتحًا جديدًا، ففسروه على أساس من النظريات العلمية المستحدثة، وطبقوا آياته على ما وقعوا عليه من قواعد العلوم الكونية وظنوا أنهم بذلك يخدمون القرآن، ويرفعون من شأن الإسلام، ويدعون له أبلغ دعاية في الأوساط العلمية والثقافية.
نظروا في القرآن على هذا الأساس، فأفسد ذلك عليهم أمر علاقتهم بالقرآن، وأفضى بهم إلى صور من التفكير لا يريدها القرآن، ولا تتفق مع الغرض الذي من أجله أنزله الله، فإذا مرّت آية فيها ذكر للمطر، أو وصف للسحاب، أو حديث عن الرعد أو البرق، تهللوا واستبشروا. وقالوا: هذا هو القرآن يتحدث إلى العلماء الكونيين ويصف لهم أحدث النظريات العلمية عن المطر والسحاب وكيف ينشأ
وكيف تسوقه الرياح، وإذا رأوا القرآن يذكر الجبال أو يتحدث عن النبات والحيوان وما خلق الله من شيء قالوا: هذا حديث القرآن عن علوم الطبيعة وأسرار الطبيعة، وإذا رأوه يتحدث عن الشمس والقمر والكواكب والنجوم، قالوا: هذا حديث يثبت لعلماء الهيئة والفلكيين أن القرآن كتاب علمي دقيق! .
ومن عجيب ما رأينا من هذا النوع أن يفسر بعض الناظرين في القرآن قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10، 11] بما ظهر في هذا العصر من الغازات السامة، والغازات الخانقة التي أنتجها العقل البشري بعيدًا عن قوله تعالى:{رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} ، {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} .
ويعرض الشيخ بعض الآيات التي فسرت ببعض النظريات العلمية، ثم يقول:
إن هؤلاء في عصرنا الحديث لمن بقايا قوم سالفين فكروا مثل هذا التفكير ولكن على حسب ما كانت توحي به إليهم أحوال زمانهم، فحاولوا أن يخضعوا القرآن لما كان عندهم من نظريات علمية أو فلسفية أو سياسية.
ولسنا نستبعد -إذا راجت عند الناس في يوم ما نظرية (داروين) مثلًا- أن يأتي إلينا مفسر من هؤلاء المفسرين الحديثين فيقول: إن نظرية داروين قد قال بها القرآن منذ مئات السنين (1).
ومن الأدلة التي استند إليها الشيخ محمود شلتوت في ردّ التفسير العلمي:
1 -
إن الله لم ينزل القرآن ليكون كتابًا يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف.
(1) رحم الله الشيخ فقد جاء من فسر بعض آيات القرآن بنظرية (داروين) وهو الدكتور مصطفى محمود فيقول في كتابه القرآن محاولة لفهم عصري: (إن داروين قد أحسن ووفق فيما توصل إليه من اكتشاف وشائج القربى بين المخلوقات جميعها، فها هي ذي نفس عضلات الأذن التي كانت تحرك آذان (أجداده) الحمير، وقد تليفت وضمرت حينما لم تعد لها وظيفة) ص 44.