الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون للاستئناس فيما ورد به الكتاب العزيز، إذا عرفنا هذا زالت شبهة التعارض المتوهمة بين الحديثين، وأصبح من الممكن الجمع والتوفيق بينهما.
ولكن هل كان الصحابة رضوان الله عليهم مولعين بهذه الإسرائيليات، كما يحلو لبعض المستشرقين ومن افتتن بهم أن يصوروه ويضيفوا إليه هالات، كي يظهروه حقيقة من الحقائق، زاعمين أن كثيرًا من أعلام الصحابة كابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو حتى عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، كانوا يكثرون النقل عن أهل الكتاب، بل يعدون الكثير من أعلام الصحابة تلاميذ لأولئك مثل كعب وغيره. ولكننا عندما نناقش الأمر مناقشة علمية هادئة، نرى أن تلك فرية بعيدة عن الصواب والسداد. فهل يمكن لمن تتلمذ لسيد الخلق عليه وآله الصلاة والسلام أن يتتلمذ لكعب وأمثاله؟ وهل يليق بهؤلاء وقد كانوا يتربعون على كرسي الأستاذية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلسوا على كرسيهم هذا من هو دونهم؟ فأبو هريرة مثلًا يروي عن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام ما يزيد على خمسة آلاف وأربعمائة حديث، وهي علم غزير يؤهل صاحبه لأن يقضي عمره كله مهما طال، ليفيد الناس بهذا العلم. وابن عباس كذلك الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بالفقه وعلم التأويل، حري به أن لا ينصرف عن أسباب هذه الدعوة.
ولقد مر معنا نهي ابن عباس رضي الله عنهما الناس عن سؤال أهل الكتاب، فكيف ينهى عن شيء ويقدم عليه؟ ذلك أمر لا يتناسب مع الخلق والدين لإنسان عادي، فضلًا عن ابن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة. ولكنها إثارات الحاقدين أمثال جولد زيهر اليهودي ومن افتتن به فأخذ عنه بسوء قصد أو سوء تصرف ومن المفيد أن ننقل هنا ما ذكره جولد زيهر وغيره، حول تأثر ابن عباس بأهل الكتاب.
ما ذهب إليه جولد زيهر والأستاذ أحمد أمين:
يقول جولد زيهر: وأجدر من ذلك بالتصديق الأخبار التي تفيد أن ابن عباس لا يرى غضاضة أن يرجع في الأحوال التي يخامره فيها الشك إلى من يرجو عنده علمها.
وكثيرًا ما ذكر أنه يرجع (كتابه) في تفسير معاني الألفاظ إلى من يُدْعى أبا الجلد، والظاهر أنه غيلان بن فروة الأزدي الذي كان يثني عليه بأنه قرأ الكتب، وقد ذكرت بنته على وجه الخصوص أن أباها كان يقرأ القرآن كل سبعة أيام، ويختم التوراة كل ثمانية أيام بالروية والفهم -يبدو أن سبعة أيام إلى ثمانية أيام كانت تعد مدة وسطًا لختم القرآن بفهم- وكان يدعو جماعة كبيرة من الناس احتفالًا بكل مرة يختم فيها التوراة، ويرى أن هذا العمل الصالح يستوجب رحمة الله ورضاه.
ولا يتضح حقًّا من هذا الخبر الغامض الذي ربما زادته مغالاة ابنته غموضًا، أي نسخة من التوراة كان يستخدمها في دراسته، وكثيرًا ما نجد بين مصادر العلم المفضلة لدى ابن عباس اليهوديين اللذين اعتنقا الإسلام: كعب الأحبار وعبد الله بن سلام، كما نجد أهل الكتاب على وجه العموم أي رجالًا من طوائف ورد التحذير من أخبارها -عدا ذلك- في أقوال تنسب إلى ابن عباس نفسه، ومن الحق أن اعتناقهم للإسلام قد سما بهم على المظنة، ورفعهم إلى مرتبة مصادر العلم التي لا تثير ارتيابًا، ولم يعدُ (أوتولوث) شاكلة الصواب إذ يتحدث عن مدرسة ابن عباس ذات المسحة اليهودية وأخبار الكتب السابقة، التي ذكر كثيرًا عنها من الفوائد، بل كان يسأل أيضًا كعب الأحبار مثلًا عن التفسير الصحيح للتعبيرين القرآنيين: أم الكتاب، والمرجان.
كان يفترض عند هؤلاء الأحبار اليهود، فهم أدق للمدارك الدينية العامة الواردة في القرآن في أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يرجع إلى أخبارهم في مثل هذه المسائل على الرغم من ضروب التحذير الصادرة من جوانب كثيرة فيهم.
ففي تعيين وقت الجمعة الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن أداء المسلم الصلاة فيه لا بد أن يقبل، ذكر أن أبا هريرة طلب بيان ذلك عند كعب الأحبار وعبد الله بن سلام، وذلك بأنهما يعرفان التوراة التي لا بد أن يوجد فيها مثل ذلك، والظاهر أن المحور