الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يأذن لعمرو بن العاص في العودة إلى مصر لمقاتلة الروم لتدربه على الحرب وهيبته في عين العدو، فأجاب الخليفة طلبهم، وكان القبط يحاربون مع العرب، ويقاتلون الروم خوفًا من أن يتمكنوا من البلاد ويأخذونها فيقع الأقباط في يدهم مرة أخرى) (1).
الفيلسوف المعروف "وولتر"(2): في سلسلة ما صرح به في وصف رسول الإسلام، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ما نصه:"وليس بصحيح ما يدعى من أن الإسلام استولى بالسيف قهرًا، على أكثر من نصف الكرة الأرضية؛ بل كان سبب انتشاره شدة رغبة الناس لاعتناقه، بعد أن أقنع عقولهم. وإن أكبر سلاح استعمله المسلمون لبث الدعوة الإسلامية هو اتصافهم بالشيم العالية، اتباعًا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم".
وفي الختام قال وولتر: "وهذا القول النزر (القليل) مني يكفي لتفنيد كل ما ذكره لنا مؤرخونا وخطباؤنا فارتكز به في ضمائرنا كثير من الأوهام الباطلة والأراجيف المتوارثة (بشأن الدين الإسلامي) لأن من الواجب أن يدحض الباطل الحق".
المبحث السابع: الإسلام يدعو إلى احترام العهود والمواثيق
.
الإسلام يدعو إلى احترام العهود والمواثيق إلى أبعد ما يظن كثير من محبي الأمن والسلام ويتجلى ذلك في الأحكام الآتية:
1 -
حرم القرآن الكريم على المسلمين محاربة الكفار الذين لم يوافقوا أقوامهم على حرب المسلمين، (وبرهنوا على ميلهم للسلم) وذلك باعتزال قومهم، والذهاب إلى دار الإسلام، أو إلى دار قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق، قال تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} (النساء: 90).
(1) المصدر السابق صـ 58 - 59.
(2)
فرانسوا ماري أروثة، الفرنسي 1694 - 1778 م.
2 -
أوجب القرآن الكريم إجارة المشرك والسماح له بالدخول إلى دار الإسلام إذا استجار بالمسلمين، لعل ذلك يمكنه من سماع كلام الله تعالى فيعرف الحق من الباطل، ثم أوجب على المسلمين أن يضمنوا أمنه وسلامه حتى يصل إلى مأمنه، في حالة بقائه على شركه ما دام مسالمًا ولم يقدم أذى لمسلم. قال تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} (التوبة: 6).
3 -
سوى القرآن الكريم بين دماء المعاهدين الذين يحترمون العهود والمواثيق ودماء المسلمين، ففرض على المؤمن إذا قتل أحدهم على سبيل الخطأ الدية، وهي نفس ما فرض عليه إذا قتل مؤمنًا على وجه الخطأ، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} (النساء: 92)، ثم قال بعد ذلك:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (النساء: 92) وذلك حسب ما قرره الفقهاء من دلالة الآية الكريمة.
هذا هو موقف القرآن الكريم من الذين يحترمون العهود والمواثيق.
(موقف القرآن الكريم من الذين لا يحترمون العهود بعد إبرامها).
أما الذين لا يحترمون العهود بعد إبرامها وإنما يتخذونها ذريعة ووسيلة يحتمون وراءها حينما يشعرون بضعف جانبهم، حتى إذا لاحت لهم الفرصة نقضوها وأشعلوها نار حرب من جديد، أما هؤلاء فقد أباح الله سبحانه وتعالى للمسلمين نبذ عهودهم واستئناف حالة الحرب معهم، وحثهم على تأديبهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم. قال تعالى:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57)} (الأنفال 55: 57)، وقال تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي
دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} (التوبة: 12).
وهذا هو المبدأ الذي طبق مع الذين نزلت فيهم براءة من الله ورسوله، فقد أعلن الله سبحانه وتعالى براءته وبراءة الرسول صلى الله عليه وسلم من هؤلاء المشركين، الذين لم يحترموا عهدًا ولم يراعوا ذمة ونبذ إليهم ما كان لهم من ميثاق؛ قال تعالى:{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1)} (التوبة: 1).
وأكد السبب في براءته منهم ونبذ عهودهم عندما أعلن الحفاظ على العهد وإتمام مدته مع الذين حافظوا عليه. قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 4). ثم أكد مرة أخرى فقال: كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} .
2 -
من المبادئ العظيمة التي قررها القرآن الكريم. أن الغدر حرام، وأن مفاجأة الامن بالشر لا تصح شرعًا ولا تجوز، وتقريرًا لهذا المبدأ:
(أ) فقد حرم على المسلمين أن يستبيحوا لأنفسهم نقض العهد من جانبهم إذا رأوا المصلحة في ذلك- دون أن يعلنوا الجانب الآخر بما اعتزموا عليه، قال تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)} .
(ب) ولم يجعل مجرد نبذ العهد وإعلان الخصم به مبيحًا للقتال العاجل وإنما أوجب إعطاءه مهلة لتغليب الأمر، وتدبير الشأن ويكون آمنًا فيها على نفسه، ونجد تطبيق ذلك مع الذين أعلن الله براءته وبراءة رسوله منهم، حيث يقول تعالى في إعلانهم:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 5).