الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - شبهة: ادعاؤهم أن الله عز وجل عنده كلب
.
نص الشبهة:
هل الله عنده كلب ويسلطه على الناس؟ .
واحتج هؤلاء بما روي عن هَبَّار بْن الْأَسْوَد رضي الله عنه أَنَّ عُتْبَة بْن أَبِي لَهَبٍ لَمَّا خَرَج فِي تِجَارَةٍ إِلَى الشَّام، قَال لِأَهْلِ مَكَّةَ: اعْلَمُوا أَنِّي كَافِرٌ بِالَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى، فَبَلَغَ قَوْلُهُ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم فَقَال:"سَيُرْسِلُ الله عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابه" قَال هَبَّار: فَكُنْت مَعَهُمْ. فَنزلْنَا بِأَرْضٍ كَثِيرَة الْأُسْدِ، قَال: فَلَقَدْ رَأَيْت الْأَسَد جَاءَ فَجَعَلَ يَشُمُّ رُءُوس الْقَوْم وَاحِدًا وَاحِدًا، حَتَّى تَخَطَّى إِلَى عُتْبَة فَاقْتَطَعَ رَأْسه مِنْ بَيْنهمْ.
والجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: ما نسب الله تعالى إلى نفسه ونسبه له رسوله صلى الله عليه وسلم فنحن نثبته له مع التنزيه.
الوجه الثاني: حديث "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك" لا يثبت.
الوجه الثالث: ماذا في كتب النصارى عن الله؟
وإليك التفصيل
الوجه الأول: ما نسب الله تعالى إلى نفسه، ونسبه له وسوله صلى الله عليه وسلم
-.
فنحن ننسبه كما جاء مع تنزيه الله تعالى عن التشبيه بالخلق، قال تعالى:{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَال يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)} [الأعراف: 73]، وقال تعالى:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97].
وقال تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)} [لقمان: 11]، وقال تعالى:{يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)} [يوسف: 87](يوسف: 87).
وقد وردت أحاديث كثيرة في بيت الله، وأسد الله، وسيف الله، ونحوها مما أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى.
قال ابن تيمية: فالصفات إذا أضيفت إليه كالعلم والقدرة والكلام والحياة والرضا والغضب ونحو ذلك: دلت الإضافة على أنَّها إضافة وصف له قائم به؛ ليست مخلوقة؛ لأن الصفة لا تقوم بنفسها، فلا بد لها من موصوف تقوم به، فإذا أضيفت إليه علم أنَّها صفة له.
لكن قد يعبر باسم الصفة عن المفعول بها:
فيسمى المقدور قدرة، والمخلوق بالكلمة كلامًا، والمعلوم علمًا، والمرحوم به رحمة. كقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة". (1)
وقوله تعالى فيما يروي عنه نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قال للجنة: "أنت رحمتي أرحم بك من أشاء". (2) ويقال للمطر والسحاب هذه قدرة قادر، وهذه قدرة عظيمة، ويقال في الدعاء: غفر الله لك علمه فيك، أي: معلومه.
وأما الأعيان إذا أضيفت إلى الله تعالى: فإما أن تضاف بالجهة العامة التي يشترك فيها المخلوق، مثل كونها مخلوقة ومملوكة له، ومقدورة، ونحو ذلك، فهذه إضافة عامة مشتركة. كقوله تعالى:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: 11].
وقد يضاف لمعنى يختص بها يميز به المضاف عن غيره مثل: (بيت الله)، (وناقة الله)، (وعبد الله)، (وروح الله)، فمن المعلوم اختصاص ناقة صالح بما تميزت به عن سائر النياق، وكذلك اختصاص الكعبة، واختصاص العبد الصالح الذي عبد الله، وأطاع أمره. وكذلك الروح المقدسة التي امتازت بما فارقت به غيرها من الأرواح.
فإن المخلوقات اشتركت في كونها مخلوقة مملوكة مربوبة لله يجري عليها حكمه وقضاؤه وقدره. وهذه الإضافة لا اختصاص فيها، ولا فضيلة للمضاف على غيره، وامتاز بعضها بأن الله يحبه ويرضاه ويصطفيه ويقربه إليه ويأمر به أو يعظمه ويحبه؛ فهذه الإضافة
(1) البخاري (6469).
(2)
البخاري (4850)، مسلم (2846).
يختص بها بعض المخلوقات؛ كإضافة البيت والناقة والروح، وعباد الله من هذا الباب وقد قال تعالى في سورة الأنبياء:{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالمِينَ (91)} [الأنبياء: 91].
فذكر امرأة فرعون التي ربت موسى بن عمران، وجمعت بينه وبين أمه، حتى أرضعته أمه عندها، وذكر مريم أم المسيح التي ولدته وربته، فهاتان المرأتان ربتا هذين الرسولين الكريمين، فلما قال هنا:(فنفخنا فيه) أي: في المرأة، و (فيه) أي: في فرجها، (من روحنا)، وقال هنا:{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} (مريم: 17) إلى قوله: {قَال إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)} [مريم: 19] دل على أن قوله: (روحنا) ليس المراد به أنه صفة لله؛ لا الحياة ولا غيرها، ولا هو رب خالق، فلا هو الرب الخالق، ولا صفة الرب الخالق؛ بل هو روح من الأرواح التي اصطفاها الله وأكرمها، كما تقدم في قوله:{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} ، وأن الأكثرين على أنه جبريل.
وهذا الأصل الذي ذكرناه من الفرق فيما يضاف إلى الله بين صفاته، وبين مملوكاته، أصل عظيم ضل فيه كثير من أهل الأرض من أهل الملل كلهم؛ فإن كتب الأنبياء التوراة والإنجيل والقرآن وغيرها أضافت إلى الله أشياء على هذا الوجه، وأشياء على هذا الوجه، فاختلف الناس في هذه الإضافة:
فقالت المعطلة - نفاة الصفات من أهل الملل -: إن الجميع إضافة ملك، وليس لله حياة قائمة به، ولا علم قائم به، ولا قدرة قائمة به، ولا كلام قائم به، ولا حب ولا بغض، ولا غضب ولا رضى؛ بل جميع ذلك مخلوق من مخلوقاته.
وهذا أول ما ابتدعته في الإسلام الجهمية، وإنما ابتدعوه بعد انقراض عصر الصحابة، وأكابر التابعين لهم بإحسان، وكان مقدمهم رجل يقال له: الجهم بن صفوان فنسبت الجهمية إليه، ونفوا الأسماء والصفات، واتبعهم المعتزلة، وغيرهم، فنفوا الصفات دون الأسماء، ووافقهم طائفة من الفلاسفة أتباع أرسطو.
وقالت الحلولية: بل ما يضاف إلى الله قد يكون هو صفة له، وإن كان بائنًا عنه؛ بل قالوا: هو قديم أزلي، فقالوا: روح الله قديمة أزلية صفة لله، حتى قال كثير منهم: إن أرواح بني آدم قديمة أزلية وصفة لله، وقالوا: إن ما يسمعه الناس من أصوات القراء ومداد المصاحف قديم أزلي، وهو صفة لله، وقال حذاق هؤلاء: بل غضبه ورضاه، وحبه وبغضه، وإرادته لما يخلقه قديم أزلي، وهو صفة الله، وكلامه الذي سمعه موسى قديم أزلي، وأنه لم يزل راضيا محبًا لمن علم أنه يطيعه قبل أن يخلق، ولم يزل غضبانًا ساخطًا على من علم أنه يكفر قبل أن يخلق، ولم يزل ولا يزال قائلًا: يا آدم! ، يا نوح! ، يا إبراهيم قبل أن يوجدوا، وبعد موتهم، ولم يزل: ولا يزال يقول يا معشر الجن والإنس قبل أن يخلقوا، وبعد ما يدخلون الجَنَّة والنار.
وأما سلف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين المشهورون بالإمامة فيهم، كالأربعة وغيرهم، وأهل العلم بالكتاب والسنة، فيفرقون بين مملوكاته، وبين صفاته، فيعلمون أن العباد مخلوقون، وصفات العباد مخلوقة، وأجسادهم، وأرواحهم، وكلامهم، وأصواتهم بالكتب الإلهية، وغيرها ومدادهم وأوراقهم والملائكة والأنبياء وغيرها، ويعلمون أن صفات الله القائمة به ليست مخلوقة؛ كعلمه، وقدرته، وكلامه، وإرادته، وحياته، وسمعه، وبصره، ورضاه، وغضبه، وحبه، وبغضه؛ بل هو موصوف بما وصف به