الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثاني: أقوال أهل العلم
.
اختلف أهل العلم - رحمهم الله تعالى - في هذه الأحاديث وما في معناها على أقوال كثيرة، واختلفوا على أي شيء يعود الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم (خلق الله آدم على صورته)، ويمكن أن تُقسم أقوالهم في هذا الحديث إلى خمسة أقوال:
القول الأول: أن الضمير يعود على الله عز وجل من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
القول الثاني: أن الضمير يعود على الله عز وجل من باب إضافة الخالق إلى المخلوق.
القول الثالث: أن الضمير يعود على المضروب.
القول الرابع: أن الضمير يعود على آدم.
القول الخامس: إنكار التحدث بهذا الحديث.
وفيما يلي بيان لهذه الأقوال، وترجيح الصحيح منها:
القول الأول: أن الضمير يعود على الله عز وجل من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
= وقد ضعف ابن خزيمة الإسناد المتصل: فقال ابن خزيمة: فإن في الخبر عللًا ثلاثًا: إحداها: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده فأرسله الثوري ولم يقل: "عن ابن عمر. والثانية: أن الأعمش مدلس لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت. والثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت أيضا مدلس لم يعلم أنه سمعه من عطاء. (التوحيد لابن خزيمة 1/ 86).
قال الألباني: قلت: والعلة الرابعة: هي جرير بن عبد الحميد فإنه وإن كان ثقة كما تقدم فقد ذكر الذهبي في ترجمته من "الميزان" أن البيهقي ذكر في "سننه" في ثلاثين حديثًا لجرير بن عبد الحميد قال: "قد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ". (السلسلة الضعيفة 3/ 317).
فمن ذلك تكون لفظة (على صورة الرحمن) شاذة، والثابث (على صورته)، وعلى كلٍّ فالصورة ثابتة لله تبارك وتعالى كما سنبين إن شاء الله تعالى.
وسُئل الدارقطني عن حديث عطاء بن رباح عن ابن عمر، فال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تقبحوا الوجه، فإن ابن آدم خُلق على صورة الرحمن)، فقال: يرويه حبيب بن أبي ثابت، واختُلف عنه: فرواه جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن حبيب، عن عطاء، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وغيره يرويه عن الأعمش، عن حبيب، عن عطاء مرسلًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه الثوري عن حبيب عن عطاء مرسلًا، والمرسل أصح (علل الدارقطني 13/ 188).
وعلى هذا جمهور أهل السنة؛ بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو ممن انتصر لهذا القول وأطال الكلام جدًّا على هذا الحديث، قال: لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك (1).
وممن أثبت أن الصورة لله تعالى بهذا الحديث: إسحاق بن راهوية، والإمام أحمد. فعن إسحاق الكوسج أنه قال: قلت لأحمد (لا تقبحوا الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته)(2)، أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: صحيح.
وقال ابن راهوية: صحيح ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي (3).
وسُئل الإمام أحمد فقيل له: يا أبا عبد الله الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الله خلق آدم على صورته) على صورة آدم؟ فقال: فأين الذي يروي عن النبي (أن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن)(4).
وأي صورة كانت لآدم قبل أن يُخلق؟ (5).
(1) بيان تلبيس الجهمية تحقيق د. عبد الرحمن يحيى (2/ 396).
(2)
مسائل الإمام أحمد وإسحاق للكوسج (2/ 535)، مسند أحمد بهذا اللفظ عن ابن عمر، ابن أبي عاصم في السنة (518)، الدارقطني في الصفات (49)، وحسنه الألباني في ظلال الجنة (517).
(3)
الشريعة للآجري (3/ 1128: 1127)، ابن بطة في الإبانة (6/ 96).
(4)
تقدم تخريجه، وهو ضعيف.
(5)
إبطال التأويلات (1/ 90: 88).
تنبيه: رُوي عن الإمام أحمد أنه قال في معنى الحديث: صور آدم قبل خلقه ثم خلقه على تلك الصورة، فأما أن يكون الله خلق آدم على صورته فلا، وقد قال الله (ليس كمثله شيء)، ولا نقول: إن الله يشبهه شيء من خلقه، ولا يخفى على الناس أن الله خلق آدم على صورة آدم. ولكن هذه الرواية باطلة لا تصح عن الإمام أحمد؛ إذ أن جميع الروايات عنه في هذا الباب ترد هذه الرواية وتبطلها، كيف وقد جعل الإمام أحمد هذا التأويل من تأويلات الجهمية، وقد نقل هذه الرواية أبو يعلى الفراء في إبطال التأويلات (1/ 88 - 90)، ثم قال: قال أبو طالب المكي: هذا توهمٌ عن أحمد، إنما هذا قول أبى ثور، فذكر ذلك لأحمد فأنكر عليه، وقال: ويله، وأي =
وصرح الإمام أحمد بأن القول: بإعادة الضمير على آدم أو على الرجل المضروب قول الجهمية، فقال: من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي، وأي صورة لآدم قبل أن يخلقه؟ (1).
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قال رجل لأبي: إنّ فلانًا يقول في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله خلق آدم على صورته) فقال: على صورة الرجل، فقال أبي: كذب، هذا قول الجهمية، وأي فائدة في هذا (2).
وممن قال بهذا القول أيضًا الآجري رحمه الله، فقد عقد بابًا بعنوان (الإيمان بأن الله خلق آدم على صورته بلا كيف)، ثم ساق هذا الحديث بطرق متعددة، ثم قال: هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها، ولا يقال فيها كيف، ولم؛ بل تستقبل بالتسليم والتصديق وترك النظر (3).
وقال به أيضًا ابن قتيبة، وأبو يعلى الفراء، وأبو إسماعيل الهروي، فقد عقد بابًا بعنوان:(إثبات الصورة لله عز وجل (4). ثم ساق تحته حديث أبي هريرة (خلق الله آدم على صورته).
وكذا قوام السنة إسماعيل التيمي الأصبهاني (5)، والشيخ أبو بطين (6)، وعبد العزيز بن باز (7)، ومحمد العثيمين (8) - عليهم رحمة الله-.
= صورة كانت لآدم حتى خلقه عليها؟ يقول: إن الله خلق على مثال؟ ويله، فكيف يصنع بالحديث الآخر: أن الله خلق آدم على صورة الرحمن. وذكر هذه الرواية الذهبي في (الميزان 1/ 602 - 603)، ووصف الراوي لها بأنه أتى بشيء منكر.
(1)
الإبانة لابن بطة (198).
(2)
إبطال التأويلات (1/ 88).
(3)
الشريعة (1/ 319).
(4)
الأربعين في دلائل التوحيد (1/ 63).
(5)
الحجة في بيان المحجة (1/ 310 - 311).
(6)
الدرر السنية (3/ 260 - 264).
(7)
مجموع الفتاوى ومقالات متنوعة له (4/ 226).
(8)
شرح العقيدة الواسطية (1/ 108 - 110).
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1 -
ظاهر النصوص السابقة والتي فيها قوله صلى الله عليه وسلم (خلق الله آدم على صورته).
والأصل حمل اللفظ على ظاهره وذلك بإرجاع الضمير إلى الله تعالى، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله عند هذا الحديث: وإذا ثبتت صحته فغير ممتنع الأخذ بظاهره من غير تفسير ولا تأويل (1).
وسُئل رحمه الله عنه فقال: لا نفسره، كما جاء الحديث (2).
قال القاضي أبو يعلى تعليقًا على هذا الكلام: فقد صرح بالقول بالأخذ بظاهره والكلام فيه في فصلين: أحدهما: جواز إطلاق تسمية الصورة عليه سبحانه، والثاني: في إطلاق القول بأنه خلق آدم على صورته وأن الهاء راجعة على الرحمن (3).
وسُئل الإمام أحمد أيضًا فقال: نقول كما جاء الحديث (4).
2 -
حديث ابْنِ عُمَر قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا تُقَبِّحُوا الْوَجْهَ فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ خُلِقَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ تَعَالى. فقالوا: هذا نص صحيح صريح غير قابل للتأويل (5).
القول الثاني: أن الضمير يعود على الله عز وجل من باب إضافة المخلوق إلى خالقه.
كما في قوله (ناقة الله)، وكما يقال في الكعبة (بيت الله) وهكذا، وبهذا جزم ابن خزيمة بناءً على افتراض صحة حديث (على صورة الرحمن) فقال بعد ما أعلَّ الحديث بما تقدم: فإن صح هذا الخبر مسندًا بأن يكون الأعمش قد سمعه من حبيب بن أبي ثابت، وحبيب
(1) إبطال التأويلات (1/ 79).
(2)
المصدر السابق (1/ 79 - 80).
(3)
المصدر السابق (1/ 81).
(4)
الإبانة (196).
(5)
عقيدة أهل الإيمان (40)، وقد قدمنا أن الصحيح في الخبر أنه مرسل.
قد سمعه من عطاء بن أبي رباح، وصح أنه عن ابن عمر على ما رواه الأعمش، فمعنى هذا الخبر عندنا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر إنما هو من إضافة الخلق إليه، لأن الخلق يضاف إلى الرحمن، إذ الله خلقه، وكذلك الصورة تضاف إلى الرحمن؛ لأن الله صورها، ألم تسمع قوله عز وجل:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11]، فأضاف الله الخلق إلى نفسه؛ إذ الله تولى خلقه إلى آخر كلامه، وكذاك قوله عز وجل:{هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [الأعراف: 73]، فأضاف الله الناقة إلى نفسه (1).
وقال النووى: وَقَالتْ طَائِفَة: يَعُود إِلَى الله تَعَالى، ويكُون المُرَادُ إِضَافَة تَشْرِيف وَاخْتِصَاص كَقَوْلِهِ تَعَالى:{نَاقَةُ اللَّهِ} وَكَما يُقَال فِي الْكَعْبَة: بَيْت الله وَنَظَائره. وَالله أَعْلَم (2).
القول الثالث: أن الضمير في قوله (على صورته) عائد على المضروب:
قال النووى رحمه الله: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيله فَقَالتْ طَائِفَة: الضَّمِير فِي (صُورَته) عَائِد عَلَى الأخ المَضْرُوب، وَهَذَا ظَاهِر رِوَايَة مُسْلِم (3).
وقال ابن حجر رحمه الله: وَاخْتُلِفَ فِي الضَّمير عَلَى مَنْ يَعُود؟ فَالْأكثَر على أنَّهُ يَعُودُ عَلَى المَضْرُوبِ لِما تَقَدَّمَ مِنْ الْأَمْر بِإِكْرَامِ وَجْهه، وَلَوْلَا أَنَّ المُرَاد التَّعْلِيل بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الجُمْلَة اِرْتِبَاط بِمَا قَبْلهَا (4).
ولعل مراد الحافظ بقوله (فالأكثر
…
)، أي: أكثر أهل التأويل كابن حبان والبيهقي والقاضي عياض والقرطبي وغيرهم (5).
وقال أبو حاتم: يريد به صورة المضروب، لأن الضارب إذا ضرب وجه أخيه المسلم
(1) التوحيد (1/ 87: 91).
(2)
شرح النووي (8/ 413).
(3)
شرح النووي (8/ 413).
(4)
فتح الباري (5/ 205).
(5)
أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين (115).
ضرب وجهًا خلق الله آدم على صورته (1).
وهذا القول لا يُعرف عند أحد من أهل السنة سوى ابن خزيمة وابن منده.
قال ابن خزيمة: تَوَهَّمَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَتَحَرَّ الْعِلْمَ أَنَّ قَوْلَهُ: "عَلَى صُورَتهِ" يُرِيدُ صُورَةَ الرَّحْمَنِ عَزَّ رَبُّنَا وَجَلَّ عَنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَى الْخَبَرِ، بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِ:"خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتهِ"، الْهَاءُ فِي هَذَا الموْضِعِ كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِ المَضْرُوبِ، وَالمَشْتُومِ، أَرَادَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الله خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ هَذَا المَضْرُوبِ، الَّذِي أَمَرَ الضَّارِبَ بِاجْتِنَابِ وَجْهِهِ بِالضَّرْبِ، وَالَّذِي قَبَّحَ وَجْهَهَ، فَزَجَرَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولَ:"وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ"، لِأَنَّ وَجْهَ آدَمَ شَبِيهُ وُجُوهِ بَنِيهِ، فَإِذَا قَال الشَّاتِمُ لِبَعْضِ بَنِي آدَمَ: قَبَّحَ الله وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ، كَانَ مُقَبِّحًا وَجْهَ آدَمَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، الَّذِي وُجُوهُ بَنِيهِ شَبِيهَةٌ بِوَجْهِ أَبِيهِمْ، فَتَفَهَّمُوا رَحِمكُمُ الله مَعْنَى الخبرِ، لَا تَغْلَطُوا وَلَا تَغَالطُوا فَتَضِلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَتَحْمِلُوا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّشْبِيهِ الَّذِي هُوَ ضَلَالٌ (2).
وقال ابن بطال: وذهب طائفة إلى أن الحديث إنما خرج على سبب، وذلك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يضرب ابنه أو عبده في وجهه لطخًا ويقول: قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك فقال صلى الله عليه وسلم، وذكره (3).
وقال البدر العيني: واختلف في مرجع هذا الضمير، فعند الأكثرين يرجع إلى المضروب وهذا حسن (4).
واستدل من قال بأن الضمير يعود على المضروب بما يلي:
(1) صحيح ابن حبان (12/ 419).
(2)
كتاب التوحيد (1/ 84).
(3)
شرح ابن بطال (3/ 70).
(4)
عمدة القاري (13/ 116) باب إذا ضُرب العبد.
1 -
التعليل في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته)، فقوله (فإن الله خلق آدم على صورته) بيان لسبب النهي عن ضرب الوجه، وهو أن آدم عليه السلام خُلق على صورة المضروب، ولذلك عنون ابن حبان على هذا الحديث بقول (ذكر العلة التي من أجلها زُجر عن هذا الفعل)(1).
وقال البيهقي: وإنما أرادوا - والله أعلم - أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب (2).
2 -
حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: قَال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَجَنَّبِ الْوَجْهَ، وَلَا تَقُلْ قبَّحَ الله وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ؛ فَإِنَّ الله تَعَالى خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتهِ"(3).
قال ابن حجر: وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك (4).
ونقد استدلال ابن خزيمة بهذا الحديث.
3 -
أن حمل الحديث على ظاهره يقتضي التشبيه، قال ابن خزيمة عن هذه الأحاديث: تأولها بعض من لم يتحر العلم على غير تأويلها، ففتن عالمًا من أهل الجهل والغباوة، حملهم الجهل بمعنى الخبر على القول بالتشبيه، جل وعلا عن أن يكون وجه خلق من خلقه مثل وجهه، الذي وصفه الله بالجلال والإكرام ونفي الهلاك عنه (5).
قال ابن بطال: إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته، فزجره النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأنه قد سب الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين وخص آدم بالذكر؛ لأنه هو الذى ابتدئت خِلقة وجهه على الحدِّ الذى تخلَّق عليها سائر ولده، فالهاء على هذا الوجه كناية عن المضروب في وجهه (6).
(1) صحيح ابن حبان (12/ 419).
(2)
الأسماء والصفات (2/ 63).
(3)
مسند أحمد (2/ 251)، الأدب المفرد (173) وتقدم تخريجه، وحسنه الألباني في ظلال الجنة (519).
(4)
فتح الباري (5/ 205).
(5)
التوحيد (1/ 81)، انظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين (117، 118).
(6)
شرح ابن بطال (9/ 7).
وقال ابن قتيبة: وزاد قوم في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم مر برجل يضرب وجه رجل آخر فقال: لا تضربه؛ فإن الله تعالى خلق آدم عليه السلام على صورته أي على صورة المضروب (1).
القول الرابع: أن الضمير يعود على آدم نفسه:
قال النووى في قوله (على صورته): هَذِهِ الرِّوَايَة ظَاهِرَة فِي أَنَّ الضَّمِير فِي (صورَته) عَائِد إِلَى آدَم، وَأَنَّ المُرَاد أنَّهُ خُلِقَ فِي أَوَّل نَشْأَته عَلَى صورَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي الْأَرْض، وَتُوُفِّيَ عَلَيْهَا، وَهِيَ طُوله سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَلَمْ يَنْتَقِل أَطْوَارًا كَذُرِّيتِهِ، وَكَانَتْ صورَته فِي الجنَّة هِيَ صورَته فِي الْأَرْض لَمْ تَتَغَيَّر (2).
وقال ابن حجر: وَاخْتُلِفَ إِلَى مَاذَا يَعُود الضَّمِير؟ فَقِيلَ: إِلَى آدَم، أَيْ خَلَقَهُ عَلَى صورَته الَّتِي اِسْتَمَرَّ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ أُهْبِطَ وَإِلَى أَنْ مَاتَ؛ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ مَنْ يَظُنّ أنَّهُ لمَّا كَانَ فِي الجنَّة كَانَ عَلَى صِفَة أُخْرَى (3).
وقال في قوله (سِتُّونَ ذِرَاعًا): وَهَذِهِ الرِّوَايَة تُؤَيِّد قَوْل مَنْ قَال إِنَّ الضَّمِير لِآدَم، وَالمعْنَى أَنَّ الله تَعَالى أَوْجَدَهُ عَلَى الْهَيْئَة الَّتِي خَلَقَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَنْتَقِل فِي النَّشْأَة أَحْوَالًا، وَلَا ترَدَّدَ فِي الْأَرْحَام أَطْوَارًا كَذُريَّتِهِ (4).
وقال ابن منده: اختلف أهل التأويل في معنى هذا الحديث، وتكلموا على ضروب شتى، والأحسن أن الله تعالى خلق آدم على صورته، معناه: لم يخلقه طفلًا ثم صبيًّا ثم كهلًا ثم شيخًا، هو الأصح منها، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام أن الله صلى الله عليه وسلم خلق بني آدم على صورة آدم عليه السلام فإذا شتم أحد من ولده ومن يشبه وجهه فقد شتم آدم عليه السلام، فنهى عن ذلك (5).
(1) تأويل مختلف الحديث (1/ 65).
(2)
شرح النووي (9/ 195).
(3)
فتح الباري (11/ 5).
(4)
فتح الباري (6/ 408).
(5)
التوحيد لابن منده (1/ 105 - 106).
قال ابن بطال: قال ابن فورك: فذهب طائفة إلى أن الهاء من "صورته" راجعة إلى آدم عليه السلام، وأفادنا بذلك عليه السلام إبطال قول الدهرية أنه لم يكن قط إنسان إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان فيما مضى ويأتي، وليس لذلك أول ولا آخر (1).
قال المناوى في فيض القدير: أي على صورة آدم التي كان عليها من مبدأ فطرته إلى موته لم تتفاوت قامته، ولم تتغير هيئته بخلاف بنيه (2).
قال الكلاباذى: ومعنى قوله: خلق الله آدم على صورته التي كان عليها يوم قبض أي: لم يكن علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم مكسوا لحما؛ بل خلق على الصورة التي كان بها (3).
وقال العينى: قوله "على صورته" أي: على صورة آدم، لأنه أقرب أي خلقه في أول الأمر بشرًا سويًّا كامل الخلقة طويلًا ستين ذراعًا كما هو المشاهد بخلاف غيره (4).
وممن قال بذلك أبو ثور، وابن ثور، وابن خزيمة، والخطابي، وأبو الشيخ الأصبهاني، وابن منده، والبيهقي، فقد نقل قول الخطابي وأقره عليه (5)، والقاضي عياض (6)، والقرطبي (7).
وعزاه ابن قتيبة إلى أهل الكلام (8)، وهو كما قال (9)، فإن هذا القول لا يُعرف لأحد من أهل السنة غير أبي ثور، وابن خزيمة، وأبي الشيخ، وابن منده رحمهم الله.
قال أبو ثور: إنما هو على صورة آدم ليس هو على صورة الرحمن (10).
(1) شرح ابن بطال (9/ 6).
(2)
فيض القدير (3/ 593).
(3)
بحر الفوائد للكلاباذي (1/ 97).
(4)
عمدة القاري (22/ 229).
(5)
الأسماء والصفات (2/ 61).
(6)
إكمال المعلم (8/ 374).
(7)
المفهم (7/ 183).
(8)
تأويل مختلف الحديث (1/ 65).
(9)
انظر مثلًا: أساس التقديس في علم الكلام للرازي (71).
(10)
طبقات الحنابلة (2/ 89، 90).
وقال ابن خزيمة: فصورة آدم ستون ذراعًا، التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن آدم خُلق عليها، لا على ما توهم بعض من لم يتحر العلم، فظن أن قوله (على صورته): صورة الرحمن، صفة من صفات ذاته، جل وعلا عن أن يوصف بالموتان والأبشار، قد نزه الله نفسه وقدس عن صفات المخلوقين، فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11](1).
وقال الخطابي: الهاء كناية عن اسمين ظاهرين فلا يصح أن يضاف إلى الله عز وجل لقيام الدليل على أنه ليس بذي صورة سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، فكان مرجعها إلى آدم عليه السلام فالمعنى أن ذرية آدم إنما خُلقوا أطوارًا كانوا في مبدأ الخلقة نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم صاروا صور أجنة إلى أن تتم مدة الحمل فيولدون أطفالا، وينشؤون صغارًا إلى أن يكبروا فتطول أجسامهم، يقول: إن آدم لم يكن خلقه على هذه الصفة، لكنه أول ما تناولته الخلقة وجد خلقًا تامًا طوله ستون ذراعًا (2).
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1 -
حديث: (خلق الله آدم على صورته، طوله
…
).
قال القاضي عياض: قوله هنا (طوله ستون ذراعًا) يبين الإشكال ويزيح التشابه ويوضح أن الضمير راجع إلى آدم نفسه (3).
وقال ابن حجر: بعد ذكره لهذا الحديث: وَهَذِهِ الرِّوَايَة تُؤَيِّد قَوْل مَنْ قَال: إِنَّ الضمِير لِآدَم، وَالمَعْنَى: أَنَّ الله تَعَالى أَوْجَدَهُ عَلَى الهَيْئَة الَّتِي خَلَقَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَنتقِل فِي النَّشْأَة أَحْوَالًا (4).
(1) التوحيد (1/ 94).
(2)
أعلام الحديث (3/ 2227).
(3)
إكمال المعلم (8/ 374)، وانظر التوحيد لابن خزيمة (1/ 93: 94).
(4)
فتح الباري (6/ 409).