الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخبطها، ولكن لم يحالفه التوفيق في توفيقه. ورحم الله أستاذنا الدكتور حمودة غرابة، الذي بين مواضع الخطأ في تلك العملية، ودعا الله أن يغفر لابن سينا الذي أنكر النعيم الجسماني. وها هم الذين تأثروا بالفكر الغربي الحديث، يحاولون المحاولة القديمة نفسها، فكان لزامًا أن تعرض العقيدة القرآنية عرضًا جديدًا، وأن تبين خصائصها بعيدًا عن ركام الفلسفات ومعطيات الفكر الغربي. وهذا يقتضي جدة في العرض والمنهج معًا. ومن أهم هذه الخصائص للعقيدة أنها:
خصائص العقيدة:
1 -
ربانية، فهي تختلف عن عقائد البشر جميعًا، لأنها من وضع الإنسان.
وربانية العقيدة ترتفع بها عن مجال الشك ومواطن الشبهة.
2 -
وهي كذلك عالمية لم تأت لشعب دون شعب ولا لأمة خاصة: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158].
3 -
وهناك خصائص أخرى تنبثق عن هاتين كالثبات. إذ أن هذه العقيدة لا تتطور. بل الذي يتطور هو حياة الناس في ظل تلك العقيدة. وهي تتسع لذلك كله ولا تنثلم ولا تنخرم قاعدة من قواعدها.
4 -
والشمول فهي لم تهمل شيئًا من علاقات الإنسان بخالقه، أو بالكون الذي يعيش فيه، كما أنها لم تهمل أصلًا من أصول الخير التي تربط الإنسان بالماضي السحيق أو المستقبل الآتي.
5 -
ومن خصائص هذه العقيدة كذلك الواقعية فهي لم تكلف العقل البشري ما لا يطيق تصوره، ويستطيع إدراكه، وهي تبتعد به عن مجال الخيال وميادين الخرافة.
6 -
ومن خصائصها الإيجابية: فالله هو الخالق الرازق المدبر لأمر هذا الكون، وإليه يرجع الأمر كله، وليس كما تصوره أرسطو ومن على شاكلته من أنه
صدر عنه هذا العالم صدور المعلول من علته، ثم ترك هذا العالم وشأنه.
ومن هنا انعكست تلك الإيجابية في العقيدة على المسلم، فلا يكون سلبيًا في حياته كلها.
7 -
ومن أهم خصائص تلك العقيدة التوازن. فلم تكن النظرة للإنسان على أنه جسم ترابي أو روح علوي. ولم تخاطب عواطفه وحدها أو عقله فحسب، بل عدته وحدة لا ينبغي أن يطغى فيها عنصر على عنصر، فكانت فريدة في ذلك التوازن. كما أنها وازنت في اعتقاد الإنسان بين مشيئة الله المطلقة وبين ثبات السنن الكونية من جهة، ومشيئة العبد المقيدة من جهة أخرى، إلى غير ذلك من التوازن الدقيق الذي تنفرد به هذه العقيدة.
وبعد، فتلك هي أهم مميزات الاتجاه العقدي في التفسير. وقد رأينا أن العقيدة الإسلامية في نصها وروحها وفي توجيهاتها ومقرراتها، وفي مقدمتها ونتائجها، إنما هدفت في ذلك كله إلى سعادة الإنسان في دنياه وآخرته، وإلى إشعاره بعبوديته لله، وسيادته على هذا الكون، والبعد بالإنسان عن الخرافات والخزعبلات وتلك أهداف لا ريب واسعة، ممتدة الأطراف متعددة الجوانب ومن ثم فهي تستاهل وتستوجب مزيدًا من البحث والتقدير.