الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يُحمد من الإرهاب وما يُذم
(1)
تتهم العديد من الأوساط الغربية المسلمين بالإرهاب والعنف والتطرف، بل أصبح عند كثير منهم صفة لازمة للإسلام زعمًا منهم أن تعاليم الإسلام تحض على ذلك، وتوجه المسلمين إلى سلوك هذا الطريق، وهذا بعيد تمامًا عن حقائق الإسلام وتعاليمه.
والمتأمل في أقوال علماء المسلمين يجد أن الإرهاب في الشريعة الإسلامية ينقسم إلى نوعين:
الأول: الإرهاب المحمود
أو الإرهاب بحق للخير.
الثاني: الإرهاب المذموم أو الإرهاب الظالم المتجاوز للحدود.
الأول: الإرهاب المحمود:
الإرهاب المحمود هو الشرعي لدى الإسلام. وبهذا المعنى المحمود المشروع استعملت الكلمة في القرآن، كما في قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} ، فالمراد بهذه القوة السلاح، كما قال عقبة بن عامر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وهو على المنبر، :"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، الا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي".
تفسير العلماء:
وقد قام العلماء المفسرون، من القدامى والمحدثين، بتفسير هذه الآية بما يأتي:
قال الطبري: وأعدوا لهؤلاء الذين كفروا الذين بينكم وبينهم عهد إذا خفتم خيانتهم وغدرهم أيها المؤمنون بالله ورسوله ما استطعتم من قوة تخيفون بذلك عدو الله وعدوكم من المشركين (2).
قال الجصاص: أمر الله المؤمنين في هذه الآية بإعداد السلاح والكراع قبل وقت القتال إرهابا للعدو (3).
(1) انظر: الجذور التاريخية لحقيقة الغلو والتطرف والإرهاب. د. على الشبل.
(2)
تفسير الطبري 6/ 274.
(3)
أحكام القرآن 4/ 252.
قال الفخر الرازي: اعلم أنه تعالى لما أوجب على رسوله أن يشرد من صدر منه نقض العهد، وأن ينبذ العهد إلى من خاف منه النقض أمره في هذه الآية بالإعداد لهؤلاء الكفار.
.. ثم قال: فقال تعالى: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} وذلك لأن الكفار إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد ومستعدين له ومستكملين لجميع الأسلحة والآلات خافوهم. وذلك الخوف يفيد أمورًا؛ منها: أنَّهم لا يقصدون دخول دار الإسلام عدوانًا، ولا يعينون سائر الكفار للتعدي على دار الإسلام، وربما صار ذلك داعيًا لهم إلى الإيمان (1).
قال الشيخ محمد رشيد رضا: أن يكون القصد الأول من إعداد هذه القوى والمرابطة إرهاب الأعداء وإخافتهم من عاقبة التعدي على بلاد الأمة أو مصالحها، أو على أفراد منها، أو متاع لها حتى في غير بلادها لأجل أن تكون آمنة في عقر دارها، مطمئنة على أهلها ومصالحها وأموالها. وهذا ما يسمى في عرف هذا العصر بالسلم المسلح وتدعيه الدول العسكرية فيه زورًا وخداعًا (2).
من خلال ما سبق من أقوال المفسرين يتبين لنا ما يأتي:
أولًا: أن تكليف إعداد القوة بقدر الاستطاعة واجب على الحكومة الإسلامية خاصة، وعلى الأمة الإسلامية عامة. وذلك لنزول هذه الآية في عهد المدينة المنورة، والأمة كلها واحدة تحت قيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهي مكلفة للمشاركة في هذا الإعداد؛ كما يقول أبو السعود الحنفي بأن توجيه الخطاب يعني:"وأعدوا" إلى جميع المؤمنين؛ لأن المأمور به من وظائف الجميع. والله أعلم.
(1) تفسير الرازي 1/ 2157.
(2)
تفسير المنار (الآية).
ثانيًا: أنَّ القوة المطلوب إعدادها هي قوة الرمي، وهو كل ما يوجد في كل عصر ومكان من سلاح يرمى به الأعداء في حالة الحرب. فإذا استطاع أن يعد أفضل وأحدث ما يكون في ذلك العصر فبها ونعمت وإلا فاتقوا الله ما استطعتم.
ثالثًا: أن الدلالة اللفظية في الآية تشير إلى أن الغرض الأساس من إعداد القوة هو الإرهاب والتخويف، وليس القتل والقتال. يقول تعالى:{تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} ، ولا يقول:"تقاتلون به أو تقتلون به عدو الله وعدوكم". وبذلك تبين أن اختيار الله هذه الكلمة (الإرهاب) هو نوع من رحمته تعالى لخلقه، تجنبًا عن القتل أو القتال الذي هو سفك الدماء وهو الغرض الغالب من أي قوة. وحتى مع الأعداء لا يريد أن يعاملهم الإسلام بالقتل والقتال، في بالك مع عامة الناس ولو كانوا غير مسلمين. فإذا اكتفى هؤلاء الأعداء المجرمون أو الكفار بمجرد هذا الإرهاب والتخويف الذي يمنعهم من التعدي والظلم والصد عن سبيل الله فقد تحقق الغرض الأساس من إعداد القوة في الإسلام.
رابعًا: المرهبون به هم أعداء الله: {عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} لأن طبيعة دعوة الإسلام التي جاء بها الرسل أنَّها تواجه المجرمين المعتدين من أعداء الله طول الطريق، ولاسيما الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم. وقد صرح بذلك قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)} [الأنعام: 112]. أي: كما جعلنا لك، يا محمد، أعداء يخالفونك ويعادونك ويعاندونك؛ جعلنا لكل نبي من قبلك أيضًا أعداء.
خامسًا: إن الإرهاب الشرعي على ضوء هذه الآية الكريمة هو أحد الأساسيات الفطرية للتعامل مع العالم. فأمم العالم جميعًا تعد ما تستطيع من قوة كي تدخل الرهبة في قلوب أعدائها. وهي تستعرض قوتها في المناورات كي يعرف خصومها درجة مناعتها