الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حق الحماية:
فأول هذه الحقوق هو حق تمتعهم بحماية الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي، وهذه الحماية تشمل حمايتهم من كل عدوان خارجي، ومن كل ظلم داخلي حتى ينعموا بالأمان والاستقرار.
(أ) الحماية من الاعتداء الخارجي:
أما الحماية من الاعتداء الخارجي فيجب لهم ما يجب للمسلمين، وعلى الإمام أو ولي الأمر في المسلمين بما له من سلطة شرعية، وما لديه من قوة عسكرية أن يوفر لهم هذه الحماية قال في "مطالب أولي النهى" من كتب الحنابلة:
يجب على الإمام حفظ أهل الذمة، ومنع من يؤذيهم، وفك أسرهم، ودفع من قصدهم بأذى إن لم يكونوا بدار حرب؛ بل كانوا بدارنا، ولو كانوا منفردين ببلد، وعلل ذلك بأنهم:(جرت عليهم أحكام الإسلام وتأبد عقدهم فلزمه ذلك كما يلزمه للمسلمين)(1).
وينقل الإمام القرافي المالكي في كتابه "الفروق" قول الإمام الظاهري ابن حزم في كتابه "مراتب الإجماع": إن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك صونًا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة (2). وحكى في ذلك إجماع الأمة.
وعلق على ذلك القرافي بقوله: فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صونًا لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم (3).
(ب) الحماية من الظلم الداخلي:
وأما الحماية من الظلم الداخلي فهو أمر يوجبه الإسلام ويشدد في وجوبه ويحذر المسلمين أن يمدوا أيديهم أو ألسنتهم إلى أهل الذمة بأذى أو عدوان، فالله تعالى لا يحب الظالمين ولا يهديهم؛ بل يعاجلهم بعذابه في الدنيا، أو يؤخر لهم العقاب مضاعفًا في الآخرة.
(1) مطالب أولي النهى 2/ 602 - 603.
(2)
الفروق 3/ 14 - 15، الفرق التاسع عشر والمائة.
(3)
نفس المصدر السابق.
وقد تكاثرت الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الظلم، وتقبيحه، وبيان آثاره الوخيمة في الآخرة والأولى، وجاءت أحاديث خاصة تحذر من ظلم غير المسلمين من أهل العهد والذمة.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من ظلم معاهدًا، أو انتقصه حقًّا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة"(1).
وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران أنه: "لا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر"(2).
ولهذا كله اشتدت عناية المسلمين منذ عهد الخلفاء الراشدين بدفع الظلم عن أهل الذمة، وكف الأذى عنهم، والتحقيق في كل شكوى تأتي من قبلهم.
كان عمر رضي الله عنه يسأل الوافدين عليه من الأقاليم عن حال أهل الذمة خشية أن يكون أحد من المسلمين قد أفضى إليهم بأذى، فيقولون له:(ما نعلم إلا وفاء)(3)، أي: بمقتضى العهد والعقد الذي بينهم وبين المسلمين، وهذا يقتضي أن كلا من الطرفين وفَّى بما عليه.
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا (4).
وفقهاء المسلمين من كافة المذاهب الاجتهادية صرحوا وأكدوا بأن على المسلمين دفع الظلم عن أهل الذمة، والمحافظة عليهم؛ لأن المسلمين حين أعطوهم الذمة قد التزموا دفع الظلم عنهم، وهم صاروا به من أهل دار الإسلام؛ بل صرح بعضهم بأن ظلم الذمي أشد من ظلم المسلم إثمًا (5).
(1) رواه أبو داود (3052)، والبيهقي في السنن الكبرى 9/ 205، وصححه الألباني في الصحيحة (445).
(2)
رواه أبو يوسف في الخراج صـ 72 - 73.
(3)
تاريخ الطبري 4/ 218.
(4)
المغني 8/ 445، البدائع 7/ 111، نقلًا عن: أحكام الذميين والمستأمنين صـ 89.
(5)
ذكر ذلك ابن عابدين في حاشيته، وهو مبني على أن الذمي في دار الإسلام أضعف شوكة عادة، وبظلم القوي للضعيف أعظم في الإثم.