الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القضايا الظنية المأخوذة من إشارات في نصوص الآيات، فيمثل لها بورود ذكر النجوم في القرآن، أكثر بكثير من ذكر الكواكب ويبني على ذلك نتائج منها، أن النجوم أكثر عددًا وأعظم شأنًا في السماء من الكواكب.
وأما القضايا المحتملة المأخوذة من صريح النص، فيمثل لها بقوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47]. (وفي اللغة لفظ)(موسعون)، إما مشتقة من أوسع (اللازم) بمعنى جعل الشيء واسعًا، وإما من أوسع (المتعدي) بمعنى التوسيع والزيادة في الشيء. فبناء على ذلك يكون معنى قوله:{وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أنه تعالى بنى السماء وجعلها واسعة، أو أنه بناها، وأنه يوسع ويزيد في سعتها. ومن هذا يتضح أن للآية معنين محتملين، لا ترجح أحدهما على الآخر. ولكن قد يوجد في آيات أخرى ما يرجح أحدهما أو يرجحهما معًا (1).
تقديره لجهود السابقين ودعوته إلى تفسير علمي:
والأستاذ إذ يعترف للعلماء بجهودهم في البحث -كالأستاذ محمد الغمراوي في كتابه (سنن الله الكونية) والأستاذ الشيخ طنطاوي جوهري- إلا أن الأستاذ حنفي يأخذ على أستاذه صاحب الجواهر، أنه كان يسهب. يقول:(وأستاذنا المرحوم الشيخ طنطاوي، في تفسيره الواسع للقرآن، الذي أفاض وأسهب فيه، وبين كثيرًا من العلوم المختلفة التي تشير إليها الآيات الكونية، لولا أنه رحمه الله قد زاد في هذا البيان، حتى جاوز حدود معاني الآيات، ولم يحاول الجمع بينها، فخفي بذلك كثير من حقيقته، ومقدار العلم المنزل فيها، على كل حال فقد كان رحمه الله من المجتهدين، والله لا يضيع أجر المحسنين)(2) وهو لا ينسى أن يقدر للمفسرين السابقين جهدهم في تفسير الآيات الكونية، ويعتذر عن عدم إيفائهم الموضوع حقه، (فلم يجمعوا الآيات الكونية مثلًا، ليستنبطوا منها معانيها كما فعلوا
(1) نفس المرجع ص 46 - 47.
(2)
المرجع السابق ص 7.
في آيات الأحكام. فليس ذلك عن قصور فيهم، وإنما يرجع إلى عدم توفر الإمكانات العلمية عن هذا الكون عندهم، وعند غيرهم من للناس، ومع هذا كله فرغم تقدم العلم في عصرنا، فلا زالت آيات القرآن غير موضحة دقائقها العلمية عن هذا الكون، اللهم إلا طرفًا يسيرًا منها. ويرجع السبب في ذلك إلى وراثة العقيدة التي كانت ولا تزال سائدة في الأذهان، بأن القرآن رسالة هداية وإرشاد، ولا شأن لها بالوصول إلى العلوم الكونية، وأن حديثه عن الكائنات لا يحتاج في فهمه، إلا لمجرد التعقل والخبرة العادية، وأنه بذلك لا يحوي دقائق أو تفاصيل عن طبائع الكائنات، تتطلب علمًا خاصًّا لإبانتها ودركها، ولأن الحديث عن الكون جاءت آياته مفرقة بين السور القرآنية، مخالفًا لما هو معروف لديهم في تصنيف الكتب العلمية (1).
لذلك كله أصبح ضروريًا أن يتعاون في تفسير القرآن، العالمون بأسرار الشريعة وفقه اللغات وبلاغتها، والعلماء الأخصائيون (2) في مختلف العلوم، والنظر في خلق الله العجيب لبناء صرح إيمان قوي ثابت (3). ذلك لأن القرآن جاء معجزًا في بلاغة أسلوبه وسمو معانيه وجوامع كلمه. وجاء معجزًا بما قصه من سير الأنبياء والمرسلين السابقين، التي ما كان يعلمها سوى علماء أهل الكتاب. وجاء معجزًا بما تضمن من تشريعات حكيمة ومثل عليا، تتفق مع إطباح البشر في كل مكان وزمان، تكميلًا لفطرتهم وضمانًا لسعادتهم وجاء معجزًا بما حوى من آيات العلم والمعرفة الصحيحة، عن الجانب المادي من الكون، مما لم يكن للناس علم به قبل نزوله أو بعده، حتى جاء العلم الحديث بوسائل بحثه الدقيق، المستندة إلى
(1) وأنا لست مع الأستاذ إن أراد أن يقول إن القرآن كتاب للعلم الكوني، قبل أن يكون كتاب هداية. ذلك أن هداية القرآن هي المقصد الأسمى فيه، بها إعجازه وخلوده. أما إن أراد أن يقول إن القرآن كتاب هداية وفيه إشارات علمية لدقائق هذا الكون، فهذا رأي لا غبار عليه.
(2)
الصحيح: الاختصاصيون.
(3)
المرجع السابق ص 34.