الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ يَفْخَرُونَ بِآبَائِهِمْ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى الله مِنَ الْجَعْلانِ". (1)
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: لَطَمْتُ مَوْلًى لَنَا فَهَرَبْتُ ثُمَّ جِئْتُ قُبَيْلَ الظُّهْرِ، فَصَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِى فَدَعَاهُ وَدَعَانِى ثُمَّ قَالَ: امْتَثِلْ مِنْهُ فَعَفَا، ثُمَّ قَالَ: كُنَّا بني مُقَرِّنٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَنَا إِلَّا خَادِمٌ وَاحِدَةٌ فَلَطَمَهَا أَحَدُنَا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "أَعْتِقُوهَا". قَالُوا: لَيْسَ لَهُمْ خَادِمٌ غَيْرُهَا قَالَ "فَلْيَسْتَخْدِمُوهَا فَإِذَا اسْتَغْنَوْا عَنْهَا فَلْيُخَلُّوا سَبِيلَهَا". (2)
عن المعرور بن سُويد قال: رأيت أبا ذرٍّ رضي الله عنه وعليه حُلَّة وعلى غلامه مثلها فسألته عن ذلك؟ قال: فذكر أنه سَبَّ رجلًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيَّره بأُمِّه قال: فأتى الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال صلى الله عليه وسلم: "إنك امرؤٌ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم؛ فإن كلَّفتُمُوهم فأعينوهم عليه". (3)
عن جابر بن عبد الله قال: كان عمر رضي الله عنه يقول: أبو بكر رضي الله عنه سيدُنا وأعتق سيدَنا. يعني بلالًا. (4)
فهذه ثمرة من ثمرات محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ثمرة ما كانت لولا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثمرة السادسة: العدل
.
وهذه ثمرة أخرى من ثمار دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا ذلك ما كانت، وهي ثمرة العدل الذي ما عرف التاريخ له مثيلًا.
وسنختار حوادث من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الذين رباهم، نرى فيها كيف ارتفعت النفس البشرية بمحمد صلى الله عليه وسلم وبهديه إلى آفاق أعلى ما يطمح إليه الطامحون على مدى الأزمان والأجيال، ونرى بذلك كيف أن القرآن كان واقعًا حيًا متمثلًا بهذا الجيل
(1) رواه البزار (2938)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (8697).
(2)
رواه مسلم (1658).
(3)
رواه البخاري (30)، ومسلم (1661).
(4)
رواه البخاري (3754).
الفريد، وكيف أن القرآن يرفع الإنسان إلى أعلى آفاق الإنسانية.
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135] وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
وقال تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58].
وإليك بعضًا من هذه الأمثلة:
1 -
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينًا كان عليه. فاشتد عليه حتى قال له: أُحَرِّج عليك إلا قضيتني. فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك تدري من تكلّم؟ قال إني أطلب حقّي. فقال النبيّ: صلى الله عليه وسلم هلّا مع صاحب الحق كنتم؟ ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها: إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك، فقالت: نعم بأبي أنمت يا رسول الله. قال: فأقرضته. فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال: أوفيتَ أوفى الله لك. فقال: "أولئك خيارُ الناس؛ إنه لا قُدِّست أمةٌ لا يأخذ الضعيفُ فيها حقه غير متعتع."(1)
أي: من غير أن يصيبه أذى يقلقه.
2 -
وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه: أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه قال عروة: فلما كلمه أسامة فيها تلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أتكلّمني في حد من حدود الله". قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشيّ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: "أمّا بعد؛
(1) رواه ابن ماجه (2426)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1969).
فإنّما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعتُ يدها". ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتُها بعد ذلك، وتزوّجت قالت عائشة: فكانت تأتي بعدَ ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)
3 -
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قام يوم جمعة فقال: إذا كان بالغداة فاحضُروا صدقات الإبل تقسّم ولا يدخل علينا أحدٌ إلَّا بإذن، فقالت امرأة لزوجها: خُذْ هذا الخطام لعل الله يرزقنا جملًا، فاتى الرجل فوجد أبا بكر وعمر رضي الله عنهم قد دخلوا إلى الإبل فدخل معهما فالتفت أبو بكر رضي الله عنه فقال: ما أدخلك علينا؟ ثم أخذ منه الخطام فضربه، فلما فرغ أبو بكر من قسم الإبل دعا بالرجل فأعطاه الخطام وقال: استقِد فقال له عمر رضي الله عنه: والله لا يستقيد، لا تجعلها سنة. قال أبو بكر: فمن لي من الله يوم القيامة؟ فقال عمر رضي الله عنه: أَرْضِه، فأمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه غلامه أن يأتيه براحلته ورحلها وقطيفة وخمسة دنانير فأرضاه بها. (2)
4 -
عن جابر بن عبد الله أنه قال: أفاء الله عز وجل خيبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه فخرصها عليهم ثم قال لهم يا معشر اليهود: أنتم أبغض الخلق إليَّ، قتلتم أنبياء الله عز وجل، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم. قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر فإن شئتم فلكم وإن أبيتم فلي. فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض قد أخذنا فاخرجوا عنا. (3)
5 -
عن الشعبي قال: كان بين عمر وأُبيّ رضي الله عنهما خصومة. فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلًا، قال فجعلا بينهما زيد بن ثابت، قال فأتوه، فقال عمر: رضي الله عنه أتيناك
(1) رواه البخاري (3457).
(2)
سنن البيهقي الكبرى (8/ 49).
(3)
رواه أحمد (3/ 367)، وإسناده على شرط مسلم.
لتحكم بيننا وفي بيته يؤتى الحكم. قال: فلما دخلوا عليه أجلسه معه على صدر فراشه. فقال: هذا أول جَوْر جُرْتَ في حكمك، أجْلسني وخصمي مجلسًا، قال فقصا عليه القصة، قال: فقال زيد لأُبَيّ: اليمين على أمير المؤمنين فإن شئت أعفيته. قال: فأقسم عمر رضي الله عنه على ذلك ثم أقسم له لا تدرك باب القضاء حتى لا يكون لي عندك - على أحدٍ - فضيلة. (1)
6 -
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى فيروز الدّيلمي: أما بعد: فقد بلغني أنه قد شغلك أكل اللباب بالعسل، فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم على بركة الله، فاغزُ في سبيل الله فقدم فيروز فاستأذن على عمر رضي الله عنه فأذن له فزاحمه قوم من قريش، فرفع فيروز يده فلطم أنف القرشي، فدخل القرشيُّ على عمر رضي الله عنه مستدمي فقال له عمر: من فعل بك؟ قال: فيروز وهو على الباب، فأذن لفيروز بالدخول فدخل فقال: ما هذا يا فيروز؟ قال: يا أمير المؤمنين إنا كنا حديث عهد بملك، وإنك كتبت إليَّ ولم تكتب إليه، وأذنت لي بالدخول ولم تأذن له، فأراد أن يدخل في إذني قبلي فكان مني ما قد أخبرك. قال عمر: القصاص قال فيروز: لا بد؟ قال: لا بد. قال: فجثا فيروز على ركبتيه وقام الفتى ليقتص منه فقال له عمر: على رسلك أيها الفتى حتى أخبرك بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة يقول: قُتل الليلة الأسودُ العنسيُّ الكذَّابُ، قتلهُ العبدُ الصَّالحُ فيروزُ الدَّيلمي، أفتراك مقتصًّا منه بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الفتى: قد عفوت عنه بعد إذ أخبرتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا. فقال فيروز لعمر: فترى هذا مخرجي مما صنعت إقراري له وعفوه غير مستكره؟ قال نعم: قال فيروز: فأشهدك أن سيفي وفرسي وثلاثين ألفًا من مالي هبة له. قال: عفوتَ مأجورًا يا أخا قريش وأخذتَ مالًا. (2)
7 -
عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السوق ومعه الدِّرَّة فخفقني بها خفقة، فأصاب طرف ثوبي فقال: أمِط عن الطريق! فلما كان في العام المقبل
(1) رواه علي بن الجعد في مسنده (1728)، ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 144).
(2)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (49/ 23).