الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويعد أن يستنير بالمعلومات التي توصلت إليها الأبحاث العلمية، على الحياة المائية المتولدة في البحرين الملتقيين بواسطة البرزخ المائي، مثل (باب المندب)(1). يتضح له أن تلك الحياة قد انفصلت في البحر الأحمر عن الهندي، بوجود ذلك البرزخ الذي كان حاجزًا بسطحه إلى عمق 200 متر. فتغيرت الحياة في كل منها، فلا يتماثلان، ولا يبغي أحدهما بمواليده وأملاحه وتياراته وحرارته، على الآخر بما يغايره في تلك النواحي. فيتجلى مفهوم الآية بنور التدقيق والبحث العلمي الصحيح.
هذه نماذج من التفسير العلمي، وهي كما رأينا لا تصطدم مع الآيات القرآنية في روحها أو نصها، ولا تتعارض مع السياق، ولا تناقض مفاهيم اللغة أو مدلولات الألفاظ، كما لا تخالف أثرًا صحت روايته. ولو أن التفسير العلمي كله يسير على هذا المنوال، فيحمل معه شواهد صحته، لكن ثروة علمية هائلة، يسدي أصحابها للمسلمين وغيرهم عملًا جليلًا، من شأنه أن يميط اللثام عن مكنون الآيات القرآنية، ويحكم الصلة بينها وبين آيات الله في الكون، ليكون حجة على العقول والقلوب.
ثانيًا [*]: نَمَاذجِ يَظْهَرُ فِيهَا التَكَلُّف:
ولكنَّ بعض منْ سلكوا هذا المسلَك قديمًا وحديثًا، لم يلزموا أنفسهم بالنهج الذي رأيناه ومثلنا له، فخرجوا - وإن كان ذلك منهم بحسن نية - عن المدار الحقيقي، والمسار الذي تسير فيه الآيات، وهذه أمثلة مِن هذا النوع:
1 -
نقل السيوطي رحمه الله، أن في القرآن علومًا كثيرة أوصلها بعضهم إلى خمسين ألفًا ونيفٍ. فقد قالوا: إن في كلّ حرف من القرآن أربعة أنواع من
(1) وهناك وجه آخر في هذه الآية من الإعجاز العلمي، أثبته العلماء تحدث عنه الشيخ عبد المجيد الزنداني في بعض أشرطته المسجلة، ولا بأس أن يكون للآية أكثر من تفسير، ما دام ذلك لا يتنافى مع اللغة والسياق.
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بالمطبوع (ثالثًا)، وهو خطأ
العلم. واستخرج بعضهم العلوم من كلمات وردت في القرآن، كالحياكة والنجارة والحدادة، وأعتقد أن هذا تكلف ظاهر، تنبو عنه آيات القرآن في رفعتها.
2 -
أما المحدثون فإن لهم من التكلفات، وعليهم من المآخذ أشياء كثيرة. فمن ذلك ما ذكروه في تفسير قول الله تعالى:{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4]، بأن المقصود به الهواء وهو كما ترى ظاهر التكلف.
وقد قالوا في تفسير قول الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109]، بأن المقصود بالكلمات هنا، إنما هي سعة الكون والمادة فيه، ولا أظن النفس تطمئن إلى مثل هذا التفسير.
والأنكى من هذا أنهم أرادوا تفسير الآيات التي وردت في يوم القيامة، كتسيير الجبال ودكها، وتسخير البحار وتفجيرها، تفسيرًا يخضع لظواهر العلم. مع أن هذه الآيات وردت في يوم، تتغير فيه القوانين الطبيعية، والسنن المألوفة فكان من الخير عدم التعرض إلى مثل هذا. ويكفي أن نطبق قواعد العلم وقوانينه على دنيانا.
ومن هذا القبيل ما فسروا به قول الله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47]، بأن اليوم مقدار دورة أحد الكوكب حول نفسه، فدورة الأرض مثلًا تتم في أربع وعشرين ساعة. ودورة الشمس تتم في سنة كاملة.
وهناك كواكب لا تتم دورتها إلا في ألف سنة. ونحن إذ نسلم بأن هناك كواكب قد تحتاج لإتمام دورتها إلى آلاف السنين أو كثر لكن لا نسلم بجعل هذا تفسيرًا لهذه الآية. فقد ورد قول الله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5]، والآية التي ذكروها أعتقد أن سياقها يوضح معناها. وهذا نص الآية {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} كأنه يقول لهؤلاء والله أعلم بحقائق كتابه، لم هذه العجلة؟ إن الله ليملي لكم، وما ترونه بعيدًا فإنه قريب عند الله.
فالزمن الذي ترونه متطاولًا ليس كذلك في حساب الله تبارك وتعالى.
وأخيرًا أمثل لهذا النوع بما ذكره الأستاذ محمد محمود إبراهيم أستاذ الجيولوجيا وهندسة التعدين في كلية الهندسة في جامعة القاهرة، في كتابه (إعجاز القرآن)، حيث يذكر تحت عنوان نهاية الأرض، هذه الآيات {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} [سبأ: 9]، {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ [الطور: 44] حيث يستدل بهذه الآيات على نهاية الأرض، ومجيء الساعة. عجيب هذا الاستدلال. ولكن الأعجب منه أن الأستاذ مصطفى محمد الطير (1)، حينما يناقش المؤلف يقول: إن الآية الأولى فقط، هي التي تدل على ما ذهب إليه الأستاذ: أما الآيتان الثانية والثالثة، فإن سياقها لا يدل على ذلك. والحقيقة أن الآيات الثلاثة لا تدل على هذا المعنى، ولا أدري كيف غاب عن الأستاذ الفاضل أن الآية الأولى لا يأبى سياقها فحسب ما ذهب إليه المؤلف، بل إن ما ورد فيها من مأثور يأبى ذلك أيضًا. وأعني به ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه عن مسروق قال: (كنا جلوسًا عند عبد الله بن مسعود. فأتى رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن قاصًا عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء، فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمن فيها كهيئة الزكام. فقال عبد الله: وجلس وهو غضبان يأ أيها الناس اتقوا الله من علم منكم شيئًا فليقل بما يعلم، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإنه أحكم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم - الله أعلم. فإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارًا قال: (اللهم سبعًا كسبع يوسف - وفي رواية لما دعاء صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهم ينظر إلى السماء فيرى كهيئة الدخان. ثم قرأ قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} إلى قوله تعالى: {عَائِدُونَ} . فقال عبد الله: أفيكشف عذاب الآخرة؟ ! {يَوْمَ نَبْطِشُ
(1) اتجاه التفسير.