الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القراءات القرآنية:
ومن مجالات تفسير القرآن بالقرآن، ما نجده في القراءات القرآنية، فلقد قالوا: إن كل قراءة بمنزلة آية من الآيات، فكما أن بعض الآيات تفسر بعضًا، فإن ذلك يصدق على القراءات كذلك، وقبل أن نسترسل في هذا الموضوع، لا بد من التنبيه على أن تفسير القرآن بالقرآن في هذا المضمار يجب أن نقتصر فيه على القراءات الصحيحة المتواترة، . أما تفسير القرآن بالقراءة الشادّة فلا يعدّ من هذا القبيل، أي لا يعدّ من تفسير القرآن بالقرآن، بل هو من تفسير القرآن بالسنة، إن كانت القراءة مسندة إلى الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، أو من تفسير الصحابة إذا كانت مسندة إلى صحابي، فما روي من قراءة بعض الصحابة (فله أخ أو أخت من أم بزيادة) من (أم) أو بزيادة متتابعات في قوله (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) وهو كثير في كتب التفسير، لا يعدّ من تفسير القرآن بالقرآن، بل لا بد من أن تكون القراءة المفسرة متواترة كما قلت. فمن ذلك على سبيل المثال:
{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110]، ففي الآية قراءتان (كُذبوا) بالتخفيف و (كُذِّبوا) بالتشديد، فقد قرأ الكوفيون (كُذبوا) بالتخفيف، وقرأ الباقون (كُذِّبوا) بالتشديد، وقد اشتهر الخلاف بين السيدة عائشة وابن عباس رضي الله عنهم حول هذه الآية الكريمة، ومعنى قراءة التشديد أن الرسل استيأسوا وأيقنوا أن المرسل إليهم قد كذبوهم، فالضمير في (كذِّبوا) للرسل، وترى السيدة عائشة رضي الله عنها، أن معنى قوله:(وظنوا أنهم قد كذبوا) أي أيقن الرسل أن أتباعهم الذين آمنوا بهم قد كذبوهم لما تأخر النصر.
أما قراءة التخفيف فلها توجيهان:
أحدهما: أن الظن بمعنى التوهم وحديث النفس، والمعنى أن الرسل لما طال انتظارهم توهموا وحدثتهم أنفسهم أنهم كذبوا وأخلفوا ويؤيد هذا ما في الآية الأخرى في سورة البقرة قولهم (متى نصر الله).
وثانيهما: هو أن أتباع الرسل هم الذين ظنوا أن الرسل قد كذبوا، وقد روي هذا عن سعيد بن جبير كذلك، فعلى الأول ضمير (ظنوا) يرجع إلى الرسل، وعلى الثاني إلى المرسل إليهم ويكون الظن الأول على التوهم وحديث النفس كما قلنا، أما على الثاني فيكون الظن على حقيقته أو بمعنى اليقين.
وحجة السيدة عائشة أن الرسل لا يمكن أن يكون منهم ذلك فقالت: (معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها)(1) وحجة ابن عباس أنهم بشر يعتريهم ما يعتري البشر من الشك.
والذي يبدو لنا أن كلًّا من القراءتين ترشد المسلمين وتوجههم وهم يحملون لواء الدعوة إلى الله، فالقراءة الأولى تبين لهم إذا تيقنوا من إعراض المدعوين ويئسوا من إيمانهم فحري بهم أن يطمئنوا إلى نصر الله سبحانه، فلا بد أن يصبروا وهذا ما ترشد إليه آيات كثيرة منها قوله سبحانه:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34] ومنها قوله سبحانه {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)} [سبأ: 45].
أما القراءة الثانية، فإنها تبين للمسلمين أن ما يكون من خطرات النفس وهواجسها بسبب تأخر النصر، لا ينبغي أن يفل عزائمهم أو أن يضعف إرادتهم، فهواجس النفس ووساوس الشيطان لا تنقطع، ولكن ينبغي أن يكونوا منها على حذر.
قراءة التشديد تعلمنا أن لا نيأس، وقراءة التخفيف ترشدنا أن نتغلب على الوساوس والهواجس وخطرات النفوس فلكل قراءة وجهة حري بالدعاة إلى الله أن يحسبوا لها حسابًا، وهم يقارعون الباطل والشر {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ
(1) الكشف عن وجوه القراءات السبع. وعللها، مكي بن أبي طالب، ص 16.