الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
افتراءات أبي زيد الدمنهوري:
ومن بعد هذا وذاك، جاء أبو زيد الدمنهوري، في كتابه (الهداية والعرفان)، -وما هو بالهداية ولا بالعرفان- ليؤول معجزات الأنبياء تأويلًا بعيدًا عن اللغة وصحيح المأثور، وسليم المنطق. فمعجزات عيسى عليه السلام يؤولها بأنها كانت ليس كما يفهمها الناس، وإنما المقصود بها أمور عقلية روحية. وهو ينحرف بقول الله تعالى:{أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [آل عمران: 49] عن معناه فيقول: {كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} يفيدك التمثيل لإخراج الناس من ثقل الجهالة وظلماتها إلى خفة العلم ونوره، (الأكمه) من ليس عنده نظر (الأبرص) المتلون بلون الفطرة. {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} أعلمكم التدبير المنزلي (1). والأعجب من هذا أنه لا يكتفي بإنكار معجزات الأنبياء عليهم السلام، بل ينكر معجزات الرسول عليه وآله الصلاة والسلام كالإسراء والمعراج (2).
ثم جاء من بعد هؤلاء جميعًا محمد أحمد خلف الله، في كتابه (الفن القصصي في القرآن) مدعيًا أن في القرآن أساطير، وأن القصص القرآني لا ينبغي أن نفهمه على أنه حقائق ثابتة، قصد القرآن إلى تقريرها، وإنما هي أنماط من الخيال الخصب والفن المدبج، لما تعارف عليه الناس في عصر نزول القرآن، أو جاءت تحكي ما عرفه السابقون.
وهذا عن أخطر ما قيل وما يمكن أن يقال عن هذا القرآن الذي نزل بالحق وقص
(1) التفسير والمفسرون (اللون الإلحادي).
(2)
ليس هو وحده الذي أنكر هذه المعجزة، وأوّلَ ما جاء في القرآن في شأنها تأويلًا فاسدًا. بل رأينا غير واحد يذهب هذا المذهب، كصاحب رسالة الفتح، وكالشيخ محمد التونسي، الذي أخرج من الأردن -في آخر الستّينيّات- حينما ثار عليه العلماء. وهذا يجعلنا نجزم بأن وراء هؤلاء جميعًا اليهودية العالمية، التي خططت للحيلولة بين المسلمين وبين الأقصى عسكريًا وسياسيًا، ولا زالت تخطط لتقضي على كل الصلات والروابط بين المسلمين وبين أولى القبلتين وثالث الحرمين. ولكنها وإن نجحت بادي بدء، فإنها لا بد مخفقة في استمرار هذا النجاح إن شاء الله.
أنباءه بالحق. وهذه الرسالة، التي ثار عليها العلماء وَرُدَّت أكثر من مرة، ولكنها ظهرت إلى الوجود بعد ذلك، لا يكاد يخلو موضوع من موضوعاتها من سقطات وانحرافات وقد استُفْتَى علماء الأزهر بشأن مؤلف هذه الرسالة، والمشرف عليها المقر بما جاء فيها فأفتوا بتكفيرهما، وأهم ما جاء في ذلك الاستفتاء ما يلي (1):
1 -
إن الحرية الفنية تقتضي عدم التقيد بالصدق العقلي، ولا بتصوير الحقائق تصويرًا صادقًا، بل قد يتقول القرآن ما لم يحصل ولن يحصل.
2 -
إن تاريخ الأنبياء الوارد في القرآن، لا ينبغي أن يؤخذ على أنه حقائق.
3 -
إن القصص القرآني قد يكون لتصوير واقع نفسي لا لحوادث حصلت، وأنه حرب أعصاب، لا أقل ولا أكثر.
4 -
إن القرآن يشتمل على الأساطير، وما فيها من حوادث ملفقة أو مكذوبة.
5 -
إنّ مصادر القصص القرآني هي كتب الأديان الأخرى، والحكايات الشعبية والأفراد العاديين من الناس، والخلط والمزج بين عناصر القصص الشائعة في عدة أمم.
ولقد رد عليه الأستاذ أكبر الشيخ محمود شلتوت رحمه الله، في الكتاب الذي وجهه إليه وزير المعارف (التربية والتعليم).
هؤلاء نفر ممن يعلنون إسلامهم، أرادوا أن ينالوا من القرآن في أسلوبه وقصصه ومعجزاته، ولكن ما هدفوا إليه ذهب أدراج الرياح هباء، ويقيت قدسية القرآن في أسلوبه وأنبائه وقصصه.
وإذا تركنا هؤلاء إلى غيرهم، وجدنا فئة أخرى، أرادت أن تنال من القرآن في نظمه وتشريعاته وأحكامه، وهؤلاء ليسوا أقل تأثرًا ممن سبقهم بالمستشرقين
(1) فصول ممتعة ص 58.