الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - شبهة: عذاب القبر تسمعه البهائم
نص الشبهة:
قالوا: يعذبون في قبورهم عذابًا تسمعه البهائم.
عن عائشة قالت: دخلت عليَّ عجوزان من عُجُز يهود المدينة فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم. قالت: فكذبتهما ولم أُنعم أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله إن عجوزين من عجز جمهود المدينة دخلتا عليَّ فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم! فقال: صدقتا إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم. قالت: في رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر.
وللجواب عن ذلك نقول:
الوجه الأول: عقيدة أهل السنة في عذاب القبر
.
الوجه الثاني: الأدلة على إثبات عذاب القبر
.
الوجه الثالث: هل العذاب على الروح والبدن؟ أم على البدن فقط؟ أم على الروح فقط؟
الوجه الرابع: غير الجن والإنس يسمعون عذاب القبر.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: عقيدة أهل السنة في عذاب القبر
يعتقد أهل السنة والجماعة أن القبر هو البداية للحياة الآخرة، وهو الذي يعرف فيها الإنسان مصيره، إما إلى جنة وإما إلى نار.
وأن الحياة البرزخية (حياة القبر) هي غيب نعلم معناه ووصفه لكن لا نعلم كيفيته، فلأجل ذلك يؤمن أهل السنة بما ورد ولا يسعون إلى معرفة الكيفية.
وأن العذاب والنعيم في القبر يقع على الروح والجسد معا.
مثال على ذلك: حياة الأنبياء في القبور.
الوجه الثاني: الأدلة على إثبات عذاب القبر.
وردت أدلة كثيرة على عذاب القبر ونعيمه منها:
قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 45، 46].
قال البخاري في صحيحه: بَاب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ وَقَوْلُهُ تَعَالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} .
قَال أَبُو عَبْد الله: الْهُونُ هُوَ الْهَوَانُ وَالْهَوْنُ الرِّفْقُ وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} وَقَوْلُهُ تَعَالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} .
عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبُرِهِ أُتِيَ ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} نَزَلَتْ فِي عَذَاب الْقَبْرِ. (1)
ومن أجمع الأحاديثَ في هذا الباب:
حديث البراء بن عازب وقد جمع طرقه ورواياته الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه "أحكام الجنائز" فنذكره بطوله وبتخريجه إن شاء الله تعالى.
عن البراء بن عازب قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (مستقبل القبلة)، وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عوده ينكت في الأرض"(فجعل ينظر إلى السماء، وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه، ثلاثًا)، فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين، أو ثلاثًا" (ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) (ثلاثًا)، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من
(1) البخاري (1280).
الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجَنَّة، وحنوط من حنوط الجَنَّة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة (وفي رواية: المطمئنة)، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، وفي رواية: حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم، فإذا أخذها لم يدَعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، فذلك قوله تعالى:{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61]، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون - يعني - بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان ابن فلان - بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها، إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)} ، فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال: أعيدوه إلى الأرض، فإني (وعدتهم أني) منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فـ (يرد إلى الأرض، و) تعاد روحه في جسده" (قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه)(مدبرين).
فيأتيه ملكان (شديدا الانتهار) فـ (ينتهرانه، و) يجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به، وصدقت، (فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عز وجل {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ
الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (إبراهيم: من الآية 27)، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجَنَّة، وألبسوه من الجَنَّة، وافتحوا له بابا إلى الجَنَّة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه (وفي رواية: يمثل له) رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، (أبشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم)، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له:(وأنت فبشرك الله بخير) من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح (فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في إطاعة الله، بطيئا في معصية الله، فجزاك الله خيرًا)، ثم يفتح له باب من الجَنَّة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت، الله، أبدلك الله به هذا فإذا رأى ما في الجَنَّة قال: رب عجل قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهلي ومالي، (فيقال له: اسكن)، قال: وإن العبد الكافر (وفي رواية: الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة (غلاظ شداد)، سود الوجوه، معهم المسوح (من النار)، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود (الكثير الشعب) من الصوف المبلول، (فتقطع معها العروق والعصب)، (فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم)، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان ابن فلان - بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجَنَّة، حتى يلج الجمل في سم الخياط) فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى، (ثم يقال:
أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى)، فتطرح روحه (من السماء) طرحًا (حتى تقع في جسده) ثم قرأ (ومن يشرك بالله، فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق)، فتعاد روحه في جسده، (قال: فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولو عنه).
ويأتيه ملكان (شديدا الانتهار، فينتهرانه، و) يجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقول له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى)، فيقولان له: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ) فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد! فيقول) هاه هاه لا أدري (سمعت الناس يقولون ذاك! قال: فيقال: لا دريت)، (ولا تلوت)، فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه (وفي رواية: ويمثل له) رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول (وأنت فبشرك الله بالشر) من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث؟ (فوالله ما علمت إلا كنت بطيئا عن طاعة الله، سريعا إلى معصية الله)، (فجزاك الله شرًا، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة! لو ضرب بها جبل كان ترابا، فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابا، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين، ثم يفتح له باب من النار، يمهد من فرش النار). فيقول: رب لا تقم الساعة". (1)
(1) أخرجه أبو داود (4753)، والحاكم (1/ 37 - 40)، والطيالسي (753)، وأحمد (4/ 287، 288 و 295 و 296)، والآجري في "الشريعة"(864). وصححه الألباني في أحكام الجنائز مسألة رقم (105)، وقد ذكرنا النص الذي جمعه الشيخ الألباني بالزيادات على ترتيبه، وذلك للفائدة. وانظر: تفصيل ذلك في أحكام الجنائز.