الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملحوظات حول التفسير:
أولًا: لا يشك القارئ وهو يتصفح التفسير البياني، بأن مؤلفته تكتب وفي نفسها شيء من ملاحقة المفسرين، فهي في كل موضوع تقريبًا، تأتي على أقوالهم لتردها، أو تبين ما فيها من قصور وعدم وفاء بالمعنى. وقد تأتي بأقوال ضعيفة لم يعتمدها المفسرون أنفسهم، وربما تأتي باللفتة البيانية مبينة جدتها، زاعمة أن المفسرين لم ينتبهوا إليها. ومثال ذلك تفسيرها لآية {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} حيث لم ينتبه المفسرون لظاهرة القسم بالواو كما تقول، ولسر التطابق بين المقسم به والمقسم عليه، وتفسير قوله تعالى:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} حيث ذكرت بعض الأقوال عن هذا المعطى، من أنه ألف قصر بفرش معينة وألوان معينة. وهذه أقوال لم يعتمدها المفسرون بالطبع، وقد نبه عليها كثيرون قبلها، وعند قول الله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} في سر التعبير بالجار والمجرور (لك) ترى أن المفسرين القدامى لم ينتبهوا إلى هذا السر البلاغي، وبعد أن ترد ما قالوه، ترى أنه جاء للتقرير والتأكيد وتقوية الإيصال (1). مع أن هذا القول قرره العلامة أبو السعود وأخذه عنه كثيرون منهم الشيخ محمد عبده.
وفي تفسير قوله تعالى {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} تدعي أن أحدًا من المفسرين لم ينتبه لسر التعبير بكلمة (زرتم).
وأنقل هنا ما ذكره أبو السعود (2) في الآية الأولى (وزيادة الجار والمجرور، مع توسيطه بين الفعل ومفعوله، للإيذان من أول الأمر، بان الشرح من منافعه عليه الصلاة والسلام ومصالحه، مسارعة إلى إدخال المسرة في قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم، وتشويقًا له عليه الصلاة والسلام إلى ما يعقبه، ليتمكن
(1) التفسير البياني ص 65.
(2)
إرشاد العقل السليم جـ 5، ص 270 طبعة محمد عبد اللطيف.
عنده وقت وروده فضل تمكن).
أما الآية الثانية، فأذكر هنا ما قاله ابن تيمية في سورة التكاثر (1) قيل فيها {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} ، تنبيهًا على أن الزائر، لا بد أن ينتقل عن مزاره فهو تنبيه على البعث ولقد قال مثل هذا القول كذلك، صاحب روح المعاني، وزاد عليه قوله (وفيه إشارة إلى قصر زمن اللبث في القبور)(2).
وعند تفسير قوله تعالى: {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} [النازعات: 10] لا ترى المؤلفة أن هذا الاستفهام يقصد به التهكم، وإنما هذا القول يكون منهم في الآخرة.، وترد ما قاله المفسرون، محتجة باستعمال الفعل المضارع أولًا (يقولون)، وبمجيء الفعل الماضي ثانيًا (قالوا) ولقد أجاب المفسرون عن هذا كله. وذكر العلامة الآلوسي ما فيه الكفاية. وقولها بأن هذا يكون في الآخرة لا يتفق مع سياق الآية.
وعند تفسير قوله تعالى: {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى} ترى أنه لا داعي للبحث عن تعيين تلك الآية، أهي العصا أم غيرها؟ مع أن ضم الآيات بعضها إلى بعض، وبخاصة ما ورد في سورة الشعراء، يسهل علينا إدراك تلك الآية.
ثانيًا: تلوم على المفسرين لأنهم يوردون أقوالًا كثيرة، هي إلى الحشو أقرب. ومع أنها اتجهت اتجاهًا خاصًّا في التفسير، أعني الاتجاه البياني، ومع أنها تذكر أن المفسرين أوردوا أقوالًا ولا تود أن تذكرها هي، إلا أنها لا تدع قولًا، حتى من التفسيرات الباطنية إلا وتذكره كما فعلت في تفسير {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} حيث ذكرت أربعة أقوال من تفاسير الباطنية، وهكذا تجعل صاحبة التفسير البياني، سامحها الله، القارئ في متاهة، من كثرة ما تورد من أقوال، حق على المفسر البياني أن يتجنبها، وهكذا تستمر، وهذا هو دأبها دائمًا.
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 13، ص 517.
(2)
تفسير روح المعاني جـ 30، ص 224.
ثالثًا: تدعي أن المفسرين وهم يكتبون، يحملون في نفوسهم فكرة ما تسيطر عليهم، فتأتي أقوالهم مشوشة. وتمثل لذلك بما قرروه من أن القسم، يكون لتعظيم المقسم به، وقد سيطرت عليهم تلك الفكرة قديمهم وحديثهم، فأرادوا أن يخضعوا كل قسم، ليتفق مع تلك القاعدة، ومع مخالفتنا لها في هذا، فقد وقعت هي في ما اعترضت به على غيرها، فهي ترى أن القسم بالواو، إنما جاء في القرآن الكريم، ليدل على واقع محسوس مشهود للناس فقد خرج عن أصله اللغوي، ومن هنا لا داعي للبحث عن جوابه، ومن أجل هذا، أرادت أن تخضع كل قسم مبتدئًا بالواو لتلك القاعدة، وبخاصة إذا كان القسم على البعث. فردت تفسير النازعات بالملائكة لأن الملائكة ليست محسوسة مشاهدة، وفسرت هذه المقسم بها بالخيل. وإن الحس اللغوي في رأيي، لا يساعد على تفسير {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} (بالخيل).
رابعًا: تتعقب المفسرين لا في التفاسير اللغوية فقط، بل فيما هو خارج عنها، كمسائل علم الكلام كما رأينا عند تفسيرها لقول الله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} بل في مضمون كلامهم. فهي تقول عن كلام الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (ومعنى اصطحاب اليسر والعسر، أن الله أراد أن يصيبهم يعني المؤمنين بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب، فقرب اليسر جعله كالمقارن للعسر، زيادة في التسلية وتقوية القلوب) تقول: (إنه يعوزه الدقة في موضعين: التعبير عن البشرى بالإصابة أولًا، والتشبيه في قوله (حتى جعل اليسر كالمقارن للعسر ولا إخال ذلك). أما أولًا ففي القرآن {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78]{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النساء: 79]. وأما ثانيًا فورود الكاف من الأساليب المعروفة في اللغة. وإذا كان القسم قد يخرج عن أصله اللغوي كما تقول، أفلا يكون للتشبيه جماله في مثل هذا التعبير؟ ومع هذا كله فإن صاحبة التفسير البياني كان ينبغي أن تنبه على أمور بدل هذا كله في التعبير