الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحت السادس رأينا في التفسير العلمي
ظهر لنا مما سبق أن هناك رأيين في التفسير العلمي يظهر تعارضهما:
أحدهما يقف منه موقف المنكر والمستنكر. والآخر يسهب فيه إلى حد التكلف، الذي يخرج بآيات القرآن عن مدلول ألفاظها. فالرأيان كما أعتقد فيهما إفراط وتفريط. والذي أختاره في هذا الموضوع أوجزه فيما يلي:
أ- إن التفسير العلمي ضرورة تتطلبها هذه الفترة الزمنية التي نعيشها، شريطة أن يتوفر لذلك ذوو الاختصاص.
ب - إن القول بأن التفسير العلمي فيه غض من قدر الصحابة رضوان الله عليهم لا إخاله متفقًا مع منطق الواقع ومسلمات العقل.
ج- إنَّ القرآن ليس ديوان شعر، كما أن سوره وآياته ليست قصائد وأبياتًا يقولها الشاعر في ظرف معين، وإنما القرآن كتاب الله ما دامت الإنسانية. وإذًا فلا بد من أن تكون فيه الجدة دائمًا، وهو الذي لا تنقضي عجائبه، ولذا فإن الله تبارك وتعالى، لا إله إلا هو يفتح لمن أراد أبوابًا في فهم هذا الكتاب.
من كلّ ما سبق فإن التفسير العلمي إذا تواهر له مناخه الصالح، واستجمع الشروط فلا مانع منه أبدًا، وهذه الشروط كما أرتئيها:
1 -
موافقة اللغة موافقة تامة بحيث يطابق المعنى المفسر المعنى اللغوي.
2 -
عدم مخالفة صحيح المأثور عن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام أو ماله حكم المرفوع.
3 -
موافقة سياق الآيات بحيث لا يكون التفسير نافرًا عن السياق.
4 -
التحذير من أن يتعرض التفسير العلمي لأخبار وشؤون المعجزات أو اليوم الآخر.
5 -
أن لا يكون التفسير حسب نظريات وهمية متداعية، بل لا بد أن يكون حسب الحقائق العلمية الثابتة.
ونحن نرى أن الخروج عن هذه الشروط، يعرض المفسر لخطر وخطل لا تحمد عقباهما. فمن مخالفة اللغة مثلًا، ما رأينا لبعضهم من تفسير الطير بالحجارة في قول الله تعالى:{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} [الفيل: 3] وتفسير (الغثاء الأحوى) بالفحم الحجري، ومن مخالفة صحيح المأثور ما رأيناه لبعضهم في تفسير قوله تعالى:{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، حيث فسروا الدخان في الآية بما يدل على نهاية الأرض. ومن مخالفة السياق ما رأيناه من تفسير بعضهم قول الله تعالى:{الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: 7 - 9]، بأنها إشارة إلى الكهرباء، وهي حديث عن الأشعة، وهذا رأي بعيد غير مقبول، لأن الآيات تتحدث عن يوم القيامة، وما أعد من عذاب للمجرمين. وأما تعرض التفسير العلمي لأخبار الغيب، فكما رأيناه لبعضهم من تفسير قوله تعالى:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} [السجدة: 5]، بأن ذا يقصد به ما بين نفختي الصور وأن المدة ألف سنة. وأما التفسير حسب النظريات المتداعية الواهية فكما نراه عند بعضهم من تفسير (الخلق) حسب نظرية دارون في التطور.
وهذا الذي ذهبت إليه قرره كثير من العلماء: علماء الدين، وعلماء الطبيعة. وأنقل هنا نصين اثنين، أحدهما لأحد علماء الأزهر وهو أستاذنا الشيخ محمد الصادق عرجون، والآخر للأستاذ محمد أحمد الغمراوي أستاذ الكيمياء بكلية الصيدلة سابقًا.
يقول فضيلة الأستاذ محمد الصادق عرجون: (فالبحث عن حقائق الموجودات سماوية أو أرضية، هو في نظر القرآن، مهمة الإنسان ما دام على ظهر هذه الأرض؛ لأنه وسيلة إلى استخلاص أكبر قسط من المنافع المادية والروحية، التي يحيا بها حياة طيبة، يغمره فيها الإيمان بجلال الخلاق العظيم .. إن الجانب الكوني
في آيات القرآن الحكيم - وهو جانب مهم جدًّا؛ لأنه عماد الدلائل الإلهية على وجود الله تعالى، وتوحيده وباهر قدرته وواسع علمه، ولطيف حكمته وسائر ما يجب له تعالى من الكمال - في حاجة ماسة إلى إعادة النظر فيه للتفسير والبيان بأسلوب علمي يبرز عن طريق ملاحظة الظواهر الكونية حجة الله على خلقه، ويكشف عما في الآيات من أسرار وحقائق ناط الله بها كثسرًا من منافعنا ومصالحنا في الدين والدنيا، وقد أشار إليها القرآن، وبدأ العلم يكشف عنها الحجب، ولكن على شرط أن نحذر، فلا نخضع القرآن لنظريات لا تزال في مهب التجارب، وقد تعصف بها فتصبح من قبيل الأساطير، فنقول إنها تفسير لآيات القرآن، كما صنع ذلك بعض المتحمسين، وبعض المخدوعين ببريق العلم التجريبي. والقرآن كتاب الله الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، فهو لا يخضع لأسلوب حديث ولا أسلوب قديم، وإنما تفسره الحقائق والبراهين، التي يحققها البحث العلمي المستند إلى الأصول الإسلامية وقضايا العقول المستقيمة) (1)
يقول الغمراوي:
(وقبل أن نورد الأمثلة الإيضاحية يجب أن نتنبه إلى أمرين الأول: أنَّه لا ينبغي في فهم الآيات الكونية من القرآن الكريم أن نعدل عن الحقيقة في المجاز إلا إذا قامت القرائن الواضحة تمنع من حقيقة اللفظ وتحمل على مجازه، إن مخالفة هذه القاعدة الأساسية الأصلية البسيطة قد أدى إلى كثير من الخطأ في التفسير وسنرى أن من أعجب العجائب أن المطابقة بين آياته وآيات الفطرة تكون أتم وأيسر كلما أخذنا بتلك القاعدة في فهم آيات القرآن. هذا واحد.
أما الأمر الثاني فهو أنه ينبغي ألا نفسر كونيات القرآن إلا باليقين الثابت من العلم لا بالفروض ولا بالنظريات التي لا تزال موضع فحص وتمحيص. إن الحقائق هي سبيل التفسير الحق وهي كلمات الله الكونية التي ينبغي أن يفسَّر بها نظائرها من
(1) القرآن العظيم هدايته وإعجازه ص 266 - 274.
كلمات الله القرآنية، أما الحدسيات والظنيات فهي عرضة للتصحيح والتعديل إن لم يكن للإبطال في كلّ وقت، فسبيلها أن تعرض على القرآن بالقاعدة السابقة ليتبين مبلغ قربها منه أو بعدها عنه وعلى مقدار ما يكون بينها وبينه من اقتراب يكون مقدار حظها من الصواب) (1).
ويقول: (إن القرآن عربي، فعلى الناظر فيه أن يلتزم معاني كلماته، كما كان يفهمها العرب حين تنزل بها الوحي، وأن يلتزم قواعد العربية في الناحيتين النحوية والبلاغية كما قعدها العلماء.
والقرآن حقٌّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فعلى الناظر فيه ألا يطابق إلا بينه وبين ما ثبت أنه حقٌّ لا شك فيه، وهذا يخرج النظريات العلمية والنفسية، وما إليها من ميدان التطبيق. اللهم إلا أن تعرض تلك النظريات على القرآن، مع الدقة في الفهم والمطابقة، في وافقه منها كان القرآن مؤكدًا لها وما خالفه منها كان القرآن شاهدًا عليها بالبطلان.
والقرآن من عند الله، فمستحيل أن تتناقض آياته فيما بينها، أو مع ما يثبت في العلوم الكونية أنه حقٌّ. فحقائق العلوم ويقينياتها - لا نظرياتها - هي التي تفسر بها الآيات الكونية في القرآن. وكل فهم لآيات القرآن يؤدي إلى تناقض بينها، أو بينها وبين حقٌّ ثابت في العلم هو فهم خطأ لا محالة، ينبغي أن يجتنب، وإن اشتهر وسار بين الناس.
ثم بعد ذلك على الباحث عن معاني القرآن وعجائبه، أن يتبع المنطق الصارم في استنباطه وعجائبه وتطبيقاته، خصوصًا في المطابقة بين آياته وبين حقائق الفطرة كما ثبت في علوم الفطرة أو العلوم الطبيعية كما يسميها الناس) (2).
(1) د. محمد الغمراوي، الإسلام في عصر العلم، الرسالة والرسول والقرآن والإعجاز العلمي ص 262، ط 4، 1411/ 1991، دار الإنسان / القاهرة.
(2)
الوعي الإسلامي عدد 15، سنة 1966.