الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
رد الظلم والعدوان والدفاع عن النفس والأهل والمال والدين والوطن.
2 -
تأمين حرية الاعتقاد والتدين للمؤمنين الذين يحاول المعتدون من الكفار أن يفتنوهم عن دينهم، ويسدوا أمامهم طريق الحرية في التفكير والاعتناق.
3 -
حماية الدعوة الإسلامية التي تحمل الرحمة والأمن والسلام حتى تبلغ إلى الخلق جميعًا.
4 -
تأديب ناكثي العهد من المعاهدين أو الفئة الباغية على جماعة المؤمنين التي تتمرد على أمر الله وتأبى حكم العدل والإصلاح.
5 -
إغاثة المظلومين من المؤمنين أينما كانوا والانتصار لهم من الظالمين والمعتدين.
فلابد من أن نفرق بين الإرهاب الممنوع المؤدي إلى الضرر والهلاك وبين الجهاد المشروع المؤدي إلى تحقيق العدل والأمن وقمع أسباب الإرهاب والدمار (1). والإرهاب في المصطلح الغربي المعاصر: لا يفرق بين المحق والمبطل فمقاومة المحتل والرد عليه تسمى إرهابًا عندهم والاستسلام له يسمى سلامًا وتعاونًا؛ بل ولو طال بهم زمان لسموا كل مسلم إرهابيًّا (2).
المبحث السادس: شهادات منصفة من غير المسلمين
.
شهادة من نصارى الشام: منذ بداية ظهور الإسلام في القرن السابع كتب النصارى في الشام سنة 13 هـ أي في القرن السابع الميلادي إلى أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يقولون: "يا معشر المسلمين، أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا، أنتم أوفى لنا، وأرأف بنا، وأكف عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا"(3).
(1) انظر: الإرهاب والعنف والتطرف في ميزان الشرع د/ إسماعيل لطفي- اللجنة العلمية للمؤتمر العالمي من موقف الإسلام من الإرهاب 1425 هـ.
(2)
انظر الجذور التاريخية لحقيقة الغلو والتطرف والإرهاب والعنف د/ على الشبل- اللجنة العلمية للمؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب 1425 هـ - 2004 م.
(3)
فتوح البدان، البلاذري صـ 139. وانظر: الدعوة إلى الإسلام، توماس آرنولد، صـ 73، وكتاب الخراج، أبو يوسف، صـ 139.
واستمر هذا النهج في معاملة غير المسلمين عبر تاريخ الإسلام.
شهادة توماس آرنولد: وهو أبرز من أرخ لانتشار الإسلام في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" فإنه يؤكد على حقيقة السماحة الإسلامية فيقول: (إنه من الحق أن نقول: إن غير المسلمين قد نعموا بوجه الإجمال في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح لا نجد لها معادلًا في أوروبا قبل الأزمنة الحديثة، وإن دوام الطوائف المسيحية في وسط إسلامي يدل على أن الاضطهادات التي قاست منها بين الحين والآخر على أيدي المتزمتين والمتعصبين كانت من صنع الظروف المحلية أكثر مما كانت عاقبة مبادئ التعصب وعدم التسامح)(1).
ويضيف: كان المسيحيون يعيشون في مجتمعهم آمنين على حياتهم وممتلكاتهم ناعمين بمثل هذا التسامح الذي منحهم حرية التفكير الديني. تمتعوا وخاصة في المدن بحالة من الرفاهية والرخاء في الأيام الأولى من الخلافة" (2).
وقال: اجتذبت الدعوة المحمدية إلى أحضانها من الصليبيين عددًا مذكورًا حتى في العهد الأول، أي في القرن الثاني عشر، ولم يقتصر ذلك على عامة النصارى؛ بل إن بعض أمرائهم وقاداتهم انضموا أيضًا إلى المسلمين في ساعات انتصارات المسيحيين، فهل يمكن أن نقول: إن الإسلام انتشر بين الصليبيين بالقوة؟
شهادة يوحنا النقيوسي: وفي أقدم كتب التاريخ النصرانية حديث عن سماحة عمرو بن العاص مع نصارى مصر. وكيف أن تحرير الإسلام لهم من قهر الرومان وهزيمة الاستعمار الروماني بمصر على يد الجيش الإسلامي الفاتح إنما كان انتقامًا إلهيًّا من ظلم الرومان لمصر، واضطهادهم لنصارى مصر. ففي تاريخ "يوحنا النقيوسي" وهو معاصر للفتح وشاهد عليه.
(1) الدعوة إلى الإسلام توماس أرنولد صـ 729 - 703، ترجمة د/ حسن إبراهيم حسن. د/ عبد المجيد عابدين إسماعيل النحراوي.
(2)
انظر الدعوة إلى الإسلام توماس آرنولد صـ 81.
إن الله الذي يصون الحق لم يهمل العالم، وحكم على الظالمين ولم يرحمهم لتجرئهم عليه، وردهم إلى يد الإسماعيليين - (العرب المسلمين) - ثم نهض المسلمون وحازوا كل مدينة في مصر. وكان هرقل حزينًا. وبسبب هزيمة الروم الذين كانوا في مدينة مصر وبأمر الله الذي يأخذ أرواح حكامهم. مرض هرقل ومات. وكان عمرو بن العاص يقوى كل يوم في عمله، ويأخذ الضرائب التي حددها، ولم يأخذ شيئًا من مال الكنائس، ولم يرتكب شيئًا ما سلبًا أو نهبًا وحافظ على -الكنائس- طوال الأيام (1).
إنها شهادة شاهد عيان نصراني على هذه السماحة الإسلامية التي تجسدت على أرض الواقع ومتى؟ قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان! وهي سماحة نابعة من الدين الإسلامي. وليست كحقوق المواطنة التي لم تعرفها المجتمعات العلمانية إلا على أنقاض الدين، وبعد ما استقبل عمرو بن العاص البطريرك القبطي "بنيامين" وأمنه على نفسه، وكنائسه، ورعيته، وحرية عقيدته، بل وطلب منه أن يدعو له: أخذ "بنيامين" في زيارة كنائسه، وفي إعادة افتتاحها، وكان الناس يستقبلونه فرحين مرددين العبارات التي تشهد على أن هذا الفتح الإسلامي إنما هو عقاب إلهي للرومان جزاء الظلم الذي أوقعوه بالنصارى المصريين.
وعن هذه الحقيقة من حقائق سماحة التحرير الإسلامي لشعوب الشرق يقول الأسقف "يوحنا النقيوسي" في أقدم تأريخ للفتح الإسلامي لمصر كتبه شاهد عيان:
ويدخل الأنبا بنيامين بطريرك المصريين مدينة الإسكندرية بعد هروبه من الروم في العام 13 (أي العام الثالث عشر من تاريخ هروبه)، وسار إلى كنائسه، وزارها كلها، وكان الناس يقولون: هذا النفي، وانتصار الإسلام كان بسبب ظلم هرقل الملك، وبسبب اضطهاد الأرثوذكسيين على يد البابا كيرس البطريرك المعين من قبل الدولة الرومانية في
(1) تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي؛ رؤية قبطية للفتح الإسلامي صـ 201 - 220، ترجمة ودراسة د/ عمر صابر عبد الجليل.
مصر وهلك الروم لهذا السبب وساد المسلمون مصر (1).
ولقد عبر الأنبا بنيامين عن الأمان الذي أحلته سماحة الإسلام بمصر على أنقاض القهر والاضطهاد اللذين مارسهما الرومان -النصارى- ضد نصارى مصر! فقال وهو يخطب في دير "مقاريوس": لقد وجدت في الإسكندرية زمن النجاة والطمأنينة اللتين كنت أنشدهما بعد الاضطهادات والمظالم التي قام بتمثيلها الظلمة المارقون (2).
أما رجل الدين المسيحي -القبطي- ميخائيل السرياني فإنه يقول عن تحرير الفتح الإسلامي للنصرانية المصرية وعن سماحة الإسلام مع نصارى مصر:
لم يسمح الإمبراطور الروماني لكنيستنا المونوفيزيقية- (القائلة بالطبيعة الواحدة للمسيح) - بالظهور، ولم يصغ إلى شكاوى الأساقفة فيما يتعلق بالكنائس التي نهبت، ولهذا قد انتقم الرب منه، لقد نهب الرومان الأشرار كنائسنا وأديرتنا بقسوة بالغة واتهمونا دون شفقة، ولهذا جاء إلينا من الجنوب أبناء إسماعيل لينقذونا من أيدي الرومان، وتركنا العرب نمارس عقائدنا بحرية وعشنا في الإسلام (3).
شهادة المستر وينتروب كيهمبال الإنجليزي، فيما صرح به بشأن تعاليم الإسلام ووصفها ما نصه:
"ولم ينتشر الإسلام في العالم أجمع هذا الانتشار العجيب من أقصى شواطئ المحيط الهادي، إلى أقصى شواطئ المحيط الأطلانتيكي، في مدة قصيرة، إلا إنه قد امتاز بالمساواة والعدالة. وفي المدة الأخيرة ترى الدين الإسلامي يكتسح بلاد الملايو والصين واليابان والهند وأوروبا، لا بالسيف! ولكن بالعدالة والمساواة، وحرية الفكر ونشر روح الإخاء الحقيقي العملية، ومما يجدر بنا أن نلاحظ أن الإسلام ينتشر الآن في بلاد لم يصلها الحكم
(1) المصدر السابق صـ 220.
(2)
المصدر السابق صـ 220.
(3)
تاريخ مصر في العصر البيزنطي د/ صبري أبو الخير سليم صـ 62.
الإسلامي، ولم تعرف فتوحات الإسلام، ولكن الإسلام كما هو معروف عنه، إنما ينتشر كانتشار النور لا يشد تياره شيء".
شهادة السير سي بي راي الإنجليزي في ضمن ما صرح به في وصف الإسلام ما نصه: "
…
وإن الإسلام بطريقته المثلى استطاع التقدم من حدود الباسفيكي إلى حدود المحيط الأطلانتيكي، وبعد هذا سار الإسلام بخطوات واسعة في شبه جزيرة ملايو، وليس بسبب وجود السيف ولكن بسبب سياسته الطيبة الحرة".
شهادة توماس كارليل: في كتابه (الأبطال وعبادة البطولة) اتخذ فيه محمدًا صلى الله عليه وسلم مثلًا لبطولة النبوة، فقال ما معناه:"إن اتهام محمد بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم، إذ ليس مما يجوز في الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه، ليقتل به الناس أو يستجيبوا لدعوته، فإذا آمن به من يقدرون على حرب خصومهم فقد آمنوا طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من أعدائهم قبل أن يقدروا عليها".
شهادة مسيو أوجين يوغ الفرنسي في كتابه "يقظة الإسلام والعرب": "إن الإسلام عدا أنه دين ونهج سياسي حكيم، فإنه زبدة مختارة من البساطة والعدل، وهو كذلك النهج الاشتراكي الذي لا يمكن للعالم أن يتوفق إلى إيجاد نهج مثله من حيث سعة انتشاره، ومطابقته لمقتضيات العالم، وهو كذلك العدو الألد للاستعمار والشيوعية، ويلائم جميع الظروف، ويسير مع جميع المدنيات، وهذا هو السبب (لا غيره) الذي جعله يصادف انتشارًا واسعًا وسريعًا، وأن هذا الانتشار لدليل على أن الإسلام يوافق أمزجة البشر على اختلاف الجنسيات والنزعات والمشارب".
شهادة مسيو هنري دي كاسبري: في كتابه "الإسلام تأثرات ومباحث": "وهذه المحاسنة العظيمة من جهة المنتصر (المسلمين) للمقهور هي التي ضعضعت الديانة النصرانية جدًّا، حتى زالت بالمرة من شمال أفريقيا، على أن الإسلام لم يكن له دعاة يقومون بنشره (كما أن للنصرانية دعاة) ولم يكره على الأخذ (بالدين الإسلامي) أحدًا، بالسيف،
ولا باللسان، بل دخل القلوب عن حب واختيار، وكان هذا من آثار ما أودع في القرآن من صفات التأثير والأخذ بالألباب" (1).
تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: لعل من أهم عوامل انتصارات العرب ما فوجئت به الشعوب من سماحتهم، فما يدعيه بعضهم من اتهامهم بالتعصب والوحشية إن هو إلا مجرد أسطورة من نسج الخيال، تكذبها آلاف من الأدلة القاطعة عن تسامحهم وإنسانيتهم في معاملاتهم مع الشعوب المغلوبة. والتاريخ لا يقدم لنا في صفحاته الطوال إلا عددًا ضئيلًا من الشعوب التي عاملت خصومها والمخالفين لها في العقيدة بمثل ما فعل العرب. وكان لمسلكهم هذا أطيب الأثر مما أتاح للحضارة العربية أن تتغلغل بين تلك الشعوب بنجاح لم تحظ به الحضارة الإغريقية ببريقها الزائف ولا الحضارة الرومانية بعنفها في فرض إرادتها بالقوة) (2).
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} هذا ما أمر به القرآن الكريم، وبناء على ذلك فإن العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام. فالمسيحيون والزرادشتيون واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها، سمح لهم جميعًا دون أي عائق يمنعهم، بممارسة شعائر دينهم. وترك لهم المسلمون بيوت عباداتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى. أوَ ليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ وبعد فظائع الأسبان واضطهادات اليهود؟ إن السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجوا بأنفسهم في شئون تلك الشعوب الداخلية. فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع الميلادي لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف) (3).
(1) نقلًا من كتاب الإسلام الدين الفطري للطرازي صـ 96 وما بعدها.
(2)
شمس العرب تسطع على الغرب صـ 357 - 358.
(3)
شمس العرب تسطع على الغرب صـ 364.
(إن الإنسانية والتسامح العربي هما اللذان دفعا الشعوب ذات الديانة المختلفة إلى أن تعيش في انسجام مدهش، وأن تبدأ نموها وتوسعها وازدهارها، ولأول مرة يتحرر أصحاب المذاهب المسيحية من اضطهاد كنيسة الدولة فتنتشر مذاهبهم بحرية ويسر، واستطاع العربي بإيمانه العميق أن يكون أبلغ سفير وداعية لديانته، لا بالتبشير وإيفاد البعثات وإنما بخلقه الكريم وسلوكه الحميد. فكسب بذلك لدينه عددًا وفيرًا لم تكن أية دعاوى مهما بلغ شأوها لتستطيع أن تكسب مثله)(1).
(إن الأديرة المسيحية في سورية، التي كادت أن تنمحي في عصر الحكم المسيحي وصلت إلى ذروة عظمتها في الدولة الإسلامية، أوليس هذا بغريب؟ )(2).
أوليس من العجيب أن نتساءل لماذا نفسر كما يحلو لنا، والعرب المسلمون قد فتحوا فعلًا جزءًا من أوربة هو الأندلس، فلم يقضوا على المسيحية التي يزعمون أن شارل مارتل قد حماها، ولم يقضوا على المدينة الغريبة التي لم يكن لها وجود؟ ) (3).
شهادة غوستاف لوبون: فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم (4). ويتحدث عن صور من معاملة المسلمين لغير المسلمين فيقول: وكان عرب أسبانيا خلال تسامحهم العظيم يتصفون بالفروسية المثالية، فيرحمون الضعفاء، ويرفقون بالمغلوبين، ويقفون عند شروطهم، وما إلى ذلك من الخلال التي اقتبسها الأمم النصرانية بأوربا منهم مؤخرًا. (5)
(1) المرجع نفسه صـ 366 - 367.
(2)
المرجع نفسه صـ 36.
(3)
شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، دار صادر، بيروت، ترجمة فاروق بيضون وكمال دسوقي صـ 540 - 541.
(4)
انظر: حضارة العرب، غوستاف لوبون، صـ 720.
(5)
حضارة العرب، غوستاف لوبون، صـ 344، وانظر: السلوك أثره في الدعوة إلى الله، فضل إلهي، إدارة ترجمان الإسلام صـ 164.
شهادة هنري دي شامبون: مدير مجلة "ريفي بارلمنتير" الفرنسية: لولا انتصار جيش شارل مارتل الهمجي على العرب المسلمين في فرنسا لما وقعت بلادنا في ظلمات القرون الوسطى، ولما أصيبت بفظائعها، ولا كابدت المذابح الأهلية التي دفع إليها التعصب الديني المذهبي، لولا ذلك الانتصار الوحشي على المسلمين في بواتييه لظلت أسبانيا تنعم بسماحة الإسلام، ولنجت من وصمة محاكم التفتيش، ولما تأخر سير المدنية ثمانية قرون، ومهما اختلفت المشاعر والآراء حول انتصارنا ذاك فنحن مدينون للمسلمين بكل محامد حضارتنا في العلم والفن والصناعة، مدعوون لأن نعترف بأنهم كانوا مثال الكمال البشري في الوقت الذي كنا فيه مثال الهمجية (1).
شهادة المستشرق دوزي: "إن تسامح ومعاملة المسلمين الطيبة لأهل الذمة أدى إلى إقبالهم على الإسلام، وأنهم رأوا فيه اليسر والبساطة مما لم يألفوه في دياناتهم السابقة"(2).
شهادة بارتولد (3): كانت في بلاد الخلافة الممتدة من رأس سان فنسنت الواقعة جنوبي البرتغال إلى سمرقند مؤسسات مسيحية غنية، قد حافظت على أملاكها غير المنقولة الموقوفة عليها. وكان نصارى بلاد الخلافة يتعاملون مع عالم النصرانية بدون مشقة، ويتمكنون من أن يتلقوا منهم إعانات لمؤسساتهم الدينية، وكان في المؤتمر الديني الذي
(1) نقلًا عن: صور من حياة التابعين، عبد الرحمن الباشا صـ 420.
(2)
انظر: تاريخ أهل الذمة في العراق صـ 70 نقلًا عن: نظرات في تاريخ الإسلام، دوزي، صـ 411.
(3)
ق بارتولد 1879 - 1930 - V.Barghold. تخرج من جامعة بطرسبرغ 1891، وعين أستاذًا لتاريخ الشرق الإسلامي فيها 1901، فكان أول من درس تاريخ آسيا الوسطى. وعني بالشرق الإسلامي وحقق المصادر العربية المتعلقة به، وتخرج عليه عدد من المستشرقين. وقد انتخب عضوًا في مجمع العلوم الروسي 1912 ورئيسًا دائما للجنة المستشرقين فيه بعد الثورة البلشفية حتى وفاته.
تربو آثاره على الأربعمائة، أشهرها: تركستان عند غزو المغول لها- في مجلدين 1898 - 1909 - ، تاريخ دراسة الشرق في أوروبا وآسيا-1911، حضارة الإسلام- 1918، تاريخ تركستان- 1922، مغول الهند- 1928، تاريخ أتراك آسيا الوسطى-1934 وغيرها.
انعقد في القسطنطينية سنة 680 - 681 م مندوب من القدس أيضًا. ثم إن المسيحيين المقيمين ببلاد الخلافة كانوا مرتبطين بعضهم ببعض ارتباطًا وثيقًا) (1).
انتشر الدين الإسلامي في القرن الرابع للهجرة في قبائل الترك الرحل وفي بعض مدن التركستان الصينية بواسطة التجارة، وبدون استخدام أي سلاح فكان الأتراك الذين استولوا على البلاد الإسلامية في القرن الرابع الهجري مسلمين) (2).
"إن النصارى كانوا أحسن حالًا تحت حكم المسلمين؛ إذ إن المسلمين اتبعوا في معاملاتهم الدينية والاقتصادية لأهل الذمة مبدأ الرعاية والتساهل"(3).
يقول يعقوب نخلة (1847 - 1905 م) صاحب كتاب "تاريخ الأمة القبطية":
(ولما ثبت قدم العرب في مصر شرع عمرو بن العاص في تطمين خواطر الأهليين، واستمالة قلوبهم إليه، واكتساب ثقتهم به، وتقريب سراة القوم وعقلائهم منه، وإجابة طلباتهم).
وأول شيء فعله من هذا القبيل: استدعاؤه بنيامين البطريرك للحضور، والذي اختفى من أيام هرقل ملك الروم فكتب أمانًا وأرسله إلى جميع الجهات يدعو فيها البطريرك للحضور؛ ولا خوف عليه ولا تثريب، ولما حضر وذهب لمقابلته؛ ليشكره على هذا الصنيع أكرمه وأظهر له الولاء، وأقسم له بالأمان على نفسه وعلى رعيته، وعزل البطريرك الذي كان أقامه هرقل، ورد بنيامين إلى مركزه الأصلي معززًا مكرمًا، وكان بنيامين موصوفًا بالعقل والمعرفة والحكمة حتى سماه بعضهم الحكيم، وقيل: إن عمرًا لما تحقق ذلك منه قربه إليه، وصار يدعوه في بعض الأوقات يستشيره في الأحوال المهمة المتعلقة بالبلاد وخيرها، وقد حسب الأقباط هذا الالتفات منه عظيمة وفضلًا جزيلًا لعمرو، واستعان عمرو في تنظيم البلاد بفضلاء القبط وعقلائهم على تنظيم حكومة عادلة تضمن راحة
(1) تاريخ الحضارة الإسلامية صـ 54.
(2)
المرجع نفسه صـ 122.
(3)
تاريخ أهل الذمة في العراق لتوفيق سلطان، صـ 124، نقلًا عن الحضارة الإسلامية، بارتولد، صـ 19.
الأهالي، فقسم البلاد إلى أقسام يرأس كلا منها حاكم قبطي ينظر في قضايا الناس، ويحكم بينهم، ورتب مجالس ابتدائية واستئنافية مؤلفة من أعضاء ذوي نزاهة واستقامة، وعين نوابًا من القبط، ومنحهم حق التدخل في القضايا المختصة بالأقباط، والحكم فيها بمقتضى شرائعهم الدينية والأهلية، وكانوا بذلك في نوع من الحرية والاستقلال المدني وهي ميزة كانوا قد جردوا منها في أيام الدولة الرومانية.
وضرب عمرو بن العاص الخراج على البلاد بطريقة عادلة، وجعله على أقسام في آجال معينة حتى لا يتضايق أهل البلاد، وبالجملة فإن القبط نالوا في أيام عمرو بن العاص راحة لم يروها من أزمان (1).
هكذا تعلن هذه الشهادة القبطية التي نشرتها في طبعتها الثانية مؤسسة مارمرقس لدراسة التاريخ أن الفتح الإسلامي والسماحة الإسلامية قد حررا الأرض، والضمير، والإنسان. فأصبحت حكومة مصر لنصارى مصر لأول مرة في تاريخ النصرانية المصرية، كما شملت السماحة الإسلامية العدل في الاقتصاد والاجتماع، وجعلت الحاكمية لشرائع القبط الدينية والأهلية فيما هو خاص بأحوالهم الدينية، التي تركوا فيها وما يدينون.
وحتى يحافظ الأقباط على نعمة هذا التحرير وهذه السماحة الإسلامية فلقد هبوا عندما عاد الرومان إلى احتلال الإسكندرية سنة 25 هـ 646 م: في عهد الراشد الثالث عثمان بن عفان (47 ق. هـ. 35 هـ 537 - 656 م)، هبوا إلى القتال مع الجيش المسلم ضد الرومان النصارى، وطلبوا من الخليفة إعادة عمرو بن العاص لقيادة المعركة فعاد إلى مصر واستخلص الإسكندرية ثانية من أيدي الرومان، وبعبارة صاحب كتاب "تاريخ الأمة القبطية": فإن المقوقس والقبط تمسكوا بعهدهم مع المسلمين، ودافعوا عن المدينة (الإسكندرية) ما استطاعوا؛ واجتمعت كلمة القبط والعرب على أن يطلبوا من الخليفة أن
(1) يعقوب نخلة تاريخ الأمة القبطية صـ 54 - 57، تقديم د/ جودت جبرة.