الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمقصود بكلمة الفرج.
الوجه الثاني: تكريم الله لمريم بنت عمران
.
في هذه الآية تكريم من الله تعالى لمريم بنت عمران ورفعها فوق النساء، وقد ضرب بها المثل الصالح، ولم ترفع بأكثر من قدرها كعبد لله تعالى.
بعكس ما فعلوه هم، حيث جعلوا لها زوجًا، وهو يوسف النجار، ولم يثبت لها الزواج منه، وجعلوا ابنها ولدًا ليوسف النجار، وهو لم يكن له أب.
وغالوا فيها، فمنهم من جعلها إلهًا، ومنهم من جعلها أم الرب. وغير ذلك من خرافاتهم التي يمجها العقل الخرب فضلًا عن السليم.
الوجه الثالث: هل
الروح
صفة لله أو مخلوقة
؟
الروح مخلوقة وليست صفة من صفات الله تعالى، وهي هنا مضافة إليه إضافة تشريف لا إضافة وصف.
الرُّوْحُ: الرُّوح، بالضم: خلقٌ من مخلوقات الله عز وجل، أضيفت إلى الله إضافة مُلكٍ وتشريفٍ لا إضافة وصف؛ فهو خالقها ومالكها، يقبضها متى شاء ويرسلها متى شاء سبحانه، وقد وردت في الكتاب والسنة مضافة إلى الله عز وجل في عدة مواضع.
ذكرها في الكتاب:
1 -
قوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171].
2 -
وقوله: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29].
3 -
وقوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)} [مريم: 17].
ذكرها في السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الشفاعة، وفيه: "يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه
…
فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى! أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه". (1)
(1) البخاري (3340)، (4712)، ومسلم (194).
أقوال العلماء في (الرُّوح) المضافة إلى الله تعالى:
قال ابن تيمية فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له؛ بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق، كقوله تعالى:(بيت الله)، و (ناقة الله)، و (عباد الله)، بل وكذلك (روح الله) عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم، ولكن؛ إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره، مثل كلام الله، وعلم الله، ويد الله
…
ونحو ذلك، كان صفة له". (1)
وقال أيضًا: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الريح من روح الله"؛ أي: من الروح التي خلقها الله، فإضافة الروح إلى الله إضافة ملك، لا إضافة وصف، إذ كل ما يضاف إلى الله إن كان عينًا قائمة بنفسها فهو ملك له، وإن كان صفة قائمة بغيرها ليس لها محل تقوم به، فهو صفة لله، فالأول كقوله {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} ، وقوله:{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} ، وهو جبريل، {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَال إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)} ، وقال:{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} ، وقال عن آدم:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} .
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه في استفتاح الجَنَّة، وفيه: "فيأتون آدم
…
ثم موسى عليهما السلام، فيقول: اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه
…
". (2)
وقال ابن القيم: فصل: هل الروح قديمة أم محدثة مخلوقة؟ وإذا كانت محدثة مخلوقة، وهي من أمر الله؛ فكيف يكون أمر الله محدثًا مخلوقًا؟ وقد أخبر سبحانه أنه نفخ في آدم من روحه، فهذه الإضافة إليه هل تدل على أنَّها قديمة أم لا؟ وما حقيقة هذه الإضافة، فقد أخبر عن آدم أنه خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، فأضاف اليد والروح إليه إضافة واحدة؟ .
(1) الجواب الصحيح 3/ 145.
(2)
رواه مسلم (190)، مجموع الفتاوى 9/ 290.
فهذه مسألة زلَّ فيها عالم، وضل فيها طوائف من بني آدم، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنَّها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم؛ كما يُعلم بالاضطرار من دينهم أنَّ العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق، وكل ما سواه مخلوق له، وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم - وهم القرون المفضلة - على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها وأنها مخلوقة، حتى نبغت نابغة ممَّن قصر فهمه في الكتاب والسنة، فزعم أنَّها قديمة غير مخلوقة، واحتج بأنها من أمر الله، وأمره غير مخلوق، وبأن الله تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده، وتوقف آخرون فقالوا: لا نقول مخلوقة ولا غير مخلوقة
…
".
ثم نقل كلام الحافظ أبي عبد الله بن منده، والحافظ محمد بن نصر المروزي، وهما ممن يقولان بأنها مخلوقة، ثم قال: "ولا خلاف بين المسلمين أنَّ الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومَن سواه من بني آدم كلها مخلوقة لله، خلقها وأنشأها وكوَّنها واخترعها، ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه، قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13](1)
وقال ابن كثير: فقوله في الآية والحديث: {وَرُوْحٌ مِنْهُ} ؛ كقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} ؛ أي: من خلقه ومن عنده، وليست (من) للتبعيض
…
، بل هي لابتداء الغاية، وقد قال مجاهد في قوله:(وَرُوحٌ مِنْهُ)، أي ورسول منه، وقال غيره: ومحبة منه، والأظهر الأول، أنه مخلوق من روح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله. (2)
(1) كتاب الروح ص 501.
(2)
تفسير ابن كثير 1/ 784.