الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقيت بعد تعديلها وتحريفها قوية الدلالة على معناها "الأصلي" من حملها على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم لأن حملها على غيره متعذر أو متعسر أو محال.
فهي أشبهُ ما تكون برسالة مغلقة محي "عنوانها" ولكن صاحب الرسالة قادر - بعد فضّها - أن يثبت اختصاصها به؛ لأن الكلام "الداخلي" الذي فيها يقطع بأنها "له" دون سواه؛ لما فيها من "قرائن" وبينات واضحة ونعرض - فيما يلي - بعضًا منها.
البشارة رقم (1)
1 وَهذِهِ هِيَ الْبَرَكَةُ الَّتِي بَارَكَ بِهَا مُوسَى، رَجُلُ الله، بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَ مَوْتِهِ، 2 فَقَالَ:"جَاءَ الرَّبُّ مِنْ سِينَاءَ، وَأَشْرَقَ لَهُمْ مِنْ سَعِيرَ (1)، وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ (2) "(التثنية 33: 1 - 2).
وفي التوراة السامرية: "ولهم لمع من جبل فاران ومعه ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم".
في هذا النص إشارة إلى ثلاث نبوات:
الأولى: نبوة موسى عليه السلام التي تلقاها على جبل سيناء.
الثانية: نبوة عيسى عليه السلام وساعير هي قرية مجاورة لبيت المقدس، حيث تلقّى عيسى عليه السلام أمر رسالته.
الثالثة: نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وجبل فاران هو المكان الذي تلقى فيه صلى الله عليه وسلم أول ما نزل عليه من الوحي، وفاران هي مكة المكرمة مولد ومنشأ ومبعث محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذه العبارة - مرة أخرى - تضمنت خبرًا وبشارتين:
فالخبر هو تذكير موسى بفضل الله عليه حيث أرسله إليهم رسولًا.
والبشارتان:
الأولى: خاصّة بعيسى عليه السلام. والثانية: خاصّة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
(1) سعير (ساعير) اسم لجبال فلسطين، واسم لقرية من قرى الناصرة بين طبرية وعكا. (معجم البلدان).
(2)
فاران: اسم مكة بالعبرانية، وقيل اسم لجبال مكة، وقد تطلق على جبال الحجاز كلها. (معجم البلدان).
وموقف اليهود منهما النفي: فلا الأولى بشارة بعيسى ابن مريم، ولا الثانية بشارة برسول الإسلام.
أما موقف النصارى فإن النفي - عندهم - خاص ببشارة رسول الإسلام. ولهم في ذلك مغالطات عجيبة، حيث قالوا:
إن "فاران" هي "إيلات" وليست مكة. وأجمع على هذا "الباطل" واضعوا كتاب: "قاموس الكتاب المقدس". وهدفهم منه واضح إذ لو سَلَّمُوا بأن "فاران" هي مكة المكرمة، للزمهم إمّا التصديق برسالة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، وهذا عندهم قطع الرقاب أسهل عليهم من الإذعان له. .؟ ! ، أو يلزمهم مخالفة كتابهم المقدس. ولم يقتصر ورود ذكر "فاران" على هذا الموضع من كتب العهد القديم، فقد ورد في قصة إسماعيل عليه السلام مع أمه هاجر حيث تقول التوراة:"وَرَأَتْ سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ، فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: "اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لَا يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ". فَقَبُحَ الْكَلَامُ جِدًّا فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ. 12 فَقَالَ الله لإِبْرَاهِيمَ:"لَا يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلَامِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. 13 وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ". (تكوين 21: 9 - 13).
وأيضًا "20 وَكَانَ الله مَعَ الْغُلَامِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ. 21 وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ، وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. "(سفر التكوين 21: 20 - 21).
على أنه يلزم من دعوى واضعى قاموس الكتاب المقدس من تفسيرهم فاران بإيلات أن الكذب باعترافهم وارد في التوراة؛ لأنه لم يبعث نبىّ من "إيلات" حتى تكون البشارة صادقة. ومستحيل أن يكون هو عيسى عليه السلام؛ لأن العبارة تتحدث عن بدء الرسالات وعيسى تلقى الإنجيل بساعير وليس بإيلات. فليست "فاران" إلا "مكة المكرمة" وباعتراف الكثير منهم، وجبل فاران هو جبل "النور" الذي به غار حراء، الذي تلقى فيه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بدء الوحي.
وهجرة إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة المكرمة "فاران" أشهر من الشمس.
وترتيب الأحداث الثلاثة في العبارة المذكورة:
- جاء من سيناء.
- وأشرق من ساعير.
- وتلألأ من فاران.
هذا الترتيب الزمنى دليل ثالث على أن "وَتَلأْلأَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ" تبشير قطعي برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
وفى بعض "النسخ" كانت العبارة: "واستعلن من جبل فاران" بدل "تلألأ."
وأيًا كان اللفظ فإن "تلألأ" و"استعلن" أقوى دلالة من "جاء" و"أشرق" وقوة الدلالة هنا ترجع إلى "المدلولات" الثلاثة. فالإشراق جزء من مفهوم "المجيء" وهكذا كانت رسالة عيسى بالنسبة لرسالة موسى عليهما السلام.
أما تلألأ واستعلن فهذا هو واقع الإسلام، رسولًا ورسالة وأمة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وهذه المغالطة (أعني قولهم: فاران هي إيلات) لها مثيل، حيث تزعم التوراة أن هاجر أم إسماعيل عندما أجهدها العطش هي وابنها إسماعيل بعد أن طردا من وجه "سارة" طلبت الماء فلم تجده إلا بعد أن لقيا ملاك "الرب" في المكان المعروف الآن "ببئر سبع"؟ ! وأنها سميت بذلك لذلك. .؟ ! وكما كذبت فاران دعوى "إيلات" كذَّبت "زمزم الطهور" دعوى" بئر سبع؟
وستظل فاران - مكة المكرمة - وزمزم الطهور "عملاقين" تتحطم على صخورهما كل مزاعم الحقد والهوى (1).
(1) وانظر الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام، للقرطبي (265).