الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب - فتق القمر عنها.
هذا هو تأويل الأستاذ للستة أيام، وهو تأويل كما نراه، فضلًا على ما فيه من تكلف وبعد، ومخالفة للمألوف، فإنه مع ذلك إنما يقوم على أمور ظنية، لم تصل إلى درجة الحقيقة حتى الآن. ونحن نكتفي بما أخبرنا به الله، من أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، دون أن نجزم برأي في معنى هذه الأيام. ومقاديرها، كما نؤمن بما جاء في التنزيل بأن السماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقهما الله، دون تزيد في أمور تدور ما بين الوهم والشك، ولعلها لا تصل إلى درجة الظن.
ب - كلامه عن آيات النجوم والكواكب والضياء والنور:
1 - تفسيره للمصباح:
عند تفسيره لقوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 35] يرى الأستاذ أن المصباح ليس ما تعارف عليه الناس، وإنما هو شيء آخر. وأن قوله تعالى {نُورٌ عَلَى نُورٍ} ، ليس المقصود به مضاعفة هذا النور كما يرشد إليه سياق الآية.
ومن المفيد أن أنقل بعض عباراته في تفسير هذه الآية، يقول: (ومثل هذا اللمعان والتلألؤ الذي يصف تعالى به سطح الزجاجة الداخلي، يشاهده الناس في الأحجار الكريمة الشفافة الصافية كالماس واللؤلؤ، ذات الكثافة العليا نوعًا، إذ يرون في داخلها نقطًا عديدة تسطع وتلمع، كأنها مصادر ضوء قوي. وسبب ذلك أن الأشعة التي تصل إلى داخل الماس يتكرر انعكاسها كليًا، مرات متوالية في داخلها فيتراكم بعضها على بعض في نقط عديدة ثم تنبعث إلى الخارج، فترى كأنها
صادرة عن مصادر ضوئية ينشأ منها اللمعان. فيكون إذًا وصفه تعالى الضوء اللامع المتلالئ من سطوع ولمعان زجاج المصباح، يقول {نُورٌ عَلَى نُورٍ} ، إشارة إلى أن هذا اللمعان ينبعث من تراكم أضواء عديدة منعكسة انعكاسًا كليًا، أي أنوار فوق بعض تتجمع في نقط مختلفة، داخل الزجاج قبل انبعاثها إلى الخارج، وأنه تعالى يخاطب بهذه الإشارة أهل الخبرة بحال الضياء. ولما كان الزجاج في اللغة معناه كلّ حجر شفاف، فنرى أن صورة المصباح المقصود في هذه الآية الكريمة على حسب وصفه تعالى، إنما هي شعلة فتيل كاملة الاحتراق والإضاءة، موضوعة في فجوة داخل حجر شفاف سميك من الأحجار الثمينة الطبيعية، ذات الكثافة العالية كالماس أو اللؤلؤ. التي كان العرب يعرفونها ولا يعرفون سبب لمعانها. ولا يجوز فهمه على أنه مصباح كالقناديل المعروفة لدى الجمهور، والمصنوعة من الزجاج العادي، لأن مثل هذا الزجاج لا تسمح كثقافته ولا سمكه، بحدوث ظاهرة اللمعان والسطوع المقصود في الآية) (1).
وأعتقد أنه لا داعي لمثل هذا البعد في التأويل، وأن الآية واضحة الأهداف ظاهرة المقصد، فالمصباح هو المصباح الذي يعرفه الناس، والمثل الذي جاءت به الآية مثل من واقع الناس، وإن قوله {نُورٌ عَلَى نُورٍ} تبعًا لهذا، إنما يقصد به مضاعفة هذا النور وقوة إشعاعاته.
وانطلاقًا من تفسير الضياء والنور وما بينهما من فارق، يقول الأستاذ حنفي:(إن الله تعالى أطلق على رسالته الضياء تارة والنور تارة أخرى. فالحالة الأولى (الضياء) هي الضوء الحسي الذاتي قبل وقوعه على الأجسام المظلمة وانعكاسه منها - قبل تبليغها للناس - والحالة الثانية (النور) وهي الضوء الحسي الذي ينعكس من الأجسام المظلمة بذاتها، بعد وقوعه عليها - بعد تبليغها للناس -.
وهذا تكلف في التأويل لا أخال سياق الآيات يساعده. وما دام التعبير بالضياء
(1) المرجع السابق ص 148.