الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمرات هذه النبوءات الكاذبة:
يجمع كل هذه الدعوات أن ثمراتها جميعها كانت خبيثةً، كالدعوة للزنا، والذبح للأصنام وادعاء الألوهية، كما أن هذه الدعوات ماتت ولم تعد لها أية ثمرة، بالرغم من وجود بعض الخوارق لأصحابها.
أما ثمرات النبي محمد صلى الله عليه وسلم فثمرته باقية ودعوته خالدة، وهي ثمرة الصدق والحق والفضيلة.
الثمرة الأولى: التوحيد الخالص لله عز وجل
-:
إنه لكي نعرف فضل الإسلام والنور الذي أتى به لا بد أولًا أن نعرج على الشرك الموجود بين الأمم والشعوب القديمة والحالية الآن.
1 -
في الهند: يوجد في الهند الآن حوالي 200 مليون بقرة، وهذه الأبقار تعتبر عندهم مقدّسة، وبالتالي فإنهم لا يستفيدون منها بتاتًا، ويحرمون ذبحها؛ بل وأكثر من هذا فإن الشعب الهندي كله مسخر لخدمتها، وتعيش على حسابه، فكم تحتاج هذه الأبقار إلى مراع ومزارع؟ ، وكم تعطل من طاقات؟
بالإضافة إلى هذا فإن للبقرة سلطانًا على كل شيء في حياتهم، حيث تقف البقرة في وسط الطريق فتقف وراءها السيارات ولا يزعجها أحد حتى تمضي. وتبول في أي مكان، وتخثي في أي مكان، وتعتدي على مال أي إنسان، ولا أحد يجرؤ على أن يعترض سبيلها بشيء.
فانظر كيف جعل شرك البشر مسخرًا لخدمة البقر! فالحمد لله على نعمة العقل.
2 -
في مصر القديمة أيام الفراعنة: نجد في مصر اليوم أهرامات ضخمة جدًا، وأحجارها ضخمة جدًا، نقلت من أماكن بعيدة جدًا، نقلها آلاف من أبناء الشعب المصري إلى منطقة الأهرامات، وتعبت في بناء هذه الأهرامات آلافُ الأدمغة وآلافُ الأيدي من أجل ماذا؟ ، من أجل أن يصنعوا قبرًا لفرعون الذي كانوا يعبدونه كإله؟ !
فانظر كيف جعل الشرك كل هذا الجهد والقوى والمال مسخرًا لخدمة فرد من البشر! ! . (1)
(1) الرسول. . . سعيد حوى (2/ 145).
3 -
الطائفة الإسماعيلية: في العالم اليوم حوالي 13 مليونًا من الطائفة الإسماعيلية، التي تعبد رجلًا كإله، وتقدم له كل عام خمس أموالها، حيث تجعله في كفة ميزان، وتجعل الذهب في كفة أخرى حتى يتساويا، وتقدمه له كهديةٍ سنويةٍ.
فانظر إلى هذه الصورة من صور الشرك كيف أن ثلاثة عشر مليونًا من البشر مسخرين لخدمة فرد واحد قد يكون من أفجر الناس وأفسق الناس.
ومن صور الوثنية القديمة والحديثة الشيء الكثير ونضرب أمثلة لها:
1 -
عند العرب: عن أبي رجاء العطاردي قال: (كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرًا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا حثوةً من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طُفنا به). (1)
وقال الكلبي: كان الرجل إذا سافر فنزل منزلًا أخذ أربعة أحجار، فنظر إلى أحسنها فاتخذه ربًّا وجعل ثلاثًا - أثافي لقدره إذا ارتحل تركه.
وقال أيضًا: كان لأهل كل دار من مكة صنم في دارهم يعبدونه، فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، وإذا قدم من سفر كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أيضًا يتمسح به. (2)
2 -
عند الهنود: يقول أبو الحسن الندوي في كتابه "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" عن حال الوثنية في الهند: "بلغت الوثنية أوجها في القرن السادس فقد كان عدد الآلهة في "ويد" ثلاثةً وثلاثين، وقد أصبحت في هذا القرن 330 مليونًا، وقد أصبح كل شيء رائعًا وجذَّابًا، وكل مرفق من مرافق الحياة إلهًا يُعبد. . وهكذا، وهكذا جاوزت الأصنام والتماثيل والآلهة والإلاهات الحصر وأربت على العدِّ، فمنها أشخاص تاريخية، وأبطال تمثل فيهم الله - زعموا - في عهود وحوادث معروفة، ومنها جبال تجلى عليها بعض آلهتهم، ومنها معادن
(1) رواه البخاري (4376).
(2)
انظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جواد على (11/ 66).
كالذهب والفضة تجلى فيها إله، ومنها نهر الكنج الذي خرج من رأس "مهاديو" الإله، ومنها آلات الحرب وآلات الكتابة وآلات التناسل وحيوانات أعظمها البقرة والأجرام الفلكية وغير ذلك، وأصبحت الديانة نسيجًا من خرافات وأساطير وأناشيد وعقائد وعبادات ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يستسغها العقل السليم في زمن من الأزمان". (1)
3 -
عند الفرس: كانوا يعبدون ملوكهم ونيرانهم.
4 -
اليابانيون: يعتبرون ملكهم ابن الشمس المعبودة.
5 -
اليونانيون: يعبدون إلاهًا للمطر وإلاهًا للحرب وإلاهة للحب .. وهكذا.
والخلاصة:
أن الإنسان اعتبر نفسه أقل من الحجر، وأقل من الشمس، وأقل من الحيوانات، وأقل من مظاهر الطبيعة كلها؛ بل جعلها في مقام السيد، وجعل نفسه في مقام العبد الذليل، وجعلها تتحكم فيه بواسطة وبغير واسطة.
وأما عند النصارى فقد سبق تفصيل عقيدتهم. (2)
وأما بالنسبة للإلحاد فقد ألحد أُناسٌ قديمًا وحديثًا.
ومعنى الإلحاد أن الإنسان اعتبر نفسه عبدًا للكون كله بدلًا من أن يعبد جزءًا منه، وخلع على الكون كله صفات الألوهية، فالكون يخلق ويرزق، ويعطي ويمنع، ويحيي ويميت. . . .
وفي نهاية الأمر اعتبر الإنسان نفسه أعظم ما في الكون فعبد نفسه، واعتبر نفسه هو مصدر التشريع، ومصدر الحاكمية، ومصدر الأمر والنهي، وهو حرٌّ أن يفعل ويترك ما شاء، فغلبتهم شهواتهم، وظلموا بعضهم، وأصبح كلُّ واحد من هؤلاء يعتبر نفسه إلاهًا يفعل ما يشاء، لا رادَّ لحكمه فحدث على أيديهم من المآسي ما يندى له جبين البشرية كلها، حتى إنه قتل في عهد ستالين وحده تسعة عشر مليونًا من أبناء الاتحاد السوفيتي.
(1) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن الندوي (ص 69).
(2)
انظر مبحث تحريف الكتاب المقدس من هذه الموسوعة.
وأما الإسلام دين النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو الذي وضع الإنسان في مكانه الصحيح فعلمه: أن الكون كلَّه - قَمرَهُ وشمسَهُ ونجومَهُ وأرضَهُ وحيواناتِهِ من بقر ونمر وأسد وعجل، ونباتاتِهِ كلِّها، وأحجاره ومعادنه وكل شيء فيه خلق للإنسان.
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]، وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].
والإنسان هو أكرم مخلوق على وجه الأرض، فمن حقه أن يستفيد من هذا الكون إلى أقصى درجة ممكنه في حدود "لا ضرر ولا ضرار"، قال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].
2 -
وأن الله خالق الكون والإنسان، وهو وحده الإله المتصف بكل كمال، المنزه عن كل نقص، المستحق وحده للعبادة، والإنسان عبد وحده.
قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]، فالناس كلهم عبيد لله ورسولهم ونبيهم وملكهم وخادمهم وكبيرهم وصغيرهم، ولا يجوز أن يعطوا عبوديتهم لأحد سواه.
قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110].
الله أكبر. . . كل الكون للإنسان، والإنسان لله، مقام الإنسان السيادة على المخلوقات؛ لأنها مسخّرة له والعبودية لله وحده.
فانظر كيف نقل محمد صلى الله عليه وسلم البشر من أحطّ الدركات إلى أعلى الدرجات.
وبهذه النظرة الإيجابية إلى الكون والإنسان، فتح المسلم أقفال الكون بالتجربة والمشاهدة، يدفعه في ذلك عقيدة أن الكون كله للإنسان، وعليه أن يستفيد منه، ولئن وصلت الحضارة الغربية اليوم إلى القمة في تسخير الكون، فذلك لأنها تأثرت بالحضارة الإسلامية، ولولا ذلك لما كان في أوروبا حضارة ولا علم وها هي بعض الأدلة على ذلك:
1 -
في (11: 12: 1862) أصدر البابا أبيوس التاسع قرارًا جاء فيه: لا يمكننا قبول العقل بغزو المجال المخصص لشئون الإيمان ليزرع فيه الاضطراب. (1)
وهذا الكلام له جذور في أصل النصرانية في العهد الجديد؛ إذ يقول بولس في رسالته الأولى إلى كورنثوس "27 بَلِ اخْتَارَ الله جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ". (1: 27).
وقال أيضًا "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ حَكِيمٌ بَيْنَكُمْ فِي هذَا الدَّهْرِ، فَلْيَصِرْ جَاهِلًا لِكَيْ يَصِيرَ حَكِيمًا! 19 لأَنَّ حِكْمَةَ هذَا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ الله، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: "الآخِذُ الْحُكَمَاءَ بِمَكْرِهِمْ". 20 وَأَيْضًا: "الرَّبُّ يَعْلَمُ أَفْكَارَ الْحُكَمَاءِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ". (2: 18 - 20).
أين هذا من قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
والأقوال الكثيرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحث على طلب العلم، ومنها:
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ الله بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَمَنْ في الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ في جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ". (2)
(1) محاصرة وإبادة، زينب عبد العزيز صـ 193.
(2)
رواه أبو داود (3643)، ابن ماجه (223)، وقال الألباني: حسن لغيره/ صحيح الترغيب والترهيب (70).
تقول (زيغريد هونكة) المستشرقة الألمانية الشهيرة "لو أردنا دليلا آخر على مدى الهوة العميقة التي كانت تفصل الشرق عن الغرب، لكفانا أن نعرف أن نسبة 95 في المائة على الأقل من سكان الغرب في القرون: التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر كانوا لا يستطيعون القراءة والكتابة، وبينما كان شارل الأكبر يجهد نفسه في شيخوخته لتعلم القراءة والكتابة. . . كانت الآلاف مؤلفة في المدارس في القرى والمدن تستقبل ملايين البنيين والبنات يجلسون على سجادهم الصغير يكتبون بحبر يميل إلى السواد فوق ألواح خشبية، . . . فلم تكن المساجد مجرد أماكن تؤدى فيها الصلوات فحسب؛ بل كانت منبرًا للعلوم والمعارف.
كما ارتفعت فيها كلمات الرسول فوق مجد التدين الأعمى. ألم يقل محمد أقوالًا، كان يكفي لأن يقولها في روما حتى يحاكم عليها بتهمة الهرطقة. . . لقد قدم العرب بجامعاتهم التي بدأت تزدهر منذ القرن التاسع، والتي جذبت إليها منذ عهد البابا سلفستر الثاني عددًا من الغربيين من جانبي جبال البرانس ظل يتزايد حتى صار تيارًا فكريًّا دائمًا. (1)
يقول د: لويس لونج "يجب ألا ننسى الوجه الآخر للصورة في العصور الوسطى، عندما عكفت أوروبا على علوم العرب من طبّ وفلسفة وطبيعة، واستمرّ ذلك لفترة طويلة. حتى إذا كان القرن الثامن عشر قبست منهم نار الرومانطقية، وفي القرن التاسع عشر سلبتهم أراضيهم، ثم بترولهم في القرن العشرين. وعلى الرغم من سجل أوروبا الطافح بالتزمت الفكري واللّاتسامح الديني، على النقيض من المسلمين، فإنها ظلت ترفض الاعتراف بما للعرب من يد طولى على حضارتها، وتتجاهل دورهم الحضاري وتقلّل من شأنه". (2)
وانظر إلى مدى التخلف الحضاري الأوروبي: في عام 1819 م ندّدت صحيفة كولونيا في ألمانيا بإضاءة شوارع المدينة بالغاز؛ إذ إن الإنسان في هذه الحالة قد حطّم إرادة الله التي
(1) شمس العرب تسطع على الغرب (369 - 374، 393 - 398).
(2)
انظر: الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، لواء: أحمد عبد الوهاب صـ 24.