الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} فقد نقل الطبري أقوالًا متعددة في تفسير الكرسي بدأها بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من أن الكرسي هو العلم واستدلَّ له بشواهد من القرآن واللغة، وذكر أقوالًا أخرى منها أن الكرسيّ على حقيقته، ومنها أنَّه العرش أو موضع القدمين (1). ولستُ بصدد الترجيح بين هذه الأقوال إذ مثل هذا له مكان آخر، كما أنني لا أودّ أن أتوسّع في هذين النوعين من الخلاف إذ محلّهما كتب الفقه والعقائد.
الخلافات بين المفسرين: أهي في التفسير بالنقل أم في التفسير بالرأي
؟
قسمنا التفسير من قبل إلى تفسير بالنقل وتفسير بالرأي، ونتساءل هنا: أهذا الاختلاف بين المفسرين في التفسير بالنقل أم في التفسير بالرأي؟ والذي يبدو لنا أن جل الاختلاف إن لم يكن كله إنما هو في التفسير بالرأي، أما التفسير بالمنقول فلا نكاد نجد فيه خلافًا، وقد نجد تعددًا في كثير من الروايات، لكن عند إنعام النظر نجدها متحدة من حيث المعنى.
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله. "من الخلاف ما لا يعتدّ به وهو ضربان:
أحدهما: ما كان من الأقوال خطأ مخالفًا لمقطوع به في الشريعة، وقد تقدَّم التنبيه عليه.
والثاني: ما كان ظاهره الخلاف وليس في الحقيقة كذلك، وأكثر ما يقع ذلك في تفسير الكتاب والسنة، فتجد المفسّرين ينقلون عن السلف في معاني ألفاظ الكتاب أقوالًا مختلفة في الظاهر، فإذا اعتبرتها وجدتها تتلاقى على العبارة كالمعنى الواحد، والأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل فلا يصح نقل الخلاف فيها" (2).
(1) الطبري 3/ 7 - 8 طبعة بولاق 1324 هـ.
(2)
الموافقات 4/ 140.
ويقول شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر أن الاختلاف نوعان اختلاف تضادّ واختلاف تنوع "وهذا القسم الذي سميناه اختلاف تنوع كل واحد فيه من المختلفين مصيب فيه بلا تردد، ولكن الذم واقع على من بغى على الآخر فيه"(1).
ويقول محمَّد بن نصر المروزي رحمه الله: "وجهل قوم هذه المعاني فإذا لم توافق الكلمة الكلمة قالوا هذا اختلاف"(2).
ويقول الإمام الزركشي رحمه الله:
"يكثر في معنى الآية أقوالهم واختلافهم، ويحكيه المصنفون للتفسير بعبارات متباينة الألفاظ، ويظن من لا فهم عنده أن في ذلك اختلافًا فيحكيه أقوالًا، وليس كذلك، بل يكون كل واحد منهم ذكر معنى ظهر له من الآية، وإنما اقتصر عليه لأنه أظهر عند ذلك القائل، أو لكونه أليق بحال السائل، وقد يكون بعضهم يخبر عن الشيء بلازمه ونظيره، والآخر بمقصوده وثمرته، والكلّ يؤول إلى معنى واحد غالبًا، والمراد الجميع فليتفطن لذلك، ولا يفهم من اختلاف العبارات اختلاف المرادات كما قيل:
عباراتنا شتّى وحسنك واحد
…
وكلٌّ إلى ذاك الجمال يشير
. . . وكثيرًا ما يذكر المفسرون شيئًا في الآية على جهة التمثيل لما دخل في الآية فيظن بعض الناس أنَّه قصر الآية على ذلك" (3).
ولا أراني في حاجة إلى الإكثار من ذكر الأمثلة فهي قضية واضحة وما على القارئ الكريم إلا أن يرجع إلى تفسير ابن الجوزي "زاد المسير" إذا أرد المزيد.
(1) اقتصاء الصراط المستقيم 1/ 135.
(2)
السنة/ 7.
(3)
البرهان/ 2/ 159 - 160.