الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد:
عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته، وتشتمل على هذه الوجوه:
الوجه الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته
.
الوجه الثاني: أقسام صفات الله.
الوجه الثالث: الاتفاق في الأسماء لا يقتضي التماثل في المسميات.
الوجه الرابع: كيف نفرق بين صفة الخالق وصفة المخلوق؟
الوجه الخامس: كل ما جاء في مخيَّلتك فالله بخلافه.
الوجه السادس: المشَبِّهُ يعبد صنمًا والمعطل يعبد عدمًا.
الوجه السابع: عقائد بعض الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته:
قال ابن القيم نقلا عن أهل السنة: وقالوا: نصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تشبيه، ولا تمثيل؛ بل طريقتنا: إثبات حقائق الأسماء والصفات، ونفي مشابهة المخلوقات، فلا نعطل، ولا نؤول، ولا نمثل، ولا نجهل، ولا نقول: ليس لله يدان، ولا وجه، ولا سمع، ولا بصر، ولا حياة، ولا قدرة، ولا استوى على عرشه، ولا نقول: له يدان كأيدي المخلوق، ووجه كوجوههم، وسمع وبصر وحياة وقدرة واستواء، كأسماعهم وأبصارهم وقدرتهم واستوائهم؛ بل نقول: له ذات حقيقة، ليست كالذوات، وله صفات حقيقة، لا مجازًا، ليست كصفات المخلوقين، وكذلك قولنا في وجهه تبارك وتعالى، ويديه، وسمعه، وبصره، وكلامه، واستوائه.
ولا يمنعنا ذلك أن نفهم المراد من تلك الصفات وحقائقها، كما لم يمنع ذلك من إثبات لله شيئًا من صفات الكمال من فهم معنى الصفة وتحقيقها؛ فإن من أثبت له سبحانه السمع والبصر أثبتهما حقيقة، وفهم معناهما، فهكذا سائر صفاته المقدسة، يجب أن تجري هذا المجرى، وإن كان لا سبيل لنا إلى معرفة كنهها وكيفيتها؛ فإن الله سبحانه لم يكلف عباده بذلك، ولا أراده منهم، ولم يجعل لهم إليه سبيلا؛ بل كثير من مخلوقاته، أو أكثرها لم
يجعل لهم سبيلا إلى معرفة كنهه وكيفيته، وهذه أرواحهم التي هي أدنى إليهم من كل دان؛ قد حجب عنهم معرفة كنهها وكيفيتها، وجعل لهم السبيل إلى معرفتها، والتمييز بينها، وبين أرواح البهائم، وقد أخبرنا سبحانه عن تفاصيل يوم القيامة، وما في الجنة والنار، فقامت حقائق ذلك في قلوب أهل الإيمان، وشاهدته عقولهم، ولم يعرفوا كيفيته وكنهه، فلا يشك المسلمون أن في الجنة أنهارًا من خمر وأنهارًا من عسل، وأنهارًا من لبن؛ ولكن لا يعرفون كنه ذلك، ومادته وكيفيته؛ إذ كانوا لا يعرفون في الدنيا الخمر إلا ما اعتصر من الأعناب، والعسل إلا ما قذفت به النحل في بيوتها، واللبن إلا ما خرج من الضروع، والحرير إلا ما خرج من فم دود القز، وقد فهموا معاني ذلك في الجنة من غير أن يكون مماثلا لما في الدنيا كما قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء.
ولم يمنعهم عدم النظير في الدنيا من فهم ما أُخبروا به من ذلك، فهكذا الأسماء والصفات، لم يمنعهم انتفاء نظيرها في الدنيا ومثالها من فهم حقائقها ومعانيها؛ بل قام بقلوبهم معرفة حقائقها، وانتفاء التمثيل والتشبيه عنها، وهذا هو المثل الأعلى الذي أثبته سبحانه لنفسه في ثلاثة مواضع من القرآن:
أحدها: قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)} (النحل: 60)
الثاني: قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)} (الروم: 27)
الثالث: قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (الشورى: 11) فنفى سبحانه المماثلة عن هذا المثل الأعلى، وهو ما في قلوب أهل سماواته، وأرضه من معرفته والإقرار بربوبيته وأسمائه وصفاته وذاته، فهذا المثل الأعلى هو الذي آمن به المؤمنون وأنس به العارفون، وقامت شواهده في قلوبهم بالتعريفات الفطرية المكملة بالكتب الإلهية المقبولة بالبراهين العقلية، فاتفق على الشهادة بثبوته العقل والسمع والفطرة، فإذا قال المثبت: يا الله!
قام بقلبه ربًا قيومًا قائمًا بنفسه مستويًا على عرشه مكلمًا متكلمًا سامعًا رائيًا قديرًا مريدًا فعالًا لما يشاء، يسمع دعاء الداعين، ويقضي حوائج السائلين، ويفرج عن المكروبين، ترضيه الطاعات، وتغضبه المعاصي، تعرج الملائكة بالأمر إليه، وتنزل بالأمر من عنده، وإذا شئت زيادة تعريف بهذا المثل الأعلى؛ فقدِّر قوى جميع المخلوقات اجتمعت لواحد منهم، ثم كان جميعهم على قوة ذلك الواحد، فإذا نسبت قوته إلى قوة الرب تبارك وتعالى لم تجد لها نسبة وإياها ألبتة، كما لا تجد نسبة بين قوة البعوضة وقوة الأسد، فإذا قدَّرت علوم الخلائق اجتمعت لرجل واحد، ثم قدَّرت جميعهم بهذه المثابة، كانت علومهم بالنسبة إلى علمه تعالى كنقرة عصفور من بحر، وإذا قدَّرت حكمة جميع المخلوقين على هذا التقدير، لم يكن لها نسبة إلى حكمته، وكذلك إذا قدَّرت كل جمال في الوجود اجتمع لشخص واحد، ثم كان الخلق كلهم بذلك الجمال؛ كان نسبته إلى جمال الرب تعالى وجلاله دون نسبة السراج الضعيف إلى جرم الشمس، وقد نبهنا الله سبحانه على هذا المعنى بقوله:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)} (لقمان: 27) فقدر البحر المحيط بالعالم مدادًا، ووراءه سبعة أبحر، تحيط به كلها مداد، تكتب به كلمات الله؛ نفدت البحار، وفنيت الأقلام التي لو قدرت جميع أشجار الأرض من حين خلقت إلى آخر الدنيا ولم تنفد كلمات الله
…
فهذا هو الذي قام بقلوب المؤمنين المصدقين العارفين به سبحانه من المثل الأعلى، فعرفوه به، وعبدوه به، وسألوه به، فأحبوه، وخافوه، ورجوه، وتوكلوا عليه، وأنابوا إليه، واطمأنوا بذكره، وأنسوا بحبه بواسطة هذا التعريف، فلم يصعب عليهم بعد ذلك فهم استوائه على عرشه، وسائر ما وصف به نفسه من صفات كماله؛ إذ قد أحاط عليهم بأنه لا نظير لذلك، ولا مثل له، ولم يخطر بقلوبهم مماثلته لشيء من المخلوقات، وقد أعلمهم سبحانه على لسان رسوله، أنه يقبض سماواته بيده، والأرض باليد الأخرى، ثم يهزهن، وأن السماوات السبع والأرضين السبع في كفه تعالى كخردلة في كف أحدكم، وأنه يضع السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال على أصبع، والشجر على أصبع، وسائر الخلق على