الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: (كيف انتشر الإسلام
؟ )
إن الإسلام لم ينتشر بالقهر والغلبة فهناك بلاد كثيرة دخلها الإسلام عن طريق التجار كإندونسيا وحتى البلاد التي تم فتحها لم يجبر المسلمون أحدًا فيها على اعتناق الإسلام.
وقد جاءت هذه الشهادة المنصفة في كتاب "الدعوة إلى الإسلام" الذي ألفه توماس أرنولد، وبحث فيه تاريخ نشر العقيدة الإسلامية في أقطار الأرض، وإليك بعض الفقرات منه الدالة على ذلك.
1 -
بلاد الشام: "تحول البدو المسيحيون إلى الإسلام بالتسامح". دخل الناس في الإسلام عن اقتناع فلماذا؟ لأن الخليفة عمر عيَّن في كل بلد معلمين مهنتهم أن يعلموا الناس القرآن ويفقهوهم في الدين (1).
"إن هذه القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام، إنما فعلت ذلك عن اختيار وإرادة حرة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح"(2).
ودليل آخر أن السكان قد رضوا بالإسلام عن قناعة ورضا، تلك الكتب التي ألفها القديس "يوحنا الدمشقي"، "وقد عاش في عصر الفتوحات، وكلها تدور حول مناقشات بين المسيحية والإسلام، فهذه المناقشات والمجادلات تعطينا فكرة عن عدم الإكراه وفرض الإسلام بالسيف. وكانت صياغة هذه الكتب على شكل حوار: "وإذا سألك العربيُّ"، "إذا قال لك العربيُّ
…
فأجبه.". وكذلك كتب تلميذ القديس يوحنا: "الأسقف تيودور أبو قرة" الذي كتب بعض المحاورات بين العقيدتين. واستمرت هذه المناظرات حتى أيام الرشيد الذي كان يحضر هذه المناظرات التي كان فيها "طيماثاوس" و"يوسف مطران مرو". (3)
فبعد هذا كله، هل دخل الإسلام إلى بلاد الشام عنوة وبالسيف؟
(1) الدعوة إلى الإسلام ص 69 - 70.
(2)
المصدر السابق.
(3)
المصدر السابق ص 103.
أم بعد نقاش ومناظرة سادهما جو من التسامح الكامل، انتهى إلى القناعة والإيمان والرضى بالإسلام؟ .
2 -
إفريقيا:
يذكر توماس أرنولد حالة القبط قبل الفتح الإسلامي فيقول: كان القبط في مصر يعذَّب أحدهم ثم يلقى به إلى اليم.
وقد كتب في الباب الرابع من كتابه فصلًا عن انتشار الإسلام بين مسيحي أفريقيا جعل عنوانه "فتح مصر على أيدي العرب، وترحيب القبط بهم لأنقاذهم من الحكم البيزنطي" ومما جاء تحت هذا العنوان: "ويرجع النجاح السريع الذي أحرزه غزاة العرب، قبل كل شيء إلى ما لقوه من ترحيب الأهالي المسيحيين الذين كرهوا الحكم البيزنطي، لما عرف به من الإدارة الظالمة، ولما أضمروه من حقد مرير على علماء اللاهوت".
فماذا قدم الفتح الإسلامي لهم لتغيير حالتهم تلك؟ .
1 -
لقد خلَّصهم من الضرائب العالية المرهقة، ولم يأخذ منهم إلا العشر مما كان يأخذه الروم.
2 -
وضمن لهم الحرية الدينية المطلقة، وقد اعترف "أرنولد" بأن الفتح الإسلامي قد جلب للقبط:(حياة تقوم على الحرية الدينية التي لم ينعموا بها قبل ذلك)(1).
ومن اعترافه أيضًا قوله: كفل - عمرو بن العاص - الحرية في إقامة الشعائر الدينية، وخلَّصهم بذلك من هذا التدخل المستمر الذي أنُّوا من عبئه الثقيل في ظل الحكم الروماني، ولم يضع عمرو يده على شيء من ممتلكات الكنائس، ولم يرتكب عملًا من أعمال السلب والنهب.
"وليس هنالك شاهد من الشواهد يدل على أن ارتدادهم عن دينهم القديم ودخولهم في الإسلام على نطاق واسع كان راجعًا إلى الاضطهاد أو ضغط يقوم على عدم التسامح من جانب حكامهم الحديثين"(2)"بل لقد تحول كثير من هؤلاء القبط إلى الإسلام قبل أن يتم الفتح". (3)
(1) الدعوة إلى الإسلام ص 123.
(2)
الدعوة إلى الإسلام ص 24.
(3)
المصدر السابق.
3 -
أسبانيا:
"أما عن حمل الناس على الدخول في الإسلام أو اضطهادهم بأية وسيلة من وسائل الاضطهاد في الأيام الأولى التي أعقبت الفتح العربي الإسلامي، فإننا لا نسمع عن ذلك شيئًا، وفي الحق أن سياسة التسامح الديني التي أظهرها هؤلاء الفاتحون نحو الديانة المسيحية، كان لها أكبر الأثر في تسهيل استيلائهم على هذه البلاد". كما ذكر "دوزي Dozy" تسامح العرب في أسبانيا مظهرًا رحمة الفاتحين، وشر الضرائب التي فرضت والتي كانوا يدفعون أضعافها مضاعفة. (1)
وفي معرض الحديث عن حكم العرب لأسبانية ورد في "المعرفة": "إن حكمهم لأسبانيا اتسم بالحكمة، ولم يكرهوا الناس على الدخول في دينهم، اكتفاء بدفع الجزية، وغدت أسبانيا في عهود حكمهم تنعم بأوفى قسط من الرخاء والرفاهية". (2)
"وقد بلغ تأثير الإسلام في نفوس معظم الذين تحولوا إليه من مسيحصي أسبانيا مبلغًا كبيرًا، حتى سحرهم بهذه المدنية الباهرة، واستهوى أفئدتهم بشعره وفلسفته وفنه الذي استولى على عقولهم وبهر خيالهم"(3).
هذا .. ولما خرج العرب المسلمون من أسبانية في 2 كانون الثاني سنة 1492 م "كان الأهالي المساكين لا يزالون يتمسكون بدين آبائهم، مع أنهم أرغموا على إظهار تدينهم بالمسيحية أكثر من قرن"(4)، ثم خرج هؤلاء إلى الطرف الآخر من البحر، إلى المغرب، فارِّين بدينهم.
فهل دخلت أسبانيا في الإسلام بالإكراه وحد السيف؟
4 -
أوربا الشرقية:
(1) المصدر السابق ص 157.
(2)
موسوعة المعرفة: جـ 43 ص 684 الطبعة العربية.
(3)
الدعوة إلى الإسلام ص 164.
(4)
الدعوة إلى الإسلام ص 164، عن Lea، the Moriscos، 259 p .:
بعد فتح القسطنطينية عام 1453 م: انطلق العثمانيون في أوربا الشرقية، فهل دخلت مناطق البلقان ويوغسلافيا وألبانيا
…
في الإسلام بقوة السيف؟
لنرى ماذا عمل فاتح القسطنطينية بعد سقوطها بيده مباشرة، مكتفين بما جاء في كتاب توماس أرنولد.
"ومن أولى الخطوات التي اتخذها محمد الثاني - الفاتح - بعد سقوط القسطنطينية وإعادة إقرار النظام فيها، أن يضمن ولاء المسيحيين بأن أعلن نفسه حامي الكنيسة الإغريقية. فحرَّم اضطهاد المسيحيين تحريمًا قاطعًا، ومنح البطريق الجديد مرسومًا يضمن له ولأتباعه ولمرؤوسيه من الأساقفة حق التمتع بالامتيازات القديمة، والموارد والهبات التي كانوا يتمتعون بها في العهد السابق، وقد تسلَّم جناديوس، أوَّل بطريق بعد الفتح التركي، من يد السلطان نفسه، عصا الأسقفية التي كانت رمز هذا المنصب، ومعها كيس يحتوي على ألف دوكة ذهيبة"(1).
لم يتدخل الفاتحون في أمور الكنيسة "بعكس السلطة المدنية التي كانت مخولة للدولة البيزنطية"(2). سمح لهم بالاحتفال بطقوسهم الدينية تبعًا لعاداتهم القومية (3).
5 -
في بلاد فارس وما وراء النهر:
وحول انتشار الإسلام في بلاد فارس وما وراء النهر، فقد وضح توماس أرنولد ظروف انتشاره في المنطقة، وذلك في مقدمة الباب السابع في كتابه "الدعوة إلى الإسلام"، ولكنه سبق ذلك بوصف لمظالم الدولة الساسانية في شعبها، واستبدادها الذي امتاز بضروب الفوضى والعنت، فصار الشعب يكره ويمقت حكامه، وخاصة عندما تبنت الدولة الديانة الزوادشتية، وسمحت لكهنة هذه الديانة بالسيطرة حتى على بعض الأمور المدنية، وظهر الفتح الإسلامي كمخلص للشعب من حكم الساسانيين وذلك باعتراف "غيتاثي"(4).
(1) الدعوة إلى الإسلام ص 170 - 171: phrantzes م، 6 - 305. p .
(2)
الدعوة إلى الإسلام ص 171.
(3)
الدعوة إلى الإسلام ص 171، عن: Finaly، 522. م. vol.iii
(4)
Caitani، vol.iii، 911 - 910 . PP.،.
لذلك لا غرابة أن يعترف أكثر من مستشرق: (أن سكان المدن وخاصة الصناع وأصحاب الحرف وأهل الطبقة العاملة قد رحبوا بالدين الإسلامي، واعتنقه عدد عظيم منهم في حماسة كبيرة)(1).
فهل دخلت بلاد فارس وما وراء النهر في الإسلام بالسيف أم عن اقتناع وإعجاب ومسالمة وأمن ومحبة فأخلصوا لهذا الدين عن صدق ومحبة خارقة جادة؟
ومما هو جدير بالذكر، أن هذه المنطقة قدمت للدين الجديد والحضارة العربية الإسلامية خدمة لا تقدر، فلقد أخلص أبناء هذه المنطقة لدين الفاتحين ولغتهم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعلوم الحضارة الجديدة، فهل نقبل أن من يقوم بمثل هذه الخدمة قد دخل مكرهًا في الإسلام؟ لو دخل مكرهًا لاستعمل عقله وفكره وقلمه ودواته لتخريب عقيدة الفاتحين ومحاربتها، ولكنهم كرَّسوا أنفسهم مخلصين لخدمة الحضارة الإسلامية فأفنوا حياتهم وهم في كل لحظة حريصون على أن يخدموا علوم الإسلام في كل مجالاتهم، فبرز من الأسماء الكثير، أسماء تحمل أسماء المدن في هذه المنطقة مثل: الطبري "المؤرخ والمفسر المشهور"، ابن خرداذبة "الجغرافي المعروف". الشهرستاني "صاحب الملل والنحل"، البخاري "المحدِّث الكبير"، وعشرات غيرهم من العلماء في كل الميادين العلمية مثل: أبو علي الحسين بن سينا، أبو بكر الرازي، أبو حنيفة الدينوري، أبو الريحان البيروني، محمد بن موسى الخوارزمي، أبو الوفاء البوزنجاني
…
فهل خدم هؤلاء الحضارة العربية الإسلامية عن إكراه أم عن قناعة وإعجاب، ثم عن تعلق وافتداء؟ .
6 -
المغول والتتر:
(1) الدعوة إلى الإسلام ص 237.
جاءت موجات هؤلاء من الشرق فاندحرت جيوش المسلمين أمام أمواج مدهم الكبير، ولم ينزل من الخطوب والويلات مثل ما نزل من جراء وحشية المغول الذين اكتسحوا كل مدنية وثقافة وداسوها، تاركينها وراءهم صحراء خالية وأطلالا دارسة، "ففي بخارى اتخذ المغول من مساجدها المقدسة اصطبلات لخيولهم (1) ومزَّقوا المصاحف ووطئوها بدوابهم" وكذلك في سمرقند وبلخ وغيرها من مدن آسيا الوسطى التي كانت من قبل فخر الحضارة الإسلامية، ومواطن الأولياء وكعبة العلوم، كما كان ذلك أيضًا مصير بغداد".
وابن الأثير أخذته القشعريرة حين أراد وصف غارات المغول، حيث يقول:"لقد بقيت عدة سنين معرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها كارهًا لذكرها، فأنا أقدم إليه"رجلًا" وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا "ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا" (2).
وتكفينا هذه الفكرة عن المصيبة التي حلت بالحضارة الإنسانية، وخاصة بإغراق كتب مكتبة "دار الحكمة" التي أسسها هارون الرشيد، وآتت أكلها أيام المأمون في نهر دجلة، فبقي أيامًا يجري ومياهه سوداء من لون الحبر الأسود.
وهكذا إن الحضارة قد تأخرت قرونًا بسبب ضياع علوم هذه المكتبة الإسلامية الفريدة من نوعها.
أمام هذا الانكسار العسكري أمام المغول الذين اكتسحوا العالم من الصين حتى فلسطين، كان لابدّ من إثبات أن الإسلام ليس كغيره من المبادئ التي ظهرت في هذا العالم، فأمام عظمته الذاتية، وبتحرك غريب، لا ندري كيف كان الله عز وجل يكتب له النصر!
لقد كان لابدّ للإسلام أن ينهض من تحت أنقاض عظمته الأولى، وأطلال مجده التالد، في كل مرّة وبطريقة جديدة. فاستطاع بدعاته أن يغزو قلوب أولئك الفاتحين المتبربرين،
(1) الدعوة إلى الإسلام ص 249.
(2)
الكامل في التاريخ لابن الأثير: 12/ 243 - 244 وذلك في حوادث سنة 617 هـ.
وقام صراع غريب وتنافس كبير بين الأديان لاجتذاب هؤلاء الوثنيين البرابرة (على حد قول أرنولد)، "تلك المعركة الحامية التي قامت بين البوذية والمسيحية والإسلام، كل ديانة تنافس الأخرى لتكسب قلوب أولئك الفاتحين القساة"(1).
فبالدعاة، وبالدعاة فقط، تراجع القوم، ورجعوا إل بلادهم يحملون الإسلام إلى أبناء جلدتهم، جاؤوا ببربرية وقسوة وحصاد للشعوب بلا رحمة، وآبوا بإنسانية ورحمة ومحبة للعالم أجمع، حوَّلهم الإسلام بدون سيف أو جيش، إلَّا سيف الكلمة الطيبة والحكمة والموعظة الحسنة، التي حمل الدعاة لواءها
…
، فخرقوا القلوب بنور توجهاتهم، في أن فتح المغول بلادنا حتى فتح العلماء العاملون قلوبهم، فملكناهم وملكنا أرضنا التي عادت إلينا.
وهكذا
…
انتصر وانتشر الإسلام في وجه السيف .. ولم ينتصر أو ينتشر بحده ..
لقد حول الدعاة المسلمون المغول إلى دعاة مسلمين، فعادوا بعد أن صار في جيش "بركة خان" كل فارس وسجادة صلاته معه (2) أينما حل الأذان قام للصلاة مجيبًا نداء:"حيَّ على الصلاة. حيَّ على الفلاح ..... ".
وتبع هذا النصر نصر آخر، الا وهو دخول الإسلام إلى روسيا ليس بالسيف، ولكن بفضل ما يسميه المؤرخون "القوة المعنوية التي تميز بها المسلمون أنفسهم"(3) وهذه القوة هي قوة الإيمان، قوة الإيمان بالمبدأ الذي خالط اللحم والعظم والدم. إنها قوة الإسلام الكامنة في ثناياه، قوة البقاء والبقاء للأفضل، ويقول "أرنولد" بصراحة:"بدأ الإسلام يتخلَّص تدريجيًّا من أطلال مجده السالف، ويتخذ مكانه من جديد باعتباره دينًا ذا سيادة"(4). بدأ هذا الإسلام رغم "نكبة المغول" في عملية مد عنيفة بين التتر في أواسط آسيا وفي روسيا.
(1) الدعوة إلى الإسلام ص 269.
(2)
الدعوة إلى الإسلام ص 269 - 270.
(3)
المصدر السابق ص 276.
(4)
المصدر السابق ص 269.