الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما بيَّن لهم ألفاظه، فقوله تعالى. {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] يتناول هذا وهذا. وقد قال أبو عبد الرحمن السُّلمي حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا .. وذلك أن الله تعالى قال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء: 89]، وقال:{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [لمؤمنون: 68] وتدبُّرُ الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن. وكذلك قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2] وعقل الكلام متضمن لفهمه، ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك. وأيضًا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابًا في فنّ من العلم، كالطب والحساب، ولا يستشرحوه، فكيف بكلام الله تعالى الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم، وقيام دينهم ودنياهم؟ ! ! [مقدمة أصول التفسير ص 18 - 21].
مناقشة السيوطي والذهبي:
وبعد أن اطلعت على ما قاله شيخ الإسلام في مقدمته أراك تلحظ أن كلامه قد حمّل ما لا يحتمل، وفسّر على وجه يصعب تقبله، مع أنّ له محملًا ظاهرًا واضحًا، وهو أن ابن تيمية رحمه الله يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن لأصحابه من القرآن كل ما يحتاج إلى بيان. وهذا المعنى هو المتبادر من عبارته:"بيّن لهم معاني القرآن كما بيّن لهم ألفاظه". وليس المراد قطعًا أنه عليه الصلاة والسلام بيّن لهم معنى كل آية وكل كلمة، كيف وهم أهل اللسان؟ ! ولذلك لم نجد في كلام ابن تيمية ما أشار إليه السيوطي بقوله:"وقد صرح ابن تيمية فيما تقدم وغيره بأن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن للصحابة تفسير جميع القرآن أو غالبه"، ولا ما أشار إليه الذهبي بقوله: "فمن العلماء من ذهب إلى القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه كل معاني القرآن كما بيَّن
لهم ألفاظه، وعلى رأس هؤلاء ابن تيمية".
فابن تيمية رحمه الله لم يقل هذا، ولا في كلامه المنقول آنفًا ما يدل على هذا. وكل الذي يدل عليه أن آيات القرآن الكريم كانت مفهومة تمامًا للصحابة رضوان الله عليهم، إما ابتداءً لأن الكلام بلغتهم، وهذا هو الغالب، وإما بعد بيان منه صلى الله عليه وسلم، وهذا هو القليل النادر.
وأكبر دليل على أن هذا هو مراد ابن تيمية من كلامه ما ذكره في موضع آخر من مقدمته حين قال: (فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فُسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر.
فإن أعياك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي:(كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن .. وحينئذ إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعت في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوه من القرآن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، لا سيما علماؤهم، وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين المهديين، وعبد الله بن مسعود)(1).
فكلام ابن تيمية صريح في أنّنا إذا لم نجد تفسير القرآن الكريم في السنّة النبوية فلنبحث عما قاله الصحابة في تفسير القرآن، بل التابعون رضي الله عنهم جميعًا بل إن الأدلة التي يمكن أن يستند إليها من يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كله، إن وجد هذا القائل -ولا إخاله كذلك- أقول إن الأدلة التي يمكن أن يُركن اليها، لا تثبت هذه الدعوى، فمنها قول الله تبارك وتعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فإن المفهوم من هذه الآية الكريمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم يبين لهم ما
(1) مقدمة في أصول التفسير ص 93 - 95.