الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهموا منه التمثيل أو التشبيه، أو الذين ردوه، أو الذين جعلوا معنى الصورة الصورة الخاصة، وليست الصورة العامة التي بمعنى الصفات (1).
الوجه الخامس: وجوب الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، وأنه حق، والإيمان بظاهر الكتاب والسنة
.
اعلم أن أعظم ما يحتاج إلى معرفة مراده هو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأن على هذه المعرفة ينبني الاعتقاد والعمل (2).
قال ابن تيمية. وَلَا بُدَّ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَالحدِيثِ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِ الله وَرَسُولِهِ مِنْ الْأَلفَاظِ وَكَيْفَ يُفْهَمُ كَلَامُهُ (3).
والقاعدة عند أهل السنة والجماعة في نصوص الكتاب والسنة: أنهم يجرونها على ظاهرها، معتقدين أنه هو الحق الذي يوافق مراد الله تعالى، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، لا سيما ما ليس للرأي فيه مجال كنصوص الصفات والمعاد، وغيرها من أمور الغيب (4).
قَال الشَّافِعِيُّ: آمَنْت بِالله، وَبِمَا جَاءَ عَن الله، عَلَى مُرَادِ الله، وَآمَنْت بِرَسُولِ الله، وَمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، عَلَى مُرَادِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم (5).
ولو أراد الله ورسوله من كلامه خلاف حقيقته وظاهره الذي يفهمه المخاطب لكان قد كلفه أن يفهم مراده بما لا يدل عليه؛ بل بما يدل على نقيض مراده، وأراد منه فهم النفي بما يدل على غاية الإثبات (6).
(1) كتاب قسم العقيدة (شرح الفتوى 18/ 199: 201).
(2)
أحاديث العقيدة (50).
(3)
مجموع الفتاوى (7/ 1162).
(4)
القواعد المثلى (39).
(5)
مجموع الفتاوى (4/ 2).
(6)
الصواعق (1/ 310: 311).
والله تعالى يقول: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]، ويقول جل وعلا:{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)} [النساء: 26]، ويقول عن نبيه صلى الله عليه وسلم:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، وعلى هذا فالواجب حمل نصوص الكتاب والسنة على ظاهرها، واعتقاد أنه حق، فمن رام غير هذا مؤثرًا تحريفات المبطلين وتأويلات الجاهلين على بيان رب العالمين الذي قال عن نفسه:{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87]، وبيان رسوله الصادق الأمين الذي قال له ربه {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} (النساء 63)، فقد خاب وخسر وضل عن الصراط المستقيم والطريق القويم (1).
وهناك أدلة من الكتاب والسنة على أن ظاهر الكتاب والسنة يجب إجراؤه على ظاهره، قال تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، وقوله:{مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} [يوسف: 111]، وقوله:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)} [المائدة: 15]، وقال تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 193 - 195]، وقال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)} [يوسف: 2]، وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي (2).
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)} [البقرة: 159].
(1) أحاديث العقيدة (51).
(2)
القواعد المثلى (40).
قال ابن تيمية: فَقَدْ لَعَنَ كَاتِمَهُ - يعني كاتم العلم - وَأَخْبَرَ أَنَّهُ بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ، فكَيْفَ يَكُونُ قَدْ بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ قَدْ كَتَمَ الْحَقَّ وَأَخْفَاهُ وَأَظْهَرَ خِلَافَ مَا أَبْطَنَ؟ فَلَوْ سَكَتَ عَنْ بَيَانِ الْحَقِّ كَانَ كَاتِمًا، وَمَنْ نَسَبَ الْأَنْبِيَاءَ إلَى الْكَذِبِ وَالْكِتْمَانِ مَعَ كَوْنِهِ يَقُولُ: إنَّهُمْ أنبِيَاءُ فَهُوَ مِنْ أَشَرِّ الْمُنَافِقِينَ وَأَخْبَثِهِمْ وَأَبْيَنِهِمْ تَنَاقُضًا (1).
وقال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} [القمر: 17].
قال ابن القيم: تيسيره للذكر يتضمن أنواعًا من التيسير:
إحداها: تيسير ألفاظه للحفظ.
الثاني: تيسير معانيه للفهم.
الثالث: تيسير أوامره ونواهيه للامتثال.
ومعلوم أنه لو كان بألفاظ لا يفهمها المخاطب لم يكن ميسرًا له؛ بل كان معسرًا عليه فهكذا إذا أريد من المخاطب أن يفهم من ألفاظه ما لا يدل عليه من المعاني، أو يدل على خلافه فهذا من أشد التعسير وهو مناف للتيسير (2).
ومن أدلة السنة على أن الأصل في النصوص حملها على ظاهرها:
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ: "ترَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ"(3).
والبيضاء: الحجة الظاهرة القوية التي لا لبس فيها ولا اشتباه (4).
وقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "قد ترَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ
(1) مجموع الفتاوى (12/ 265).
(2)
الصواعق (1/ 331: 332).
(3)
ابن ماجة (43) بلفظ (إلا هلك)، مسند أحمد (4/ 126)، الحاكم (331)، وصححه الألباني في الصحيحة (937)، صحيح ابن ماجة (41).
(4)
لسان العرب: مادة بيض (1/ 396).