الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودليل قوة الإسلام المتجددة التي تعتمد على القناعة والفكر: أن "نشطت الدعوة إلى الإسلام بيد تتار القرم بعد أن صدر مرسوم حرية الدين في سنة 1905"(1).
والآن نتساءل مع من يرى أن الإسلام انتشر بالسيف، كيف وصل الإسلام إلى: جنوب الهند وسيلان وجزر لكديف ومالاديف (2) في المحيط الهندي، وإلى التيبت وإلى سواحل الصين وإلى الفلبين وجزر أندونسيا وشبه جزيرة الملايو؟ كيف انتشر الإسلام في أواسط أفريقيا في السنغال ونيجريا والصومال وتنزانيا ومدغشقر وزنجبار
…
كيف وصل الإسلام إلى هناك؟ أبالسيف؟ وما وصلت إلى هناك جيوش تحمل سيوفًا؟ .
إنه وصل بواسطة تجار اتقد الإيمان في قلوبهم، فكانوا مع تجارتهم دعاة إلى الإسلام، دعاة بالكلمة الطيبة وبالعمل الذي هو دعوة ناطقة، فالصدق والأمانة والوفاء والمحبة .. كلها دعوات بطريقة عملية إلى دين الإسلام.
المبحث الثاني: منهاج الإسلام في دعوة الآخرين بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
رسم القرآن الكريم منهج الإسلام في الدعوة إلى الله (3) بقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125].
والدعوة بالحكمة تعني: الخطاب الذي يقنع العقول بالحجة والبرهان.
الموعظة الحسنة تعني: الخطاب الذي يستميل العواطف ويؤثر في القلوب رغبًا ورهبًا.
والجدال بالتي هي أحسن يعني: الحوار مع المخالفين بأحسن الطرق، وأرق الأساليب التي تقربهم ولا تبعدهم.
(1) المصدر السابق ص 276، عن: Islam and Missions، p. 257.
(2)
أهل مالاديف: دخلوا في الإسلام عن طريق التجار العرب والفرس الذين استوطنوا هذه البلاد، الدعوة إلى الإسلام، ص 302.
(3)
استفدنا هذا المبحث من الإرهاب والعنف والتطرف في ميزان الشرع إعداد: د. محمد على إبراهيم. اللجنة العلمية للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب.
ولنا عبر كثيرة في أنبياء الله في دعوة قومهم كما جاء ذلك في قصصهم في القرآن الكريم، فكانوا يبدؤون خطابهم ودعوتهم مع قومهم بـ (يا قوم) إشعارًا منهم بأنهم آحاد وأفراد منهم، مع رقة الأسلوب ولين الجانب.
فانظر مثلًا دعوة نوح لقومه في سورة الشعراء وغيرها: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَال لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالمِينَ (109)} [الشعراء: 105 - 109].
وفي سورة الأعراف: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَال يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
وقال تعالى عن هود عليه السلام {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَال يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)} [الأعراف: 65].
وعن صالح: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَال يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 73]. وعن شعيب: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَال يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 85].
وانظر خطاب أبي الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لأبيه في دعوته إلى توحيد الله تعالى والابتعاد عن عبادة الأوثان، فإنه في قمة الرقة والرأفة واللين والرحمة.
يقول الله - تعالى - على لسانه عليه السلام سورة مريم: {إِذْ قَال لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)} [مريم: 42 - 45].
وعندما ردّه أبوه ردًا سيئًا بقوله: {قَال أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)} قال له عليه السلام: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)} [مريم: 46 - 47]. وهذه أيضًا من صفات المؤمنين، يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره: فعندها قال إبراهيم لأبيه: {سَلَامٌ عَلَيْكَ} كما قال - تعالى - في صفة المؤمنين: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالوا سَلَامًا} (الفرقان: 63)، وقال - تعالى - عنهم:{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالوا لَنَا أَعْمَالنَا وَلَكُمْ أَعْمَالكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)} (القصص: 55).
ومعنى قول إبراهيم: {سَلَامٌ عَلَيْكَ} : أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى، وذلك لحرمة الأبوة (1).
ونموذج آخر من رسل الله عليهم السلام هو نبي الله موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية: {فَقَال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات: 24). وقال: {وَقَال فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص: 38)، حيث أمره سبحانه وتعالى هو وأخاه هارون بتليين القول لفرعون:{اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} [طه: 42 - 44]، ولذا وجدنا موسى عليه السلام حين ذهب إلى فرعون الطاغية قال له:{فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)} [النازعات: 18، 19].
ويذكر في هذا المقام قصة الرجل الذي دخل على المأمون الخليفة العباسي رحمه الله، فأغلظ له القول في الدعوة والموعظة، فقال له المأمون وكان على علم وفقه: يا هذا، إن الله بعث من هو خير منك إلى من هو شر مني، وأمره بالرفق، بعث نبي الله موسى وهارون عليهما السلام وهما خير منك إلى فرعون وهو شر منى، وقال تعالى:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} فخصمه وحجه فأفحمه! ! !
(1) انظر تفسير ابن كثير، مريم:46.
ب - في السنة:
ونبي الرحمة المهداة الرؤوف الرحيم، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، يدعو إلى الرفق وينكر العنف في أحاديثه وسيرته ومنهجه في الحياة كلها، فهو صاحب الخلق العظيم:
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} هو المتمم لمكارم الأخلاق.
فها هي جملة مختصرة من توجيهاته وأحاديثه في الدعوة إلى الرفق والبعد عن العنف، وأن من حرم الرفق حرم الخير.
1 -
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"(1).
وسبب ورود هذا الحديث يدل على عظم خلق النبي صلى الله عليه وسلم، كما يدل على خبث نفوس اليهود وسوء طويتهم وفساد أخلاقهم وآدابهم، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:"استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك، فقلت - أي عائشة - بل عليكم السّام واللعنة، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"، قلت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: قلت: وعليكم.
2 -
ومن الأحاديث في هذا الباب عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا عائشة: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على غيره". (2)
3 -
وعن عائشة رضي الله عنها أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه"(3).
4 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير"(4).
(1) البخاري (6927).
(2)
مسلم (2593).
(3)
مسلم (2594).
(4)
رواه الترمذي في سننه (2013)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (874).