الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد:
جهود الكاتبين في هذا المضمار التفسير والمفسرون للدكتور محمد حسين الذهبي
يقع هذا الكتاب في ثلاثة أجزاء. بدأه المؤلف ببيان معنى التفسير والتأويل، والفرق بينهما، وتحدث عن تفسير القرآن بغير لغته أو ما يسمى بالترجمة التفسيرية للقرآن، والترجمة الحرفية.
وانتقل للحديث عن نشأة التفسير في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، وهو يرى أن الإسرائيليات كانت مصدرًا من مصادر التفسير في عصر الصحابة والتابعين، وأن ابن عباس كغيره من الصحابة الذين اشتهروا بالتفسير كانوا يرجعون إلى أهل الكتاب ويأخذون عنهم ولكن كان ذلك في دائرة محدودة ضيقة تتفق مع القرآن وتشهد له، ويرد على جولد زيهر وأحمد أمين اللذين يدعيان أن الصحابة ومنهم ابن عباس كانوا يتوسعون في الأخذ عن أهل الكتاب (1).
ثم يتحدث عن المرحلة التالية وهي مرحلة التدوين وهذه تبدأ من أواخر عهد بني أمية، وأول عهد العباسيين إلى يومنا هذا، وتدرج التفسير خلالها كثيرًا، واتجهت الكتب المؤلفة فيها اتجاهات متنوعة، أما في العصر الحاضر فقد غلب اللون الأدبي الاجتماعي على التفسير، ووجدت بعض محاولات علمية في كثير منها تكلف ظاهر وغلو كثير.
ويتحدث الكاتب عن التفسير بالمأثور ويعني به تفسير القرآن بالقرآن وبما نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم وما نقل عن الصحابة رضوان الله عليهم وما نقل عن التابعين، ويحدثنا عن تدرج التفسير بالمأثور وأسباب الضعف فيه، فمنها كثرة الوضع في
(1) وسنناقش الأستاذ رحمه الله في هذه القضية فيما بعد إن شاء الله.
التفسير، وهو يرى أن التفسير الموضوع لا يخلو من قيمة علمية لأنه مهما كثر الوضع في التفسير فإن الوضع ينصب على الرواية نفسها.
أما التفسير في حد ذاته فليس دائما أمرًا خياليًا بعيدًا عن الآية، وإنما هو في كثير من الأحيان نتيجة اجتهاد علمي له قيمته (1). وهذا قول فيه ما فيه.
ومن أسباب الضعف: الإسرائيليات وحذف الأسانيد: ويرى أن دخولها في التفسير أمر يرجع إلى عهد الصحابة، ويستدل لذلك بأخذ ابن عباس عن أبي الجلد، ولكنه يرى أن أخذ ابن عباس عن أبي الجلد لم يكن كثيرا، كما لم يكن في كل الموضوعات كذلك، بل كان في أمور غير جوهرية، وذلك لأنّ ابن عباس رضي الله عنهما كان يشدد النكير على من يكثر النقل من الإسرائيليات.
ويتحدث عن أشهر ما دون من كتب التفسير بالمأثور جامع البيان في تفسير القرآن للطبري، وبحر العلوم للسمرقندي، والكشف والبيان عن تفسير القرآن لأبي إسحاق الثعلبي، ومعالم التنزيل لأبي محمد الحسن البغوي، والمحرر الوجيز لابن عطية، وتفسير القرآن لابن كثير، والجواهر الحسان للثعالبي، والدر المنثور للسيوطي.
بعد ذلك يتحدث عن التفسير بالرأي، وما يتعلق به من مباحث ويعرض بإيجاز أهم كتب التفسير بالرأي الجائز والتي منها مفاتيح الغيب للرازي وأنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي، ومدارك التنزيل للنسفي، والبحر المحيط لأبي حيان وتفسير أبي السعود، وروح المعاني للآلوسي وغيرها، حيث يعرف في كل منها بالمؤلف، ثم بالتفسير وطريقة مؤلفه فيه.
وينتقل للحديث عن التفسير بالرأي المذموم، أو تفسير الفرق المبتدعة، فيتحدث عن كثير من الفرق بالتفصيل ومن هذه الفرق -كما يرى- المعتزلة، حيث كان لهم موقفهم الخاص من تفسير القرآن الكريم، فقد أقاموا تفسيرهم على
(1) التفسير والمفسرون ص 164.
أصولهم الخمسة كما أقاموا مذهبهم عليها، ويقول الشيخ إنهم ينكرون الأحاديث الصحيحة إذا عارضت آراءهم، ويتصرفون في القراءات المتواترة التي تخالف مذهبهم ومن ذلك مثلًا قوله. {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} فالقراءة الصحيحة عندهم (كلم اللهَ موسى)(1) ويذكر أهم كتب المعتزلة، ومنها تنزيه القرآن عن المطاعن للقاضي عبد الجبار وأمالي الشريف المرتضى، والكشاف للزمخشري.
ويتحدث عن موقف الشيعة من تفسير القرآن الكريم، وهم -كما نعرف- انقسموا إلى أكثر من حزب، كل حزب منهم ذهب في التفسير حسب أهوائه وآرائه، والكاتب يقصر بحثه على طائفتين هما الإمامية الاثنا عشرية، والزيدية، حيث يبين موقف كل طائفة من تفسير القرآن الكريم.
أما الإمامية، فإننا نجدهم يلقون على الأئمة نوعًا من التقديس، والتعظيم، إذ الأئمة هم أركان الأرض أن تميد بأهلها، وحجة الله البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى، ولذا فهم يعتقدون أن الإمام له صلة روحية بالله تعالى، وهم متأثرون كذلك بالمعتزلة في آرائهم، وهم لا يرون أن للقرآن ظهرًا وبطنًا فحسب، بل له سبعة وسبعين بطنًا كذلك .. إن الإمامية يجوزون أن يكون للآية الواحدة أكثر من تفسير واحد، مع التناقض والاختلاف بين هذه التفاسير (2) وها هم وقد أحسوا بخطر موقفهم وتحرجه، فقرروا بعض المبادئ، وأوجبوا على الناس الاعتقاد بها ومن هذه أن الإمام مفوض من قبل الله في تفسير القرآن الكريم وأنه مفوض في سياسة الأمة، والتقية.
(1) سامح الله الشيخ، لقد بالغ في هذه القضية، ولا نستطيع أن نقول إن هذا رأي المعتزلة، فها هو شيخ المعتزلة الزمخشري في تفسير الكشاف لا يذكر شيئًا من هذا، حتى إن ابن المنير الذي يتتبع الزمخشري في كل شاردة وواردة، وصغيرة وكبيرة يقول عند تفسير هذه الآية (وصدق الزمخشري وأنصف -إنه لمن بدع التفاسير التي ينبو عنها الفهم ولا يبين بها إلا الوهم [1/ 591].
ورحم الله شيخنا الذهبي رحمة واسعة، وأكرمه بنزل الشهداء، فما كنا نودّ أن يصدر عنه مثل هذا.
(2)
وهذا كسابقه لا نستطيع أن نعممه عليهم جميعًا، وسيظهر لنا هذا فيما بعد.
وقد كان للإمامية موقفهم من الأحاديث النبوية التي تخالف آراءهم، وكان بدهيًا أن يتخلص القوم من كل هذه الروايات إما بطريق ردها، وإما بطريق تأويلها والرد عندهم سهل ميسور.
ومن أهم تفاسيرهم التي عرض لها الشيخ مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار لمولى عبد اللطيف الكازراني، وتفسير الحسن بن علي الهادي العسكري. ومجمع البيان للطبرسي، وتفسير القرآن للسيد عبد الله العلوي وغيرها من التفاسير، وقد أطال الشيخ كثيرًا وهو يتحدث عن تفاسير الشيعة، حيث يذكر في كل تفسير ما ذكر في غيره، وكان يمكن أن يكتفي بما ذكره في تفسير واحد ويحيل عليها.
ويتحدث عن الإسماعيلية (الباطنية) ويقول إنهم من الشيعة الإمامية التي تنسب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، ويلقبون بالباطنية أيضًا لقولهم بباطن القرآن دون ظاهره، أو لقولهم بالإمام الباطن المستور، وهذه الطائفة لا يمكن أن تكون داخلة في عداد طوائف المسلمين. وإنما هي في الأصل جماعة من المجوس رأوا شوكة الإسلام قوية لا تقهر وأبصروا عزة الإسلام، فرأوا أنهم لن يستطيعوا التخلص منه إلا عن طريق الاحتيال الذي يوصلهم إلى مآربهم (1).
أما الفرقة الثانية التي تحدث عنها فهي الزيدية، وهذه الفرقة أقرب فرق الشيعة إلى مذهب أهل السنة، ولم يصلنا من كتبهم إلا فتح القدير للشوكاني (2)، والثمرات اليانعة لشمس الدين يوسف بن أحمد، ويتساءل الكاتب هل هذا هو كل ما أنتجته هذه الطائفة، أو أن هناك كتبًا أخرى درست، أو لم يكتب لها الذيوع والانتشار؟
ويرجح أن تكون هناك كتب كثيرة في التفسير لهذه الطائفة، منها ما درس ومنها ما بقي إلى اليوم مطمورًا في بعض المكتبات الخاصة، إذ ليس من المعقول أن
(1) فليسوا -إذن- من الشيعة الإمامية رحم الله الشيخ الذهبي.
(2)
إن عدّ تفسير فتح القدير من تفاسير الشيعة الزيدية مسألة فيها نظر، لأن الشوكاني رحمه الله خالف الزيدية في كثير من القضايا.
لا يكون لطائفة إسلامية قامت من قديم الزمان، وبقيت محتفظة بتعاليمها ومقوماتها إلى يومنا هذا إلا كتابٌ أو كتابان، وقد أخذ يبحث عن كتبهم -كما يقول عن نفسه- فوجد في الفهرست لابن النديم أن لمقاتل بن سليمان -وعدّه من الزيدية- كتاب التفسير الكبير، وكتاب نوادر التفسير، ووجد أن صاحب كتاب شرح الأزهار وهو من كتب الزيدية يذكر تفسيرات عديدة للزيدية منها تفسير غريب القرآن للإمام زيد بن علي. ويختم حديثه عن الزيدية، بعرض كتاب فتح القدير للشوكاني.
ويتحدث الكاتب عن فرقة الخوارج التي ظهرت بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد افترقوا فرقًا: منها الأزارقة، والنجدات، والصفرية والإباضية، ويتحدث عن موقف الخوارج من التفسير، فهم عندما ينظرون إلى القرآن لا يتعمقون في التأويل ولا يغوصون وراء المعاني الحقيقية، ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن أهداف القرآن وأسراره -كما يقول الشيخ- بل يقفون عند حرفية ألفاظه، وينظرون إلى الآيات نظرة سطحيّة، وربما كانت الآية لا تنطبق على ما يقصدون إليه ولا تتصل بالموضوع الذي يستدلون بها عليه، لأنهم فهموا ظاهرًا معطلًا، وأخذوا بفهم غير مراد.
أما من حيث الإنتاج التفسيري للخوارج فهو قليل بالنسبة لفرق المعتزلة، والشيعة ومن الكتب الموجودة: داعي العمل ليوم الأجل، وهميان الزاد إلى دار المعاد، وتيسير التفسير لمحمد اطفيش، وكتب الخوارج الموجودة اليوم كلها للإباضية، ولعل السر في ذلك أن جميع فرق الخوارج ما عدا الإباضية بادت ولم يبق لها أثر، أما الإباضية فموجودون إلى يومنا هذا، ومذهبهم منتشر في بلاد المغرب وحضرموت، وعمان، وزنجبار، ويذكر الشيخ الذهبي بعض الأسباب التي جعلت إنتاج الخوارج في التفسير قليلًا، ومن هذه الأسباب أن الخوارج كان أكثرهم من البادية ولغلبة البداوة عليهم كانوا أبعد الناس عن التطور الديني والعلمي والاجتماعي وكانوا يمثلون الإسلام الأول في بساطته وعلى فطرته، والثاني أنهم
شغلوا بالحروب من مبدأ نشأتهم وكانت حروبًا قاسية طويلة ومتتابعة، والثالث أنهم مع ما هم عليه من شؤون -كانوا يخلصون لعقيدتهم ويتمسكون بإيمانهم إلى حد كبير، ويرون أن الكذب جريمة من أكبر الجرائم، فلعل هذا دعاهم إلى عدم الخوض في تفسير القرآن الكريم.
وينتقل الكاتب للحديث عن التفسير الصوفي، والإشاري ثم التفسير الفلسفي، حيث دخلت الترجمة إلى بلاد المسلمين في العصر العباسي، وترجمت الكتب إلى اللغة العربية من اللغات المختلفة ومن هذه الكتب كتب الفلسفة، وقد قرأ بعض المسلمين هذه الكتب الفلسفية، فراقت لبعض منهم، ولم ترق لآخرين، والذين راقت لهم حاولوا التوفيق بينها وبين الدين عن طريقتين:
الأولى: طريقة التأويل للنصوص الدينية والحقائق الشرعية بما يتفق مع الآراء الفلسفية أي. إخضاع تلك النصوص والحقائق إلى هذه الآراء حتى تسايرها وتتمشى معها.
والثانية: شرح النصوص الدينية والحقائق الشرعية بالآراء والنظريات الفلسفية ومعنى هذا أن تطغى الفلسفة على الدين وتتحكم في نصوصه وهذه الطريقة أخطر من الأولى وأكثر شرًّا منها على الدين.
ويأتي ببعض الشروح الفلسفية للقرآن، من مثل تفسير الفارابي، وتفسير إخوان الصفا وابن سينا الذي كان حريصًا كل الحرص على أن يوفق بين الدين والفلسفة والذي حكم النظريات الفلسفية في النصوص القرآنية فشرحها شرحًا فلسفيًا بحتًا، ومن تفسيره ما ذكره عند قوله تعالى {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} قال: هذه القوة التي توقع الوسوسة هي القوة المتخيلة بحسب صيرورتها مستعملة للنفس الحيوانية، ثم إن حركتها تكون بالعكس، فإن النفس وجهها إلى المبادئ المفارقة، فالقوة المتخيلة إذا جذبتها إلى الاشتغال بالمادة وعلائقها فتلك القوة تخنس أي تتحرك بالعكس وتجذب النفس الإنسانية إلى العكس، فلهذا سمي خناسًا.
وينتقل إلى الحديث عن تفسير الفقهاء فيتحدث عن نشأة هذا اللون من التفسير، ويذكر المؤلفات في التفسير الفقهي عند أهل السنة وغيرهم ويعرض لنا كتاب أحكام القرآن للجصاص الحنفي وأحكام القرآن للكيا الهراسي الشافعي، وأحكام ابن العربي المالكي، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، وفي فقه الشيعة يعرض كتاب كنز العرفان لمقداد السيوري.
ويتحدث عن الاتجاه العلمي في التفسير حيث يبدأ الحديث بتعريف التفسير العلمي، فهو التفسير الذي يحكم الاصطلاحات العلمية في عبارات القرآن ويجهد في استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها.
ويعرض آراء القائلين بهذا النوع ومنهم الغزالي والسيوطي والرازي، وآراء المنكرين وعلى رأسهم الشاطبي في كتابه الموافقات وهو يوافق الشاطبي في ما ذهب إليه لأنه لا يعقل من حيث اللغة أن تفسر ألفاظ القرآن بتلك المعاني التي حدثت بعد نزول القرآن بأجيال، في الوقت الذي نزلت هذه الألفاظ من عند الله، وتليت أول ما تليت على من كان حول النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا ذهبنا مذهب أرباب التفسير العلمي وقلنا إن القرآن متضمن لكل العلوم، وألفاظه محتملة لهذه المعاني المستحدثة، أوقعنا أنفسنا في ورطة لا خلاص لنا منها إلا بما يخدش بلاغة القرآن أو يذهب بفطانة العرب، فإذا قلنا إن العرب كانوا يجهلون هذه المعاني الجديدة فمعنى ذلك أن القرآن غير بليغ لأنه لم يراع حال المخاطب (1).
وفي خاتمة المطاف يعطي كلمة عامة عن التفسير وألوانه في العصر الحديث، فهو يرى أن الأوائل لم يتركوا للأواخر كبير جهد في تفسير كتاب الله، فقد وفوا التفسير حقه من الناحية اللغوية والبلاغية، والناحية الأدبية، والناحية النحوية والفقهية، والمذهيية، والكونية الفلسفية، ومن ثم كان عصر الركود والجمود، ثم
(1) رحم الله الشيخ الذهبي، فليس الأمر كما ذكر، وسيأتي لهذه القضية مزيد تفصيل إن شاء الله.
جاء العصر الحديث، وكانت معه النهضة العلمية الحديثة، فاتجهت أنظار العلماء للتخلص من نطاق الجمود، فتخلصوا من كثير من الاستطرادات العلمية ونقوا التفسير من الإسرائيليات، ومحصوا الأحاديث المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم وألبسوا التفسير ثوبًا أدبيا اجتماعيًا، ويجمل ألوان التفسير في العصر الحديث (1) بما يلي:
الأول: اللون العلمي.
الثاني: اللون المذهبي.
الثالث: اللون الإلحادي.
الرابع: اللون الأدبي الاجتماعي.
ويتحدث عن كل لون من هذه الألوان، كيف راجت في العصر الحاضر وعن الكتب التي تحدثت عن هذه الألوان.
ويعني باللون المذهبي تفاسير الفرق والمذاهب، كالزيدية والإمامية والإباضية، وهذه الفرق ما تزال موجودة في العصر الحاضر، ولذلك بقي اللون المذهبي لتفسير القرآن قائمًا في العصر الحديث بمقدار ما بقي قائمًا من المذاهب الإسلامية.
واللون الإلحادي يقصد به ما ورد من تفسيرات بعيدة عن كتاب الله تعالى، وقد ظهر من هؤلاء مَنْ حسب أن التجديد -ولو بتحريف كتاب الله- سبب لظهوره وشهرته فأخذ يثور على قدماء المفسرين ويرميهم جميعًا بالسفه والغفلة.
ومنهم من تلقى من العلم حظًّا يسيرًا لا يرقى به إلى مصاف العلماء، ولكنه اغتر بما لديه فحسب أنه بلغ مبلغ الراسخين في العلم، ونسي أنه قل في علم اللغة نصيبه وخف في علم الشريعة وزنه، فراح ينظر في كتاب الله نظرة حرة لا تتقيد بأي
(1) لم يستوعب الشيخ الحديث عن التفسير في العصر الحديث، وكل ما ذكره شذرات قليلة ليس فيها كثير غناء.
أصل من أصول التفسير، ثم أخذ يهذي بأفهام فاسدة تتنافى مع ما قرره أئمة اللغة وأئمة الدين.
ومنهم من لم يرسم لنفسه نحلة دينية ولم يسر على عقيدة معروفة، ولكنه لعبت برأسه الغواية وتسلطت على قلبه وعقله أفكار وآراء من نحل مختلفة، فانطلق إلى القرآن وهو يحمل في قلبه ورأسه هذه الأمشاج من الآراء، فأخذ يؤوله بما يتفق معها، تأويلًا لا يقره العقل ولا يرضاه الدين.
ويعرض الشيخ الذهبي نماذج للتفسير الإلحادي، كتبها أصحابها، ولكنه لا يذكر أحدًا باسمه أو لقبه، لأنه ربما كان هذا سببًا للفتنة وباعثًا على العداوة، وبخاصة وقد كان كثيرون منهم أحياء زمن الشيخ الذهبي رحمه الله (1).
أما اللون الرابع فهو اللون الأدبي الاجتماعي ويعني بذلك أن التفسير لم يعد يظهر عليه في هذا العصر ذلك الطابع الجاف الذي يصرف الناس عن هداية القرآن، وإنما ظهر عليه طابع آخر وتلون بلون يكاد يكون جديدًا وطارئًا على التفسير، وذلك هو معالجة النصوص القرآنية معالجة تقوم أولًا وقبل كل شيء على إظهار مواضع الدقة في التعبير القرآنية، ثم بعد ذلك تصاغ المعاني التي يهدف القرآن إليها في أسلوب شيق أخاذ، ثم يطلق النص القرآني على ما في الكون من سنن الاجتماع ونظم العمران، ويتحدث تحت -هذا اللون- عن مدرسة الأستاذ الشيخ محمد عبده.
وبعد هذا العرض يجدر بنا أن نعرف أن هذا الكتاب هو أول كتاب عن تاريخ التفسير ومذاهب المفسرين في العصر الحديث، وهي رسالة قدمها الشيخ -يرحمه الله- لنيل درجة الأستاذية التي كانت تعرف بهذا الاسم، والطلاب الذين
(1) وقد أشرت إلى هذا في كتاب (قصص القرآن صدق حدث وسمو هدف) عند حديثي عن قصة أيوب عليه الصلاة والسلام.
يودون الحصول على هذه الدرجة، كان يسمى تخصصهم تخصص المادة، وهذا قبل أن يتأثر الأزهر بكلمتي ماجستير ودكتوراه، ولقد قدمها الشيخ في منتصف الأربعينيات، وكتبها الشيخ في أقل من سنتين، ومع أن هذا الكتاب كان مادة لكل من كتب في هذا الموضوع بعد الشيخ رحمه الله فأكلهم أفاد منه سواء الذين أشاروا إليه أم لم يشيروا فإن هناك أمورًا حريًّا بها أن تسجل منها:
أن الشيخ رحمه الله يحرص كثيرًا على أن يثبت أن للقرآن ظهرًا وبطنًا، فيذكر ذلك في أكثر من موضع من كتابه، مع أن الأحاديث في ذلك لا يعول عليها، ولقد قلت للشيخ رحمه الله وكان المشرف الأول على رسالتي (الدكتوراه) -إنني أخالفه في هذه القضية، وقد دللت على مخالفتي له، فقال - بكل رضًا وسرور- وهذه ميزة العالم الكريم- سأسرق هذه منك يا شيخ فضل عندما أطبع الكتاب مرة ثانية، ولكن ستكون سرقة شريفة، فرحم الله الشيخ الذهبي، وهكذا يعلمنا هؤلاء، الذوق والأدب مع العلم.
- ومنها أن الشيخ رحمه الله لم يتعمق كثيرًا في كثير مما تناوله، بل كان أسلوبه وصفيًا في كثير من الأحيان.
- ومنها أنه كان يحمل -ولا أود أن أقول يقسو- على بعض المخالفين كلما مر معنا في حديثه عن المعتزلة، لأن بعضهم رد القراءة المتواترة في قول الله {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} وكحديثه عن بعض أجلة علماء الأزهر في تفسيره لقصة أيوب عليه الصلاة والسلام، حيث رد عليه الشيخ الذهبي ردًّا قاسيًا.
- ومنها أنه كان يسهب كثيرًا في حديثه عن تفسيرات الفرق المتعددة.
- ومنها أن حديثه عن التفسير في العصر الحديث كان موجزًا مقتضبًا.