الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو خلاف قول الجمهور فقد صحّ في الحديث الشريف خلافه.
19 -
الاختلاف العقدي: مثاله قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} [الانفطار: 13: 16] أشار الكاتب إلى استدلال المعتزلة بالآية على خلود العصاة من أهل الكبائر في النار وردَّ ذلك.
20 -
اختلاف المفسّرين في مفهوم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: فقد اختلف أهل الفرق في هذا فمنهم من يرى أن الأنبياء معصومون من وقت مولدهم، والثاني من وقت بلوغهم بحيث لا يجوز عليهم ارتكاب الكفر والكبائر قبل النبوة، ومنهم من يرى أن العصمة بعد النبوة، وهم أهل السنة، ومثّل الكاتب بقوله تعالى:{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس: 1 - 2] وقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7] وبعد أن ذكر أقوال المفسّرين انتصر لقول أهل السنّة.
وأقول: سامح الله الكاتب فليس في هذا خلاف معتبر بين المفسّرين على اختلاف مذاهبهم.
*
ملحوظات على ما ذكروه من أسباب الاختلاف:
وهذه الأسباب التي ذكروها لنا عليها أكثر من ملحظ بالاضافة إلى ما ذكرناه من قبل:
أولًا: ما فيها من تداخل، فهناك عدة أسباب ترجع إلى اللغة، أو إلى الاختلاف العقدي، فالاختلاف في مفهوم عصمة الأنبياء مثلًا ناشئ عن خلاف عقدي، وكذلك الاختلاف في الاستثناء وعود الضمير يرجعان إلى المعنى.
ثانيًا: قولهم إنّ الاختلاف في التفسير ناشئ عن الاختلاف في الإعراب وهذا كلام غير مقبول فإنّ من المسلّمات عند العلماء أن الإعراب فرع المعنى، فالمعنى
هو الأساس والأصل، والحركات الإعرابية دوالٌّ على المعاني، فهي تعبر عن المعنى المقبول في الآية، لكن لا يجوز أن نقول إن الاختلاف في التفسير ناشئ عن الاختلاف في الإعراب، فالصحيح أنّ اختلاف المعنى نشأ عنه اختلاف الإعراب، لا أنّ اختلاف الإعراب نشأ عنه اختلافُ المعنى، ومن ثمّ اختلاف التفسير وإليكم هذه الأمثلة:
1 -
قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة: 102].
للمفسّرين أكثر من رأي في فهم الآية الكريمة: ذهب كثيرون إلى أنّ هناك ملكين نزلا إلى الأرض يعلّمان الناس السحر ونسجوا حول هذا الموضوع قصصًا عجيبة. وذهب المحققون إلى أنّ هذا من الإسرائيليات التي ينبغي أن ننزه القرآن عنها وقالوا: ليس هناك ملكان نزلا. وقد فُصّل هذا في موضعه.
ونتج عن هذا الاختلاف في فهم المعنى اختلاف في الإعراب، فعلى الرأي الأوّل تكون (ما) اسمًا موصولًا والمعنى: يعلّمون الناس السحر والذي أُنزل على الملكين. وعلى الرأي الثاني تكون (ما) نافية والمعنى: ولمْ ينزلْ على الملكين شيءٌ.
فقد رأيَنْا إذَنْ أنّ اختلاف الإعراب نشأ عن اختلاف المعنى وليس العكس.
2 -
قال تعالى: {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس: 35].
اختلفوا في معني قوله: وما عملته أيديهم. فقال بعضهم: إنّ المعنى: ليأكلوا من ثمر هذا الشجر وليأكلوا مما عملته أيديهم من أنواع الطعام الذي منّ الله به عليهم، وعلى هذا المعنى تكون (ما) اسمًا موصولًا. وقال آخرون - وهو الذي يتفق مع سياق الآيات الكريمات - إنّ المعنى: ليأكلوا من ثمره وهذا
الثمر منّة من الله ونعمة لم تعمله أيديهم ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] على هذا المعنى تكون (ما) نافيةً.
3 -
قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22].
يظنّ كثير من الناس أنّ المعنى: جاء ربُّك وجاءَ الملكُ صفوفًا صفوفًا.
وبناءً عليه تكون الواو الثانية في قوله (والملك) عاطفةً.
ولكن التحقيق الذي لا معدل عنه: أنّ المعنى: جاء ربك والملكُ مصطفّون صفوفًا صفوفًا، وبناءً عليه تكون الواو الثانية في قوله (والملك) حالية.
4 -
قال تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 1: 4].
اختلف المفسّرون في المراد من قوله تعالى: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} قال بعضهم: المعنى أقسم بهذا البلد وبوالد وما ولد وأنت مستحَلٌّ به، أيْ إنهم استحلّوا حرمتك وآذوك في هذا البلد الحرام، وعلى هذا المعنى تكون جملة (وأنت حل بهذا البلد) معترضةً بين القسمين: أعني القسم بالبلد الحرام والقسم بوالد وما ولد.
وقال آخرون: معنى قوله {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} أي: وأنت مقيمٌ بهذا البلد. وعليه يكون القسم بهذا البلد حال إقامتك فيه.
وقال غيرهم: جملة (وأنت حلّ بهذا البلد) هي وعدٌ من الله لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ الله سيمنّ عليه بعد هجرته بفتح مكة فتصير حلالًا له. وهذا من قبيل الإعجاز القرآني في الإخبار بالمغيبات. ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله حرّم مكة، وإنما أحلّت لي ساعة من نهار". وعلى هذين المعنيَيْن الثاني والثالث تكون جملة "وأنت حلّ بهذا البلد" حالية.
وأكتفي بهذه الأمثلة لبيان أن الإعراب فرع المعنى وليس المعنى فرع الإعراب كما يُفهم من عبارة كثير من الكاتبين.