الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني التفسير في عهد الصحابة -رضوان الله عليهم
-
كان الصحابة رضوان الله عليهم يتورعون عن تفسير القرآن على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، مع أنهم كانوا على جانب عظيم من البيان العربي والتذوق الأدبي، بل كانوا يرجعون إليه عليه وآله الصلاة والسلام فيما يشكل عليهم فهمه. ولما انتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، كان لا بد لهم من أن يشمروا عن سواعدهم، ليقوموا بما يجب عليهم نحو كتاب الله العزيز، وهم الذين شهدوا نزول القرآن ونالوا بركة الوحي، وبركة الإفادة من الرسول عليه وآله الصلاة والسلام. فمصادر التفسير عندهم إذًا الكتاب والسنة واللغة والاجتهاد، وإذا كانت تلك المنزلة للصحابة، فيجب أن لا يقلل من شأنه ما وصل إلينا منهم بأسانيد صحيحة. على أنه ينبغي أن ننبه على أن أقوالهم رضي الله عنهم، لا تعطى حكم الحديث المرفوع، اللهم إلا إذا كانت بيانًا لسبب نزول آية، وذلك كما يذكره أئمة الحديث، وهو ما نص عليه ابن الصلاح في مقدمته (1).
المكثرون في الرواية من الصحابة- مناقشة ما قيل في هذا الموضوع:
والصحابة متفاوتون في فهمهم لكتاب الله، كما أنهم متفاوتون فيما روي عنهم بين مقل ومكثر. فهذا هو مسروق رضي الله عنه يقول:(وجدت أصحاب محمد مثل الإخاذ، الإخاذ يروي الواحد، والإخاذ يروي الاثنين، والإخَاذ لو ورد عليه الناس أجمعون لأصدرهم. وإن عبد الله بن مسعود من تلك الإخاذ (2). وذكر السيوطي رحمه الله في الإتقان (3) أن المكثرين من الصحابة عشرة: الخلفاء
(1) ص 45.
(2)
في النهاية لابن الأثير (1/ 28) الإخاذ هو مجتمع الماء وجمعه أُخُذُ ككتاب وكُتُب.
(3)
الإتقان جـ 2 ص 187، التفسير والمفسرون جـ 1 ص 63.
الراشدون الأربعة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وقد اشتهر هذا القول ونقله عن السيوطي كل من الذين جاءوا بعده، ولقد حملني على بحث تلك القضية المشتهرة قراءتي في كتب الستة أو كتب التفسير التي كان لها عنايةً بذكر الروايات ومن رُوي عنهم، حيث وجدت أن كثيرًا ممّن قيل إنهم مكثرون، كانوا من المقلّين والعكس صحيح، فتتبعت ما جاء في كتب الحديث الآتية:
1 -
جامع الأصول لابن الأثير وفيه ستة أسفار هي: صحيحا البخاري ومسلم وجامع الترمذي وسنن أبى داود والنسائي وموطأ مالك.
2 -
مجمع الزوائد الذي يتضمن ستة من أسفار الحديث ذات الشأن العظيم هي: معجمات الطبراني الثلاثة الكبير والأوسط والصغير، ومسند الإمام أحمد وأبي يعلى والبزار.
3 -
موارد الظمآن في زوائد ابن حبان.
4 -
كنز العمال وهو يتضمن كثيرًا من كتب الحديث.
5 -
كما رجعت إلى بعض أجزاء تفسير ابن أبي حاتم، وهو من أوسع التفاسير بالمأثور، وسأثبت في آخر هذا الموضوع بعض الروايات ليطلع عليها القارئ لما فيها من فائدة من جهة وليدرك عدم دقة المقولة المشتهرة عن المكثرين والمقلّين من جهة أخرى فوجدت على سبيل المثال بعد استقصاء هذه الكتب أنه لم يرد لابن الزبير رضي الله عنهما الذي قالوا إنه من المكثرين إلا ثلاث روايات بينما ورد لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما الذي عدّوه من المقلين ثلاث وثلاثون رواية. وما أجدر الباحثين وبخاصة طلاب العلم بالبحث والتمحيص حتى لا يأخذوا كل قضية يقرؤونها على أنها مسلّمة لا شك فيها.