الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني التفسير بالرأي
معنى التفسير بالرأي وأنواعه:
المقصود بالرأي هنا الاجتهاد، ولا بد أن يكون الاجتهاد هنا اجتهادًا يستند إلى أسس صحيحة ثابتة، لذلك قسموا الرأي إلى رأي محمود ورأي مذموم، فالرأي المحمود هو الذي يستند إلى اللغة والسياق والمأثور. والرأي المذموم لا يستند إلى شيء من هذه الأسس بل يعتمد على الهوى الناشئ من جهلٍ أو نحلةٍ باطلة.
رأي الراغب الأصفهاني:
يقول الراغب الأصفهاني: "والتأويل نوعان: مستكره ومنقاد:
فالمستكره: ما يستبشع إذا سُبر بالحجة، ويستقبح بالتدليسات المزخرفة، وذلك على أربعة أضرب:
الأول: أن يكون لفظ عام فيخصص في بعض ما يدخل تحته، نحو قوله تعالى:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4] حمله بعض الناس على علي بن أبي طالب فقط.
الثاني: أن يلفق بين اثنين، نحو قول من زعم أن الحيوانات كلها مكلفة، محتجًا بقوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] وقد قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالكُمْ} [الأنعام: 38] فدلّ بقوله: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالكُمْ} أنهم مكلفون كما نحن مكلفون.
الثالث: ما استعين فيه بخبر مزوّر أو كالمزوّر كقوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: 42] قال بعضهم: عني به الجارحة مستدلًا بحديث موضوع (1).
(1) إن كان الذي يعنيه الراغب ما جاء في الصحيح "يكشف الله عن ساقه" فليس بموضوع، لكننا لا نجعله تفسيرًا للآية.
الرابع. ما يستعان به باستعارات واشتقاقات بعيدة، كما قاله بعض الناس في البقر إنه إنسان يبقر عن أسرار العلوم. وفي الهدهد: إنه إنسان موصوف بجودة البحث والتنقير.
فالأول: أكثر ما يروج على المتفقهة الذين لم يقووا في معرفة الخاصّ والعام.
والثاني: على المتكلم الذي لم يقو في معرفة شرائط النظم.
والثالث: على صاحب الحديث الذي لم يتهذب في شرائط قول الأخبار.
والرابع: على الأديب الذي لم يتهذب بشرائط الاستعارات والاشتقاقات.
والمنقاد من التأويل: ما لا يعرض فيه البشاعة المتقدمة، وقد يقع الخلاف فيه بين الراسخين في العلم لإحدى جهات ثلاث:
إما لاشتراك في اللفظ نحو قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ل [الأنعام: 103] هل هو من بصر العين، أو من بصر القلب؟ أو لأمر راجع إلى النظم نحو قوله:{وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 4، 5] هل هذا الاستثناء مقصور على المعطوف، أو مردود إليه وإلى المعطوف عليه معًا.
وإما لغموض المعنى، ووجازة اللفظ، نحو قوله تعالى:{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227](1).
ويقول ابن الأثير: (النهي عن تفسير القرآن بالرأي) لا يخلو، إما أن يكون المراد به: الاقتصار على النقل والمسموع، وترك الاستنباط، أو المراد به: أمر آخر، وباطل أن يكون المراد به: أن لا يتكلّم أحدٌ في القرآن إلّا بما سمعه، فإنّ الصحابة رضي الله عنهم قد فسروا القرآن، واختلفوا في تفسيره على وجوه، وليس كل ما قالوه سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنّ النبي دعا لابن عباس فقال: "اللهم فقهه في الدِّين
(1) مقدمة جامع التفاسير مع سورة الفاتحة ومطالع البقرة ص 84.
وعلِّمه التأويل" فإن كان التأويل مسموعًا كالتنزيل، مما فائدة تخصيصه بذلك؟
وإنما النهي يحمل على أحد وجهين.
أحدهما: أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأوّل القرآن على وفق رأيه وهواه، ليحتجّ على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى.
وهذا النوع يكون تارة مع العلم، كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته، وهو يعلم أنْ ليس المراد بالآية ذلك، ولكن يُلبِّس على خصمه.
وتارة يكون مع الجهل، وذلك إذا كانت الآية محتملةً، فيميل فهمُه إلى الوجه الذي يوافق غرضه، ويترجَّح ذلك الجانب برأيه وهواه فيكون قد فسَّر برأيه، أي رأيه هو الذي حمله على ذلك التفسير، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه.
وتارة يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلًا من القرآن، ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به، كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول: قال الله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 24]، ويشير إلى قلبه، ويومئ إلى أنه المراد بفرعون.
وهذا الجنس قد استعمله بعض الوعَّاظ في المقاصد الصحيحة، تحسينًا للكلام، وترغيبًا للمستمع، وهو ممنوع.
وقد استعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة، لتغرير الناس، ودعوتهم إلى مذهبهم الباطل، فينزِّلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعًا: أنها غير مرادة به.
فهذه الفنون: أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي.
والوجه الثاني: أن يسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة، وما