الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10 - شبهة: ادعاؤهم أن المسلم يخلد في النار
نص الشبهة:
يقولون: إن المسلم يخلد في النار بارتكابه كبيرة من الكبائر، وذلك بنص القرآن في قول الله عز وجل:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} ، ونص سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَده يَتَوَجَّأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ ترَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا"(1).
الرد على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: اعتقاد أهل السنة والجماعة في المسألة
.
الوجه الثاني: أقوال المفسرين والعلماء حول الآية.
الوجه الثالث: الجمع بين الآثار التي ظاهرها التعارض.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: اعتقاد أهل السنة والجماعة في المسألة.
وهو أن من مات على الشرك دخل النار وإن عمل صالحًا جوزي به في الدنيا، ومن مات مؤمنًا دخل الجنة وإن عذب قبل ذلك.
وإليك بيان ذلك من كلام العلماء:
قال النووي: وأما حكمه صلى الله عليه وسلم على من مات يشرك بدخول النار، ومن مات غير مشرك بدخوله الجنة فقد أجمع عليه المسلمون، فأما دخول المشرك النار فهو على عمومه فيدخلها ويخلد فيها ولا فرق فيه بين الكتابي اليهودي والنصراني وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة، ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عنادًا وغيره، ولا بين من خالف ملة الإسلام، وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره بجحده ما يكفر بجحده وغير ذلك، وأما دخول من مات
(1) البخاري (5778)، مسلم (109) واللفظ له.
غير مشرك الجنة فهو مقطوع له به لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرًا عليها دخل الجنة أولا، وإن كان صاحب كبيرة مات مصرًا عليها فهو تحت المشيئة فإن عفي عنه دخل أولًا، وإلا عُذب ثم أخرج من النار وخلد في الجنة. (1)
وقال أيضًا: اعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحدًا دخل الجنة قطعًا على كل حال، فإن كان سالمًا من المعاصي كالصغير والمجنون والذي اتصل جنونه بالبلوغ والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلًا فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلًا لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود، والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه.
وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى، فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولًا وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذَّبه القدر الذي يريده سبحانه وتعالى ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل. هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي. (2)
وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ عَبْدٍ قَال: لَا إِلَهَ إِلَّا الله ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ". قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ". قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَال: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ". ثَلَاثًا ثُمَّ قَال في الرَّابِعَةِ: "عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ" (3).
(1) شرح مسلم للنووي 1/ 374.
(2)
المصدر السابق 1/ 255 - 256.
(3)
البخاري (5827)، مسلم (94).
قال النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: وإن زنى وإن سرق فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وختم لهم بالخلود في الجنة. (1)
وقال البخاري تعليقًا على الحديث: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب، وندم، وقال: لا إله إلا الله غفر له. (2)
وقال ابن حجر تعليقًا على كلام البخاري: قوله: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب أي من الكفر وندم. يريد شرح قوله: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، وحاصل ما أشار إليه أن الحديث محمول على من وحد ربه، ومات على ذلك تائبًا من الذنوب التي أشير إليها في الحديث؛ فإنه موعود بهذا الحديث بدخول الجنة ابتداء، وهذا في حقوق الله باتفاق أهل السنة، وأما حقوق العباد فيشترط ردها عند الأكثر، وقيل: بل هو كالأول ويثيب الله صاحب الحق بما شاء، وأما من تلبس بالذنوب المذكورة ومات من غير توبة فظاهر الحديث أنه أيضًا داخل في ذلك لكن مذهب أهل السنة أنه في مشيئة الله تعالى. (3)
وقال الإمام أحمد بن حنبل: ومن لقي الله بذنب يجب له به النار تائبًا غير مصر عليه؛ فإن الله عز وجل يتوب عليه ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لقيه مصرًا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة، فأمره إلى الله عز وجل، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، ومن لقيه كافرًا عذبه ولم يغفر له. (4)
قال الطحاوي: وَأَهْلُ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي النَّارِ لَا يُخَلَّدُونَ، إِذَا مَاتُوا وَهُمْ مُوَحِّدُون وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين. وَهُمْ فِي مَشِيئَتِهِ وَحُكْمِهِ إِنْ شَاءَ
(1) شرح مسلم للنووي 1/ 374 - 375.
(2)
البخاري مع الفتح 10/ 295.
(3)
فتح الباري لابن حجر 10/ 295.
(4)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/ 182 للالكائي، وهو معتقد علي بن المديني أيضًا.