الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب تطور تفسير القرآن/ دراسة جديدة د. محسن عبد الحميد
هذا الكتاب من بين الكتب التي جاءت تتحدث عن تطور تفسير القرآن الكريم، ومروره بمراحل كثيرة، حيث إن كتاب الله تعالى احتوى كلّ الموضوعات اللازمة للبشرية من عقائد وأصول وأحكام وقصص الأولين، والمنهج العلمي السديد في التقليد والتدبر، ولذا كان هذا القرآن بحاجة إلى تفسير على مر العصور .. والكاتب يقسم كتابه إلى فصول، يبدأ
الفصل الأول بالحديث عن التفسير قبل عصر التدوين
وبعده ويقسمه الكاتب إلى مباحث ثلاثة. الأول: تفسير القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أمره الله بتبليغه للناس كافة، وفعل ذلك صلى الله عليه وسلم ولم يكتم شيئًا منه، ويرد الكاتب تلك الفرية التي أثارها المنافقون من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد كتم شيئًا من القرآن، وأمره الله تعالى بأن يبين للناس ما نزل اليهم، والمقصود بالبيان تفسير المجمل وشرح المشكل، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن هل بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم معاني القرآن كلها جملة وتفصيلًا؟ الجواب بكل تأكيد لا، فهو لم يفضل القرآن الكريم كله، ولم يبين للصحابة ما لا يحتاجونه في زمانهم وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم آيات القرآن بعضها ببعض، وشرح من الألفاظ ما غاب عن الصحابة وذلك مثل كلمة الظلم، والصلاة الوسطى، وبين لهم مجمل القرآن الكريم وخصص ما جاء في القرآن عامًّا، ويمثل الكاتب لذلك بقوله تعالى:(حتى تنكح زوجًا غيره) فقد جاءت السنة لتخصص هذا الحكم العام حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)(1).
ويقول الكاتب إن السنَّة كلها جاءت بيانًا للقرآن الكريم، إذ الموضوع لا ينحصر
(1) أخرجه مسلم (1433).
في الأحاديث القولية فقط، ومن يرى أن تفسيرات الرسول صلى الله عليه وسلم قليلة يستند إلى حديث السيدة عائشة (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر شيئًا من القرآن إلا آيًّا بعدد علمهن إياه جبريل)(1).
ويذكر الكاتب أن السنة عرضت لبعض القضايا العقدية، وذلك مثل رؤية الله تعالى في قوله:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103]، ويرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرض لتفسير ألفاظ القرآن الكريم من الناحية اللغوية، وأن تفسيره لكلمة (أعدوا) ولكلمة (الظلم) لا يعد من هذا القبيل (2).
ومن القضايا التي لم يفسرها الرسول صلى الله عليه وسلم المتشابهات التي استأثرها الله بعلمه، والآيات الكونية، والحقائق العلمية، وحكمة التشريع، وأسرار إعجاز القرآن الكريم، تلك التي تدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي المبحث الثاني يتحدث عن تفسير الصحابة
فالصحابة هم ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا أعلم الناس بتفسير كتاب الله حيث نزل بلغتهم التي يعرفون فقه ألفاظها وتراكيبها وأسبابها، أما ما وراء الألفاظ والمعاني من الاستنباطات الدقيقة فلم يكن يعرفه العلماء من الصحابة وهذا ما يراه ابن خلدون، ولكن الذهبي يخالف في ذلك ويذهب إلى أن الصحابة لم يكونوا كلهم يفهمون معاني الألفاظ والتراكيب.
إن الصحابة لم يكونوا كلهم على درجة واحدة من المستوى العقلي، فقد أوتي
(1) قال الهيثمي: أخرجه أبو يعلى والبزار وفيه راو لم يقرر اسمه عند واحد منهما. مجمع الزوائد (6/ 303). وذكر الطبري أنه حديث مطعون فيه، إذ في إسناده محمد بن جعفر الزبيدي وهو متروك الحديث [(1/ 89)].
(2)
وما ذكر حقٌّ، فإن الصحابة هم أهل اللغة، فهم ليسوا بحاجة إلى تفسير ألفاظ القرآن من هذه الناحية، ولكن لأن القرآن كتاب سماوي، ولأن القرآن استعمل الألفاظ المعروفة في معاني جديدة، اضطروا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
بعضهم حظًّا وقوة من الاستنباط العقلي أمثال عبد الله بن عباس، وأُبي بن كعب وغيرهم .. وقد كان الخلاف في التفسير بينهم قليلًا، وإن كان فهو اختلاف تنوع لا تضاد.
أما مصادر التفسير عندهم فهي: اللغة والقرآن الكريم والسنة والاجتهاد والإسرائيليات.
وهو يرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وجه الصحابة إلى كيفية التعامل مع التوراة، فقد نهاهم في البداية عن قراءة التوراة خوفًا من الخلط والتشويه والتشكيك، ثم لما رسخ الإسلام، لم يعد يخاف عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:(لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم) ثم لمَّا تكامل نزول الآيات، لم يبق حرج في الاطلاع فقال:(بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)(1).
لقد تمخضت عن جهود الصحابة الكرام في تفسير القرآن مدارس تفسيرية كبرى، تتلمذ فيها كبار التابعين وهي مدرسة مكة التي أسسها عبد الله بن عباس ومدرسة المدينة وأسسها أبيّ بن كعب، ومدرسة الكوفة التي أسسها عبد الله بن مسعود .. ومع أن التابعين أخذوا علومهم عن الصحابة، لكن تفسيرهم لم يرق إلى تفسير الصحابة، ويقول: إن تفسير التابعين ليس حجة؛ لأنهم زادوا على تفسيرات الصحابة فيما يتعلق بالكلمة والتركيب وسبب النزول.
أما المبحث الثالث فكان لحركة تدوين التفسير فقد كان التفسير جزءًا من الحديث، ولقد بدأ التدوين بالانتشار المحدود كلما ابتعد الناس عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد دونت السنّة النبوية نتيجة كثرة الوضع على الرسول صلى الله عليه وسلم، على أن تدوين التفسير بدأت تتميز ملامحه في عصر التابعين، وفي العصر العباسي الأول بدأ العلماء بتأليف التفسير، فقد وصلنا تفسير يحيى بن سلام، ومنها تفسير ابن جرير
(1) وهذا كلام بعيد، فإن الإسرائليليات لم تكن مصدرًا من مصادر التفسير في عهد الصحابة رضوان الله عليهم وقد ناقشت هذه القضية مرارًا في هذا الكتاب.