الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني ما روي عن ابن عباس في أقسام التفسير ومناقشته
ولا بد أن نعرض هنا للأثر الذي روي عن ابن عباس رضى الله عنهما.
قال الطبري حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره.
قال أبو جعفر: وهذا الوجه الرابع الذي ذكره ابن عباس من أن أحدًا لا يعذر بجهالته معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله وإنما هو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به. وقد روي بنحو ما قلنا في ذلك أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر في إسناده نظر .. ثم قال:
حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي قال أخبرنا ابن وهب قال سمعت عمرو بن الحارث يحدث عن الكلبي عن أبي صالح مولى أم هانئ عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنزل القرآن على أربعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به، وتفسير فسره العرب، وتفسير يفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره، ومن أدعى علمه سوى الله تعالى ذكره فهو كاذب ..
وعلق الأستاذ أحمد شاكر فقال: وإن ما قاله الطبري فيه نظر لأن الذي رواه هو الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وقد رد الطبري آنفا خبرًا روي بمثل هذا الإسناد فقال: إنه ليس من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله (1).
(1) ص 75 - 76 من مقدمة تفسير الطبري. حققه وعلق حواشيه محمود محمد شاكر. راجعه وخَرَّج أحاديثه أحمد محمد شاكر.
- قلتُ: بالنسبة للرواية الثانية فقد كفانا الطبري مؤونة النظر في صحتها وتبعه الأستاذ أحمد شاكر فزاد الأمر وضوحًا ولم يبق إلا الرواية الأولى التي لم يتكلم في صحتها أو ضعفها وتبعه في السكوت عليها الأستاذ أحمد شاكر كذلك وعند النظر في الإسناد نجد محمد بن بشار ثقة (1).
ويروي عن مؤمل هو ابن إسماعيل قال عنه ثقة في سفيان وكذلك في رواية ابن أبي خيثمة قال ثقة (2).
وأما ابن محرز فقال إنه ليس بحجة فيه وهو هنا روى عن سفيان (3). وأما الثوري فهو الإمام المشهور ثقة (4)، وأما أبو الزناد فهو ثقة (5)، وابن عباس هو الصحابي .. فالإسناد إلى أبي الزناد صحيح ولكن أبا الزناد لم يسمع من ابن عباس وعليه فالإسناد منقطع والأثر ضعيف وذلك لما يلي:
1 -
أن ابن عباس توفي 68 هـ، وأبو الزناد ولد 64 هـ. وتوفي 130 هـ عن 66 عامًا فعند وفاة ابن عباس كان عمره أربع سنوات فلا يعقل أن يكون سمع منه في هذه السن.
2 -
أنه غير معروف بالرواية عن ابن عباس كما نرى في ترجمته في تهذيب الكمال الذي يذكر عمن روى وبن روى عنه ويحاول أن يستقصي.
3 -
الناظر في كتب المراسيل يرى أن العلماء نفوا سماعه من صحابة عاشوا بعد ابن عباس فقد نفى البخاري سماعه من أنس ونفى أبو حاتم رؤيته أو إدراكه لابن عمر (6).
(1) تقريب التهذيب ص 5754.
(2)
الجرح والتعديل (8/ ت 17090).
(3)
تهذيب الكمال (29/ 177).
(4)
تقريب التهذيب ص 244.
(5)
تقريب التهذيب/ ت 3302.
(6)
راجع ترجمته في تهذيب الكمال (29/ 476 - 483).
هذا كله من حيث السند، لكن الأثر ينبغي أن يردّ من حيث المتن كذلك لأكثر من سبب، أكتفي هنا بسبب واحد، وهو أن ابن عباس رضي الله عنهما لا يفسر المتشابه بما استأثر الله بعلمه، بل الروايات الثابتة عنه أن المتشابه مما يعلمه الراسخون في العلم.
وعلى هذا فإن هذه الرواية تتناقض تناقضا تامًّا مع ما اشتهر عن ابن عباس؛ لأنه في هذه الرواية جعل من التفسير ما استأثر الله بعلمه، مع ان ابن عباس رضي الله عنهما يرى أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل الآيات.