الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - تحرير الرقيق:
أما مسألة الحرية، فمع أن الإنسانية لم تتنسم عبيرها، ولم تذق حلاوتها، إلا في ظل القرآن الذي ردها إلى فطرتها الأولى، ورد لها كرامتها، بقطع النظر عن بيئتها الجغرافية، أو أصولها التاريخية والاعتقادية واللغوية، قال الله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] ومع هذا كله نجد أناسًا يمارون، ويتهمون الإسلام بأنه لم يقف موقفًا حاسمًا من هذه المسألة المهمة.
ولقد كان للمفسرين والكتاب المسلمين حديثًا عناية برد تلك الشبهات مبينين أن ما قرره القرآن لا يدانيه قانون أو مبدأ من تلك القوانين والمبادئ، التي يدعي معتنقوها أن هدفها إسعاد الإنسانية وإصلاحها. فالقرآن قرر حرية الاعتقاد وحرية المرأة في حدود الفضيلة والمعقول.
بقيت مسألة الرق، ولقد كان الرق شريعة معترفًا بها لا في المجتمعات الجاهلية فحسب، بل وفي المجتمعات المتدينة والمتفلسفة. ولم يكن له باب واحد، بل أبواب كثيرة، ووسائل متعددة. وجاء القرآن فوقف من هذه المسألة موقف التوجيه من أول نزوله، ففي العهد المكي ولم يكن للإسلام بعد دولة، ولا للمسلمين مجتمع، يعتمد القرآن قرارًا في هذه المسألة بقوله:{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 11 - 13].
ولقد كانت معالجة الإسلام للرق معالجة حكيمة، تقوم على أسس سليمة صحيحة، جاء أولًا فقفل أبواب الرق، وجفف منابعه، وقضى على أسبابه، وقد كان له أسباب متنوعة وأبواب متفرقة، فكان السارق يسترق بسبب سرقته (1)، والقاتل بسبب قتله، والمدين بما عليه من دين، فشرع القرآن لكل حالة من هذه ما يناسبها، هذا أولًا. وأما ثانيًا فإنه فتح أبواب الحرية لا بالحث على العتق، وجعله
(1) يحدثنا القرآن عن إخوة يوسف أنهم حينما سئلوا: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} قالوا: {جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: 74 - 75].
موكولًا لإحسان الإنسان وبره فحسب، بل أوجبه كفارة لبعض الأعمال، كالقتل والظهار وغيرهما، وأمر بمكاتبة الرقيق إن أراد ذلك وإن علمنا فيه خيرًا، بحيث لا يصبح عالة على المجتمع، وجعل له نصيبًا من الزكاة المفروضة.
والقرآن بعد ذلك كله رغب عن تزوج الإماء، ليس استخفافًا وعدم اكتراث بهن، ولكنه يريد أن يجعل للرق نطاقه الضيق، فإن التزوج بالإماء من شأنه أن يعين على بقاء الرقيق أزمنة متعاقبة، هذا ما أرشد إليه القرآن لتحرير الرق. أما معاملة هؤلاء في حال رقهم فهي معاملة لا تدل على المساواة بين الناس فحسب، بل تدل على ما هو أعمق من ذلك: العدالة في الأحكام، ولقد كان القرآن فريدًا في ذلك فلم يسبق، ولم يأت بعده ما قاربه في التشريع. وهذا لعمر الحق من أعظم وجوه إعجازه. يقول الله تعالى في شأن الإماء:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25].
هذا هو الاتجاه، الاجتماعي في طابعه، وهذه بعض المسائل التي عرض لها التفسير الحديث، وهناك مسائل أخرى لم تفت المفسرين المحدثين، كالمساواة وبيان سنن الله في الاجتماع وتسامح الإسلام مع غير المسلمين، وبيان ما يسعد المجتمع من القواعد التي وضعها القرآن. كل هذه المسائل والمشكلات مما ألقاه ظل العصر الذي نعيش فيه، وحتمته البيئة الاجتماعية والثقافية كانت الطابع المميز للتفسير.
ولئن كنت أوجزت في ذكر بعض هذه الأمور، فلأننا سنمر بكثير منها حينما نعرض لمناهج المفسرين إن شاء الله، وسنرى من أقوالهم هناك ما يوضح ذلك.
على أن من الإنصاف أن يقال ليس المفسرون وحدهم عرضوا لهذه المسائل، بل إن كثيرًا من الكتاب قد عرضوا لها عرضًا موضوعيًا. كتب الشيخ شلتوت زحمه الله كتاب (القرآن والمرأة)، وكتب السباعي رحمه الله (المرأة بين الفقه والقانون)، والدكتور عمر فروح (الأسرة في الشرع الإسلامي) ولدروزه كتب في نفس الموضوع. كما كتب العقاد (الإنسان في القرآن) و (المرأة في القرآن)، وكتب