الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن السنين العشر الأولى للإسلام بمثل للتسامح الديني للخلفاء إزاء أهل الأديان القديمة، وكثيرًا ما كانوا يوصون في وصاياهم للفاتحين بالتعاليم الحكيمة، ومن المثل لذلك عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران الذي حوى احترام منشآت النصارى، ثم هذه القواعد التي أعطاها لمعاذ بن جبل عند ذهابه إلى اليمن لا يزعج يهودي في يهوديته. وفي هذه الدائرة العالية كانت أيضًا عهود الصلح التي أعطيت للنصارى الخاضعين للدولة البيزنطية التي اندمجت في الإسلام وبموجبها كانوا - في مقابل دفع الجزية - يستطيعون مباشرة شئونهم الدينية من غير إزعاج لهم.
وكما أن مبدأ التسامح كان جاريًا في الأعمال الدينية، كذلك من جهة أخرى كان يراعي فقهيًا فيما يتعلق بالمعاملات المدنية والاقتصادية بالنسبة لأهل الكتاب مبدأ الرعاية والتساهل، فظلم أهل الذمة، وهم أولئك المحتمون بحمى الإسلام من غير المسلمين كان يحكم عليه بالمعصية وتعدي الشريعة. ففي بعض المرات عامل حاكم إقليم لبنان الشعب بقسوة عندما ثار ضد ظلم أحد عمال الضرائب، فحكم عليه بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم:"من ظلم معاهدًا، وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه يوم القيامة". وفي عصر أحدث من هذا ما رواه بورتر porter في كتابه "خمس سنين في دمشق" من أنه رأى بالقرب من بصرى بيت اليهود، وحكمت أنه كان في هذا الموضع مسجد هدمه عمر رضي الله عنه لأن الحاكم قد اغتصبه من يهودي ليبني عليه هذا المسجد) (1).
الوجه الخامس: علاقة الدولة الإسلامية بالدول المحاربة
.
إن الله تعالى عظَّم شأن من سعى لحفظ حياة إنسان واحد، وعظَّم جرم من سعى في قتل إنسان بريء {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] وقد تكلَّم
(1) العقيدة والشريعة في الإسلام صـ 45 - 47.
علماء الإسلام أن هذه الآية تشمل كل إنسان مسلمًا كان أم غير مسلم. وما شرع القصاص في القتل إلا لحماية حياة الناس، فإن الإنسان لا يبادر إلى قتل البريء إذا عم أنه يقتل به {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)} [البقرة: 179].
أما الأمن الذي يقابل العنف فقد جعله الإسلام من أعظم أسباب النعم التي أنعم الله بها على عباده، ومنَّ بها عليهم ليعبدوه وحده لا شريك له، فقال:{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 1 - 4].
والسلم والحرب من سنن الله تعالى في هذه الحياة، والناس لا يعدّون إلا مسالمين أو محاربين. وقد جعل الشرع للحرب سننًا وآدابًا، وللسلم سننًا وآدابًا. لقد جعل الإسلام للحرب آدابًا للرحمة لم يعرفها غير المسلمين لا في تأريخهم القديم ولا الحديث.
إن من أعظم سنن الحرب عند المسلمين:
- الإعلان والإنذار قبل الحرب.
- قتال المحارب دون غيره من الرجال.
- ترك النساء والأطفال والشيوخ.
- إعطاء الأمان للمحارب إذا طلب ذلك قبل القدرة عليه.
- الوفاء بالعهد وعدم الغدر.
- الحرب الشريفة (النظيفة).
إن هذه السنن الحربية سنن مقدسة شريفة عند المسلمين، إنها سنن يتعبَّدون الله تعالى بها، ذلك أن من خالفها فقد عصى الأوامر الشرعية تمامًا مثل من شرب الخمر أو سرق ونحو ذلك. وقد شهد التأريخ بشرفية حروب المسلمين ونظافتها من الخبث والغدر.
روى مسلم في صحيحه عن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سريَّة أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: "اغزوا باسم الله