الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يعطه أجره). رواه البخاري وغيره. غير أن الإسلام قد أذن -نعم أذن فقط ولم يأمر- باستعباد أسارى الحرب فيما إن كانت حكوماتهم لا ترضى باستردادهم من الدولة الإسلامية، بمن بيدها من أسراها، ولا هم يفدون أنفسهم بأففسهم. ولكن مع ذلك فقد ترك الإسلام مجالًا واسعًا في وجوههم، لأن يشتروا حريتهم بالمكاتبة، كما أبقى في حقهم جميع التعاليم والأحكام المتعلقة بتحريض الناس على منح الحرية لأرقائهم القدماء، أي تحريرهم ابتغاء لمرضات الله، وتكفيرًا للذنوب أو وصية الرجل عند وفاته بعتق رقيقه بعده- وهو ما يعبر عنه بالتدبير في المصطلح الإسلامي أو نيل الأمة حريتها مع وفاة سيدها، سواء كان أوصى بعتقها أم لم يوص، إن كان استمتع منها فولدت له ولدًا.
فهذا هو الحل الموفق الذي عالج به الإسلام قضية الرق فالجهال لا يدركون حقيقة هذه القضية في الإسلام، فيوردون عليها أنواعًا من الاعتراضات. والجانب الآخر أن مختلقي الأعذار لا يعتذرون عن قضية الرق فحسب، بل وينكرون أصلًا إباحة الإسلام للرق في أي صورة من صورها) (1).
ب- في حقوق المرأة:
هذا نوع من الحرية للرقيق، وهناك نوع آخر يتعلق بتحرير المرأة، وأجمل هذا ما فصله صاحب المنار في ما كتبه في تفسيره، وكتابيه، (نداء إلى الجنس اللطيف) و (الوحي المحمدي) من مقارنة بين مكانتها في الإسلام وغيره:
1 -
كان بعض البشر من الإفرنج وغيرهم، يعدون المرأة من الحيوان الأعجم، أو من الشياطين لا من نوع الإنسان، وبعضهم يشك في ذلك. فجاء محمد صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم أمثال قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13].
(1) تفسير سورة النور ص 188 - 190.
2 -
كان بعض البشر في أوروبا وغيرها، يرون أن المرأة لا يصح أن يكون لها دين، حتى كانوا يحرمون عليها قراءة الكتب المقدسة رسميًا. فجاء الإسلام يخاطب بالتكاليف الدينية الرجال والنساء معًا، بلقب المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
3 -
كان بعض البشر يزعمون أن المرأة ليس لها روح خالدة، مع الرجال المؤمنين في جنة النعيم في الآخرة. فنزل القرآن يقول:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195].
4 -
كان الإفرنج يحتقرون المرأة، ولا يعدونها أهلًا للاشتراك مع الرجل في أي مجال من مجالات الحياة العامة. فجاء القرآن يقرر:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
5 -
وكان بعضهم يحرمون النساء من حق الميراث، وبعضهم يضيق عليهن حق التصرف فيما يملكن. فجاء الإسلاِم وأبطل هذا الظلم بقوله تعالى:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7]، وقوله:{وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32].
6 -
كان الزواج ضربًا من استرقاق الرجال للنساء، فجعله الإسلام عقدًا دينيًا مدنيًا لقضاء حق الفطرة، بسكون النفس من اضطرابها الجنسي، وتوسيع دائرة المودة والألفة بين العشيرين، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
7 -
كان أولياء المرأة يجبرونها على التزوج بمن تكره أو يعضلونها بالمنع منه مطلقًا، وإن كان زوجها وطلقها، فحرم الإسلام ذلك، وساوى بين الرجل والمرأة، باقتسام الواجبات والحقوق بالمعروف، مع جعل حق رياسة الشركة الزوجية للرجل، لأنه أقدر على الحماية والنفقة.
8 -
كان الرجل من العرب وبني إسرائيل وغيرهم، يتخذون من الأزواج ما شاؤوا غير مقيدين بعدد. فقيدهم الإسلام بأن لا يزيدوا على أربع، ومن خاف على نفسه أن لا يعدل، وجب عليه الاقمصار على واحدة. وإنما أباح الزيادة لمحتاجها القادر على النفقة والإحصان.
9 -
كان الطلاق مشروعًا عند أهل الكتاب والوثنيين من العرب وغيرهم، وكان يقع على النساء منه ظلم كثير، وغبن يشق احتماله فجاء الإسلام فيه بالإصلاح الذي لم يسبقه إليه شرع، ولم يلحقه بمثله قانون، وكان الإفرنج يحرمونه ويعيبون الإسلام به، ثم اضطروا إلى إباحته، فأسرفوا فيه إسرافًا منذرًا بفوضى الحياة الزوجية، وانحلال روابط الأسرة والعشيرة.
10 -
بالغ الإسلام في الوصية ببر الوالدين، فقرنه بعبادة الله تعالى، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم فيه حق الأم، فجعل برها مقدمًا على بر الأب. وبالغ الإسلام في تربية البنات وكفالة الأخوات، بل جعل لكل امرأة قيمًا شرعيًا يتولى كفالتها. ومن ليس لها ولي من أقاربها، أوجب على ولي أمر المسلمين أن يتولى أمرها.
جـ - في تعدد الزوجات:
بقيت مسألة التعدد، وهي من أكثر المسائل التي أثير حولها الجدل بين العلماء، فبينما نرى الشيخ محمد عبده، يضيق كثيرًا في هذه المسألة، بحجة أن القرآن نفسه إنما أباح ذلك في أقصى الضرورات وبحجة الواقع المرير الذي تعيشه هذه البيوتات
التي فشا فيها التعدد. ولعل هذا الرأي انعكس فيما بعد على كثيرين فتطرف بعضهم، وخرج بعض آخر عن جادة الحق، وأول بعض آخر هذه الآيات، بما يتنافى كليًا مع معناها ويسياقها.
يقول الشيخ محمد عبده (1): (إباحة تعدد الزوجات في الإسلام، أمر مضيق فيه أشد التضييق، كأنه ضرورة من الضرورات التي تباح لمحتاجها، بشرط الثقة بإقامة العدل والأمن من الجور. وإذا تأمل المتأمل مع هذا التضييق، ما يترتب على التعدد في هذا الزمان من مفاسد، جزم بانه لا يمكن لأحد أن يربي أمة فشا فيها تعدد الزوجات، فإن البيت الذى فيه زوجتان لزوج واحد، لا تستقيم له حال ولا يقوم فيه نظام. بل يتعاون الرجل مع زوجاته على إفساد البيت، كان كل واحد منهم عدو للآخر، ثم يجيء الأولاد بعضهم لبعض عدو، فمفسدة تعدد الزوجات تنتقل من الأفراد إلى البيوت، ومن البيوت إلى الأمة).
أما الشيخ البهي الخولي فيقول (2): (إن التعدد محرم في حال احتمال الظلم، واحتمال الظلم أمر متوقع، لا محالة. فكان إباحة التعدد علقت بأمر يجعله محرمًا أو شبيهًا بالمحرم).
وهذا شيخ آخر هو الشيخ عبد المتعال الصعيدي. يشقشق كعادته، فيكتب مقالًا في مجلة (الرسالة) عام 1367 هـ يفتتحه بقوله (نعم
…
نملك تحريم تعدد الزوجات) ويشبه تحريم التعدد بتحريم زرع القطن في كثر من ثلث الأرض، إذا أمر الولي بذلك. ويأتي لذلك بتعليلات لا تزيدنا إلا عجبًا منه وإشفاقًا عليه.
وأخيرًا هذا الرجل من رجال القضاء والقانون وهو عبد العزيز فهمي، يتجرأ دون مراعاة لقانون التأويل- على كتاب الله. فيقول (3): (إن القرآن الكريم يحرم بتاتًا
(1) تفسير المنار جـ 4 ص 349.
(2)
المرأة بين البيت والمجتمع ص 59.
(3)
مجلة المجتمع الجديد.
تعدد الزوجات فقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] ليس المقصود منه إباحة أكثر من واحدة، بل قصد منه تحريم ذلك بتاتًا. وكل ما في الأمر أن صيغة التحريم وردت على عادة القرآن في الاستدراج والتلطيف. فالآية واضحة لكل متذوق أنها هزء وسخرية، ممن يريد تعدد الزوجات، لأن المولى سبحانه وتعالى رد فيها بقوله:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129]. و (لن) كما يقرر النحاة، هي أشد أدوات النفي للمستقبل إذ تنفيه نفيًا باتًا. فالقرآن يسجل بصريح العبارة، أن الاستطاعة مستحيلة، أي أن العلة المتوهمة للتصريح بالتعدد لن تتحقق.
والمقرر عند الفقهاء من عقليين وحرفيين، أنه متى زالت العلة زال المعلول).
ثم عاد يؤيد دعواه هذه ببحث طويل عريض في مجلة (الثقافة)، يقول فيه:"إن""ما" في قوله تعالى: {مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ، من أقوى ما يكون في إفادة العموم، وهي نكرة بمعنى (أي شيء) أي أية امرأة أو مجموعة من النساء -أي لا مفهوم للتحديد بأربع- وإن القرآن استعمل (طاب) ولم يستعمل كلمة (حل). لأن الطائب قد يكون حلالًا وقد يكون حرامًا .. وإن القول بدلالة الآية على حكم تحديد التعدد بأربع، يؤول بنا إلى نتيجة منكرة .. ذلك أن مثنى وثلاث ورباع معناها اثنان اثنان وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة. أي أن الرجل يأتي لامرأتين فيتزوجهما. ثم إلى ثلاثة. فيتهم الفقهاء بأنهم سايروا واقع التعدد الذي فشا بعد الصدر الأول، من أجل الجنود في الحرب، فاضطروا أن يوجدوا لها سندًا من القرآن.
وهذا كلام ظاهر البطلان، واضح التجني، وهو وإن كان لا يحتاج إلى رد وتفنيد، فإنه لا بد من إيراد بعض الملحوظات عليه:
1 -
يزعم الكاتب أن الآية الكريمة لا يفهم منها إباحة التعدد، وإنما على العكس من ذلك تشير إلى التحريم، ولقد جاءت بأسلوب السخرية من التعدد. وهذا منطق أقل ما يقال فيه، إنه يستدعي السخرية والاستنكار. فالنص